الراوي السياسي طارق متري.. هذه قصة القرار 1701 

أخيراً، أصدر الدكتور طارق متري كتابه الجديد "حرب إسرائيل على لبنان 2006 –عن قصة القرار 1701"، بعد أن كان محترزاً قبل ذلك عن اصداره. متري الأكاديمي، الباحث، المؤلف والسياسي دخل عالم الديبلوماسية بمهمة طارئة إلى مجلس الأمن، وبتكليفٍ من الحكومة اللبنانية آنذاك (كان يومها وزيراً للثقافة ووكيلاً لوزارة الخارجية بسبب غياب الوزير الأصيل، الذي لم يرد اسمه في طيات صفحات الكتاب).

في المبنى الأممي في نيويورك، ولفترة تزامنت وعدوان إسرائيل على لبنان، وبعد أسبوع على بدئه، عايش الوزير السّابق طارق متري أقسى أيام الحراك الديبلوماسي، وعاين خلالها بعض كواليس ما يدور في تلك الأروقة عند اندلاع الأزمات والحروب. وثّقها جميعها في الكتاب، ليستنتج القارئ ما هو مؤكد من الدور/القرار الأميركي بتمديد العدوان الإسرائيلي في ذاك الصيف من العام 2006 كي تنجز إسرائيل نصراً لم يتحقق، إذ أجبر الميدان بقوته تراجع سطوة القرار، كما فرض ولادة القرار 1701 بنسخة تختلف عما كانت عليه المسودة التي دوّنها الفاعلان الأميركي والفرنسي، والتي سرّبها خفيةً المندوب الروسي فيتالي تشوركين للدكتور متري للاطّلاع عليها.

جاء في تعريف الكتاب الصادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (212 صفحة): “ليست الشهادة قصة القرار كاملة من دون أي نقصان. لعل شيئاً مما جرى في الميدان أو في المفاوضات غاب عن الكاتب”، لكن يعلّق متري على الأمر بالقول “لعلّها شهادة تفي بالجهد الدبلوماسي حقّاً الذي يميل البعض إلى إنكاره، لكنها في الوقت ذاته لا تقع في السذاجة، ولا في التوهُّم، فتَنسب إلى الجهد الدبلوماسي ما ليس له. فالحروب كرّ وفرّ، واعتداءات ومقاومة” (ص179).

ومن هذه الخلفية، صدر الكتاب الذي قدّم صورة مركّزة وغير مملة عن الاتصالات التي جرت آنذاك، مع إفصاحات لا تخلو من جرأة، وما رافق تلك الاتصالات من تعقيدات، والتي تعكس صورةً عن مكامن القوة في بعضها، ومكامن الضعف في بعضها الآخر.

ويوثّق الكتاب انحياز الولايات المتحدة الأميركية التام إلى إسرائيل بأدلّة عديدة، بينها مثلاً غضّ النّظر عن متابعة التحقيق في مقتل أربعة جنودٍ من القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة بغارة إسرائيلية يوم 25 تموز/يوليو 2006.. (يُذكّر الكاتب في السياق بمجزرة قانا 1996 والقصف الإسرائيلي على مقر الأمم المتحدة في بلدة قانا).

في الصفحتين 98 و99 من الكتاب تفصيل ذكره نائب بولتون في مجلس الأمن، السفير ألخندرو وُلف، الذي نقل إلى متري ما جاء على لسان الرئيس جورج بوش من تأييده لاستمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية بقطع النظر عن بوح وُلف له بأن إسرائيل ترغب بالقضاء على حزب الله لكنها تدرك صعوبة ذلك

كما يضيف الدكتور متري بعض المواقف التفصيلية من قبيل أن “مسؤولاً كبيراً في الخارجية الأميركية طلب ألّا يُذكر اسمه، عبّر عن موقف حكومته بلغة فجّة حين قال بصراحة بأن واشنطن تريد أن تترك لإسرائيل الوقت لكي تفكك حزب الله قبل الدعوة إلى وقف النار” (ص50).. ويذكّر بأنه في “20 تموز/يوليو وضعت (كوندوليسا) رايس ما يجري في لبنان في سياق إقليمي- دولي، حين تحدّثت عن أن الحرب الدائرة هي بمثابة مخاض الولادة لشرق أوسط جديد”، كما يشير الكاتب إلى مؤتمر روما لدعم لبنان “الذي أعدّ في فترة زمنية قصيرة، ومن دون ورقة تحضيرية أو جدول أعمال حين تقرر عقده في 26 تموز/يوليو 2006” (مع العلم أنه تضمن النقاط السبع التي طرحها لبنان). في هذا المؤتمر، رفضت وزيرة خارجية الولايات الأميركية المتحدة آنذاك كوندوليسا رايس بقوة الدعوة لوقف إطلاق النار، وتبدّت فجاجة الموقف الأميركي حينها خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته رايس وإلى جانبها الرئيس فؤاد السنيورة كما يشير الكاتب.

