السعودية “تتنمر” على بايدن الضعيف.. ولكن!

لا شك أن الحرب الروسية في أوكرانيا خلقت مزيداً من الارتباك السياسي في عالمنا العربي الذي لا ينقصه ارتباك، ذلك أن المنطقة إعتادت على زمن الأحادية القطبية طوال ثلاثة عقود من الزمن، حيث يكون الأميركي هو الآمر والناهي، لكن الآن بدأت الصورة تختلف.

ها نحن نرى دولاً عربية من بين أهم الحلفاء “التاريخيين” و”الاستراتيجيين” للولايات المتحدة، (السعودية والامارات) لا تجاريها في مواقفها ومواقف حلفائها الغربيين في حرب أوكرانيا، لا سيما في خطط الغرب لحصار روسيا اقتصادياً وعزل الرئيس فلاديمير بوتين سياسياً.

صار معروفاً أن ثمة صداقة شخصية “حميمة” ووطيدة تربط بوتين بكل من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات محمد بن زايد، وهناك مصالح تزداد عمقاً بين هذا “الثلاثي”، وهو ما لمسنا آثاره في قرار تحالف (أوبك +) النفطي بخفض حجم انتاج دول هذا التحالف بمعدل مليوني برميل يومياً، الأمر الذي أثار غضب واشنطن، بدليل الحملة التي شنتها الإدارة الأميركية وقيادات في الحزب الديموقراطي ضد الرياض، وبلغت حد التلويح بإعادة نظر في علاقات الولايات المتحدة بالمملكة.

صحيح أن العلاقات السعودية الأميركية حالياً تواجه أسوأ أزمة منذ العام 1973، حين حظرت السعودية ضخ النفط للغرب في حرب أكتوبر، لكن الملاحظ أن الرياض التي ينتقد الاعلام الموالي لها سياسات الإدارة الأميركية الحالية ويستهزئ بالرئيس جو بايدن، تحرص على التأكيد على أهمية إستمرار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين والقائمة على “المصالح المشتركة للشعبين”. في الوقت نفسه، دافعت الرياض عن قرار تحالف (أوبك بلاس) وأكدت أنه ليس قراراً سياسياً يستهدف المصالح الأميركية وأن سياسة المملكة لا تستهدف الإضرار بالآخرين، وأن الخفض يهدف إلى “الحفاظ على سوق نفط مستدام”، إلا أن البيت الأبيض اتهم الرياض بالإنحياز لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.

وحتى تنفي المملكة عنها هذا الاتهام، بادرت إلى التصويت إلى جانب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاص بإدانة روسيا لضمها أربع مناطق أوكرانية، وكذلك فعلت الإمارات في اليوم الذي كان فيه رئيسها الشيخ محمد بن زايد موضع حفاوة وترحيب في موسكو. بدوره، سارع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للاتصال بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معلناً عن تقديم بلاده حزمة مساعات “إنسانية” لأوكرانيا بقيمة 400 مليون دولار (ويلاحظ أنه في الاسبوع نفسه قدّمت المملكة مبلغ 27 مليون دولار فقط لوكالة “الأونروا” المعنية بغوث اللاجئين الفلسطينيين!)، وأكد ولي العهد للرئيس الأوكراني أن تصويت المملكة لصالح قرار إدانة ضم أربع مناطق أوكرانية “نابع من دعمها للالتزام بالمبادئ الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وتأكيدها على إحترام سيادة الدول، ومبادئ حسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية”. بعد ذلك، كتب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان تغريدة أعرب فيها عن “استغرابه من الاتهامات الموجهة لبلاده بأنها تقف مع روسيا في الوقت الذي تشكر فيه أوكرانيا الرياض على مساعداتها لكييف وتصويتها مع قرارات الأمم المتحدة المَدينة لروسيا”.

وثمة انطباع لدى الإدارة الأميركية أن قرار تحالف (أوبك بلاس) بتخفيض الانتاج يستهدف بايدن شخصياً ويصب في خانة إضعاف الديموقراطيين في انتخابات الكونغرس النصفية في الشهر المقبل، الأمر الذي أربك الحزب الديموقراطي نفسه في رسم مسار محدد للتعامل مع السعودية في المرحلة المقبلة، ولا سيما في ضوء تلويح بايدن بإعادة النظر بعلاقات بلاده مع المملكة.

ويرى ديبلوماسيون خليجيون أن بايدن “أضعف” من أن يتخذ قراراً معادياً للسعودية ويؤثر على التحالف الاستراتيجي الذي يربط البلدين منذ نحو 75 عاماً، وهذا ما لمسه مسؤولون أميركيون حين لم يجدوا تجاوباً من الشركات الأميركية مع طلب الإدارة الأميركية لها بتقليص مشاركتها في المؤتمر الاقتصادي السنوي الذي تعقده السعودية والمُسمى بـ”دافوس في الصحراء” والذي بدأ منذ يومين في المملكة.

