لطالما كان يُمثل الرئيس ابراهيم رئيسي في إيران، منذ إنتخابه رئيساً للجمهورية، التيار الأصولي تدعمه شريحه معينة من الوسط الشعبي تحاول انجاح مهمته بما يحقق مصالح المواطنين ورضاهم؛ الا انه بعد مرور اكثر من عام؛ لم تُظهر حكومته حنكة وحيوية في ادارة الملفات الساخنة؛ الامر الذي ادی الی استبعاد وزيرين من الكابينة الوزارية هما وزير العمل والشؤون الاجتماعية ووزير النقل وتخطيط المدن اضافة الی محافظ البنك المركزي فيما توجه انتقادات حادة لوزراء اخرين منهم وزراء الصحة والاقتصاد والتربية والتعليم والرياضة والصناعة؛ مما انعكس بشكل واضح علی اداء الحكومة.
في الوقت نفسه، يُسجل لمجلس الشوری (البرلمان) في دورته الحالية إنسجامه الكبير مع الحكومة؛ لكنه قدّم اداءً متواضعاً وبالتالي لم يثبت جدارته في معالجة المشاكل التي يعاني منها المواطنون ولم يثبت قدرة المتابعة والاشراف علی تنفيذ البرامج التي تخص المواطنين. وهذه التصورات اصبحت مسموعة اكثر من ذي قبل لدى الاوساط الدينية والسياسية والاجتماعية والتي بدأت التفكير بصوت مرتفع في ضوء تفاقم المشاكل الداخلية.
ما هي التحديات التي تواجه الحكومة؟
لعل أول تحدٍ يواجه حكومة إبراهيم رئيسي هو التحدي الاقتصادي والمالي الذي تُجسده ظاهرة إنخفاض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الاجنبية، حيث يتوقع المتعاملون في سوق الصرف ارتفاع سعر صرف الدولار الی 50 الف تومان وهذا الامر ينعكس علی ارتفاع النسب الاقتصادية كالتضخم والبطالة وارتفاع الاسعار والخدمات في الوقت الذي انتهجت الحكومة سياسة رفع الدعم عن السلع والخدمات المقدمة منذ بداية السنة الايرانية (منذ 21 اذار/مارس الماضي) ولجأت إلى الضرائب وسيلة لسد احتياجاتها ونفقاتها العامة الواردة في موازنة العام 2023. الآن امام الحكومة تحدٍ في تحسين اداء الفريق الاقتصادي الذي لم يظهر كفاءة في معالجة المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها المواطنون وذلك حتى يستمروا في تقديم دعمهم للنظام السياسي في مواجهة التحديات الامنية والسياسية الداخلية والخارجية.
ثاني هذه التحديات يتصل بالامن الداخلي ولا سيما في ضوء الوقائع التي افرزتها الاحتجاجات الأخيرة حيث يشكل العامل الاقتصادي العمود الفقري لهذه الاحتجاجات اضافة الی عدد من القوانين التي تتعلق بالحريات السياسية والحريات العامة التي هي بحاجة الی اعادة نظر. وعلی الرغم من انخراط مراكز القرار الايرانية في التقييم والمراجعة لكن العبء الاكبر يقع علی آلية الأجهزة الحكومية التنفيذية من أجل إعادة الثقة بالسلطة السياسية خصوصاً ان ايران تواجه استحقاقاً انتخابياً برلمانياً في فبراير/شباط من العام 2024.
ثالث هذه التحديات هو خارجي، ولا سيما ملف المفاوضات النووية. هذه المفاوضات بدأت في ابريل/نيسان من العام 2021 ولكنها لم تفضِ إلى نتائج ترضي الجانبين بعدما وضعت حكومة الرئيس حسن روحاني كامل البيض في سلة تلك المفاوضات التي لم تنجح في استكمالها وتم ترحيلها إلى حكومة الرئيس ابراهيم رئيسي؛ وهي الآن ـ اقصد المفاوضات – في وضع لا تُحسد عليه. لكن الواضح ان هذه المفاوضات التي تحاول احياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015 قد بلغت طريقاً مسدوداً. ومن المستبعد التطرق لهذا الاتفاق كما كان في العام 2015 اللهم الا اذا صار “اتفاق بلاس1” بسبب تغير الكثير من المعادلات التي رافقت اتفاق عام 2015. الآن نحن نتحدث عن ظروف جديدة، سواء علی مستوی الجانب الايراني او علی مستوى الجانب الامريكي الذي اعلن ان المفاوضات النووية ليست في صلب اولوياته في الوقت الذي لا زال الجانب الايراني مصرا علی اتفاق 2015 وهذه الاجواء تخلق نوعاً من التحدي الجديد للحكومة الايرانية.
تجربة ما إنقضى من عمر ولايته الرئاسية لا يشي بتحقيق الكثير من الوعود، الأمر الذي يعني أن المراجعة المطلوبة يجب أن تكون جدية وموضوعية على أن لا تستثني أي مؤسسة من مؤسسات العمل الحكومي
رابع التحديات هو التحدي الاسرائيلي في ظل حكومة يمينية متطرفة بامتياز بقيادة بنيامين نتنياهو؛ لكن هذا التحدي هو اضعف التحديات التي تواجه ايران لكن الظروف تقتضي عدم استبعاده. لماذا اضعف التحديات؟ لان نتنياهو يحمل ما يكفي من بذور ضعف كفيلة بتطيير تركيبته الحكومية، وهذا الرجل فشل في مواجهة ايران في عز قوته حتی عندما كان البيت الابيض يحكمه الرئيس دونالد ترامب لكنه عجز من تحقيق اهدافه لا بل كان له الفضل الكبير في تطوير برنامج ايران النووي وتعزيز نفوذ إيران الاقليمي بعدما دفع الرئيس ترامب للانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018. إيران في العام 2023 هي اقوی من إيران العام 2018 في الجوانب التي تتصل بالمواجهة مع اسرائيل عند قيامها بأي عمل عدائي ضد المصالح الايرانية.
التحدي الخامس والاخير يتمثل في العلاقة مع الصين وروسيا. ثمة أسئلة لا بد من طرحها: كيف ستتعامل الصين مع برنامج العمل المشترك الموقع مع ايران لمدة 25 عاما بقيمة 250 مليار دولار؟ هل هي مستعدة للدخول في تنفيذ مشاريع استراتيجية مع وجود الحظر الامريكي علی الشركات العاملة في السوق الايرانية؟ ما هو مصير التعاون الايراني الروسي بعد الحرب الاوكرانية؟ والی اي مدی يستمر هذا التعاون؟ وما هي سقوفه؟ وهل سيتأثر بنتائج الحرب الاوكرانية؟ وباي اتجاه؟.
استنادا إلی هذه التحديات الاستراتيجية الخمسة ينبغي للرئيس ابراهيم رئيسي ان يعيد النظر بأداء كابينته الوزارية، ذلك أن تجربة ما إنقضى من عمر ولايته الرئاسية لا يشي بتحقيق الكثير من الوعود، الأمر الذي يعني أن المراجعة المطلوبة يجب أن تكون جدية وموضوعية على أن لا تستثني أي مؤسسة من مؤسسات العمل الحكومي.