يستعرض كبير المفاوضين الأوروبيين انريكي مورا النصوص التي بين يديه ويقارنها بهدف التوفيق بين النقاط المختلف عليها، بين التفاصيل عينها التي كانت قد تبقت من جولات التفاوض السالفة. الذي تغيّر بين جولة وأخرى أن المفاوضين بذلوا جهداً كبيراً في تهذيب وتشذيب النصوص، ولعلهم يخوضون في بلادهم معارك مشابهة مع منتقديهم لمحاولة إقناعهم بجدوى التنازل عن بعض المصالح الصغيرة لخدمة المصلحة الكبرى المتمثلة بتحقيق التسوية المنتظرة.
وبحسب المعلومات التي حصلت عليها “جاده إيران” فإن الخطوات الإجرائية للعودة إلى الاتفاق النووي جرى حسمها تقريباً، بحيث تمتد على ما يقارب الأربعة أشهر من لحظة قبول أميركا وإيران بالنص النهائي. ستون يوماً حتى يوافق مجلس الشورى الإيراني على النص ومثلها حتى يبدأ يوم التطبيق، في هذا الوقت، يصدر الرئيس الأميركي جو بايدن قرارات تنفيذية بإلغاء قرارات سلفه التنفيذية بفرض عقوبات على إيران.
موضوع الحرس الثوري ورفعه عن لائحة المنظمات الإرهابية في أميركا جرى ترحيله إلى ما بعد الاتفاق، وهو ما يجعل عملية رفع العقوبات عن الشركات الإيرانية يجري على قاعدة كل حالة على حدا.
يعيد مصدر إيراني تحدث إلى “جاده إيران” بشرط عدم الكشف عن اسمه التذكير بالمبادرة التي حملها رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في شهر مارس/آذار بشأن قضية رفع الحرس الثوري عن اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية. في تلك المرحلة تحديدا كانت الولايات المتحدة تسعى لربط مسألة إخراج الحرس من لائحة المنظمات الارهابية بسلة إيرانية تبدأ من ضبط النشاط الإقليمي ولا تنتهي عند نوع من التوافق غير المكتوب بعدم الاعتداء المتبادل، بالتالي تحييد مسألة الانتقام الإيراني لاغتيال الولايات المتحدة في مطلع العام 2020 قائد قوة القدس في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني.
بحسب مصادر متقاطعة في طهران وواشنطن وبروكسل فإن إحياء الاتفاق النووي سيفتح الباب أمام التفاوض حول أمور أخرى عالقة، إلى جانب مسألة الحرس الثوري، كتبادل السجناء، في الوقت الذي يحكى همساً عن لقاءات أميركية إيرانية أمنية (غير مباشرة) بعيدة عن الأنظار ساهمت في ترتيب الأجواء وترطيبها على غير صعيد
بالنسبة لطهران كان الثمن غير مطروح، ولواشنطن، مجرد التفكير برفع الحرس عن لوائح العقوبات لم يكن ليمر بدون ثمن كبير، بالتالي هي صفقة خسائرها أكبر بكثير من أرباحها بالنسبة للطرفين، فجرى الاتفاق على إخراجها من التداول.
بالنسبة لمن تابع كواليس المفاوضات على مدى السنوات الماضية وكان على تماس مباشر مع الشخصيات الفاعلة فيها، بعيداً عن القيل والقال، يمكن القول إن الاتفاق النووي عبارة عن مجموعة صفقات تحت مظلة صفقة واحدة. كل بند يجري التفاوض عليه وكأنه البند الوحيد، ثم تُجمع البنود وتنسق مع بعضها كما لو أنها سبحة متعددة الألوان. بعض الخرزات لا تتوافق مع بعضها، تتمرد لأي سبب يجعلها تفعل ذلك، ينكب المفاوضون مجدداً على النص الكامل لمحاولة مواءمته، لأن ما أنجز كثير ولا يمكن التفريط به.
ومن بين ما انجز تسوية تغطي فجوة الضمانات التي استحال إيجاد حل لها. هنا معضلة أخرى كان يمكن لها أن تفجر المفاوضات لولا الإصرار على التقدم فيها إلى آخر حد يمكن الوصول إليه. الترتيب السابق كان يقضي بنقل أجهزة الطرد المركزية المتقدمة من إيران إلى روسيا حتى انتهاء المدة التي أقرها الاتفاق. لكن مع غياب الضمانات التي تطلبها إيران كانت التسوية كما كشفت “جاده إيران” سابقا بإيجاد ضمانة حاضرة داخل الحدود الإيرانية، بحيث يمكن لطهران أن تستعيد نشاطها النووي بشكل كامل لحظة تراجع الأطراف الأخرى عن تعهداتها. القصد هنا، أن تحتفظ إيران بالأجهزة المتطورة داخل حدودها، وليكن في مستودعات تشرف عليها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ووصف أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني هذه التسوية بالضمانات الذاتية الأكثر تأثيرا.
لكن طهران لا تزال تطالب بضمانة أخرى للشروع في إحياء الاتفاق، وتتمثل في رفع ثمن الخروج من الاتفاق على واشنطن. من ضمن المقترحات الجدية إعطاء فترة سماح من العقوبات بين عامين ونصف وثلاثة أعوام للشركات التي تتعامل مع إيران في حال خروج أميركا من الاتفاق. البند حاضر في واحدة من الأوراق المتداولة بين المفاوضين ولكن ليس مؤكدا بعد إذا ما قبلت به واشنطن أم لا.
وبحسب مصادر متقاطعة في طهران وواشنطن وبروكسل فإن إحياء الاتفاق النووي سيفتح الباب أمام التفاوض حول أمور أخرى عالقة، إلى جانب مسألة الحرس الثوري، كتبادل السجناء، في الوقت الذي يحكى همساً عن لقاءات أميركية إيرانية أمنية (غير مباشرة) بعيدة عن الأنظار ساهمت في ترتيب الأجواء وترطيبها على غير صعيد.
(*) بالتزامن مع “جاده إيران“