وتبدو مواقف رايس التي وردت في كتاب مذكراتها أيضاً (بعنوان “أسمى مراتب الشرف” عن دار الكتاب العربي) مُلطّفة أمام ما كشفه كتاب الدكتور متري عن فجاجة مندوب الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة جون بولتون يومها، وهو الذي تجاوز رايس كما ورد على لسانه، واقتصرت اتصالاته مع رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إيهود أولمرت، وهو ما ورد في مذكرات رايس أيضاً. وبولتون الذي اشتكت منه رايس، اشتكى منه مندوبو معظم الدول في الأمم المتحدة، كما يذكر الكاتب، وهو الذي كان ممثلاً لخطط وطموحات المحافظين الجدد، ورئيسهم في البيت الأبيض يومها جورج دبليو بوش.

يُذكّر أن وفداً من قوى 14 آذار ضم النائبين أنطوان زهرا وغازي يوسف والنائب السابق فارس سعيد ودوري شمعون والمقدم شريف فياض.. قدّم في أيار/مايو 2006 درع الأرز لجون بولتون. (أخبر المقدم فياض كاتبة هذه السطور، رحمه الله، أنه أبى الدخول مع الوفد لتقديم الدرع في نيويورك)!

في الصفحتين 98 و99 من الكتاب تفصيل ذكره نائب بولتون في مجلس الأمن، السفير ألخندرو وُلف، الذي نقل إلى متري ما جاء على لسان الرئيس جورج بوش من تأييده لاستمرار الحملة العسكرية الإسرائيلية بقطع النظر عن بوح وُلف له بأن إسرائيل ترغب بالقضاء على حزب الله لكنها تدرك صعوبة ذلك.

بولتون الذي أبدى تعنتاً في الثامن من آب/أغسطس 2006 خلال اجتماعه مع الوفد العربي الذي ذهب إلى الأمم المتحدة لدعم مواقف لبنان، والذي كشف عن “ضعف استعداده للاستماع إليهم”، أجبره الواقع الميداني وصمود المقاومين وأهاليهم وضحاياهم تحت الأنقاض على إدخال تعديلات على مسودة القرار 1701 كما يشير الكاتب، والتي يذكر أنه كان يناقشها بنفسه تباعاً مع رئيس حكومة لبنان وقتها فؤاد السنيورة، وقد أصرّ على تعديل بعض البنود التي لم تكن لا لمصلحة لبنان ولا لمصلحة حزب الله، ومنها ألا يصدر القرار تحت الفصل السابع.

إقرأ على موقع 180  الحريري مُدان خليجياً.. "يُسهّل هيمنة إيران على لبنان"!

من الكتاب، يستنتج القارئ تسلط وهيمنة الولايات المتحدة الأميركية على الأمم المتحدة، (أطاحت بأمينها العام بطرس غالي لتعاطفه مع لبنان ضد عدوان نيسان/أبريل في العام 1996 ووقوع مجزرة قانا بصواريخ أميركية وطائرات إسرائبلية).. وقد لفت الكاتب الإنتباه إلى أن الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان كان متعاطفاً ومستاءً من الموقفين الأميركي والفرنسي ومن مسألة قتل إسرائيل للمدنيين اللبنانيين، ومثله موقف المندوب الروسي فيتالي تشوركين الذي نقل خفيةً كما بات معلوماً مسودة التشاور الفرنسي – الأميركي بشأن استصدار قرار لا يقبل به لبنان.. مع إشارات وغمز من جانب متري لمواقف المندوب الفرنسي.

وفي محصّلة الكتاب عبرة لكنها للأسف تتكرر، ويتكرر أبطالها وفاعلوها بسذاجة، وتتعلق بمحاولات أميركا الدؤوبة لتأديب حزب الله، فتكون النتيجة تأديب لبنان!

أطل متري في كتابه بلغة المحايد، والدبلوماسي المعتّق، المتمكّن من صياغة أفكاره ببرودة، مع أنه أظهر في مقدمة الكتاب بعض التوتر خلال رده على وثائق “ويكيليكس” التي نشرت “ثرثرات سياسية” على حد قول الكاتب لمسؤولين لبنانيين فضحت حقيقة مشاعرهم الضدية لحزب الله..

Print Friendly, PDF & Email
منى سكرية

كاتبة وصحافية لبنانية

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  الحريري مُدان خليجياً.. "يُسهّل هيمنة إيران على لبنان"!