يصف ديبلوماسي غربي سياسة ولي العهد السعودي تجاه ادارة بايدن بأنها نوعٌ من “التنمر” السياسي لم يكن ليحصل في زمن دونالد ترامب الذي كان يتعامل مع بن سلمان بوصفه “صديقاً شخصياً”، ولا يرفض له طلباً، برغم “الرعونة” و”الفوقية” اللتين كان يبديهما ترامب في تعامله مع حُكّام السعودية وبعض دول الخليج

في هذا الصدد، يرى المراقبون أن الإدارة الأميركية بدأت تتراجع، ولو بحياء، عن حملتها ضد السعودية، فيوم الثلاثاء الماضي، قال البيت الأبيض “إنه لاحظ الخطوات التي اتخذتها السعودية في الأيام الأخيرة لدعم أوكرانيا”. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان بيير، للصحفيين، إن الرئيس الأمريكي “يواصل التفكير بشكل استراتيجي في ماهية عملية المراجعة وكيف نمضي قدماً في هذه العلاقة”، لكنها أضافت أن البيت الأبيض لاحظ الخطوات الأخيرة التي تظهر وقوف السعودية إلى جانب أوكرانيا. وختمت بالقول “سنراقب ما ستفعله المملكة خلال الأسابيع المقبلة”.

وتعتبر تصريحات جان بيير تصالحية مقارنة بالتصريحات السابقة للإدارة الأميركية، التي اتهمت السعودية بمحاولة “التلاعب” عن طريق تبني قرار خفض إنتاج النفط.

ويبدو واضحاً أن السعودية لا تريد لأزمة علاقاتها مع الولايات المتحدة الظرفية أن تتحول إلى أزمة سياسية تؤثر على مصالحها الأمنية والعسكرية مع واشنطن لذلك نرى أن تصريحات المسؤولين السعوديين تعترف بوجود خلافات “لكن ليس من مصلحة الولايات المتحدة التخلي عن التزاماتها الامنية مع المملكة”.

إقرأ على موقع 180  هآرتس: نعم، إسرائيل مهتمة ببقاء اليونيفيل!

غير أن اللافت للإنتباه هو التصريح الذي أدلت به سفيرة السعودية في واشنطن الأميرة ريما بنت بندر في مقابلة مع قناة “سي. ان. ان” بقولها ان انخفاض مبيعات الأسلحة الأميركية لبلادها “يُمكن أن يترك الأميركيين الذين يعيشون في المملكة غير محميين من تهديدات الحوثيين. هناك 80 ألف أميركي يعيشون ويعملون في المملكة وقد يصبحون عرضة للخطر إذا أطلق الحوثيون صواريخ من اليمن، فالصاروخ لا يُفرّق بين سعودي أو أميركي”، وتابعت “الدفاع عن هذه الأمة (تقصد المملكة) هو دفاع عن العالم، إنه دفاع عن الإقتصاد العالمي”.

في الوقت نفسه، يتحرك ولي العهد السعودي ضمن دائرة تتجاوز حالة إنعدان الثقة والود بينه وبين بايدن، فـ”الأمير محمد بن سلمان يتحدى بايدن ليس فقط بتبني السعودية لقرار خفض انتاج النفط، ولكن من خلال التلويح بأن المملكة قادرة على إتخاذ خطوات تؤثر سلباً على الإقتصاد الأميركي (بيع سندات الخزينة الأميركية التي تمتلكها السعودية وتزيد قيمتها على 120 مليار دولار)، وذلك في حال إقرار الكونغرس مشروع قانون “نوبك” الذي يفرض عقوبات على دول “أوبك” بذريعة محاربة الاحتكار، والتلويح بأن المملكة ستزيد من مصالحها الاقتصادية والاستثمارية مع الصين، ولعل أبرز ما يشير الى ذلك هو طلب المملكة الانضمام إلى التحالف الإقتصادي المناوئ للولايات المتحدة والغرب والمعروف بـ”منظمة بريكس” والذي تقوده الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب إفريقيا”، يقول أحد الديبلوماسيين العرب المقيمين في المملكة.

على الأرجح، هذه الإشارات السعودية تندرج في خانة التهويل، وحتماً ما كانت السعودية لتلوّح بمواجهة الادارة الاميركية لولا تيقنها أن إدارة بايدن السياسية هي إدارة ضعيفة وعاجزة عن تنفيذ تهديداتها بمعاقبة المملكة.

ويصف ديبلوماسي غربي سياسة ولي العهد السعودي تجاه ادارة بايدن بأنها نوعٌ من “التنمر” السياسي لم يكن ليحصل في زمن دونالد ترامب الذي كان يتعامل مع بن سلمان بوصفه “صديقاً شخصياً”، ولا يرفض له طلباً، برغم “الرعونة” و”الفوقية” اللتين كان يبديهما ترامب في تعامله مع حُكّام السعودية وبعض دول الخليج.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  فريدمان: هل يريد بايدن تكريس يمنٍٍ إيراني؟