السعودية تبتعد عن أميركا.. وبيرنز يحتج على إطلاق سراح معتقلي “حماس”!

برغم محاولات ضخ الكيمياء، في شرايين العلاقة بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الأميركي جو بايدن، ظلت البرودة سمة تميز العلاقة بين الرجلين، وذلك على عكس ما كانت عليه العلاقة بين الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير من جهة وولي العهد السعودي من جهة ثانية.

إلا أن ثمة من يؤرخ لبدايات تأزم العلاقة بين واشنطن والرياض من عند حدث كان ترامب هو المسؤول عنه وليس الإدارة الحالية، والمقصود بذلك لحظة إستهداف حقول شركة “آرامكو” في أيلول/سبتمبر 2019 بالمسيرات الحوثية، الأمر الذي أدى إلى تعطل نصف إنتاج المملكة النفطي (حقل بقيق)، وبرغم هذا الإستهداف، ظلّت الولايات المتحدة مكتوفة اليدين، خلافاً للإتفاق التاريخي المعمول به منذ إتفاق كوينسي التاريخي بين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، وقوامه الأمن مقابل النفط.

وقد جاءت قمة الرياض الصينية العربية في الرياض، على مسافة أشهر قليلة من قمة جدة التي بقيت مقرراتها حبراً على ورق، تعبيراً عن سعي المملكة للتفلت من إصطفافها التاريخي في “المحور الأميركي”. وجاء الإتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين ليزيد الطين بلة. الغضب الاميركي من إتفاق بكين والإنفتاح السعودي على سوريا، نقله رئيس المخابرات المركزية الاميركية وليام بيرنز، الأسبوع الماضي، إلى المسؤولين السعوديين، وثمة معلومات أن بيرنز إعترض على قرار الحكومة السعودية، في الآونة الأخيرة، إصدار عفو عن سجناء حركة “حماس” في السجون السعودية، وعددهم 60 من اعضاء الحركة وممثليها في المملكة – غير الدكتور محمد الخضري ممثل حركة “حماس” سابقاً في السعودية الذي اطلق سراحه وأُبعد الى عمان في شهر تشرين الاول/اكتوبر العام الماضي ـ وكان هؤلاء قد اعتقلوا قبل نحو خمس سنوات، وحُكم عليهم بالسجن بتهمة “دعم الارهاب”.

رئيس المخابرات المركزية الاميركية يفشل بتخويف السعودية من سياسة الابتعاد عن واشنطن واتفاقها مع طهران وقرب اعادة علاقاتها مع دمشق والافراج عن معتقلي حركة “حماس”

وقد اطلقت السلطات السعودية سراح هؤلاء على دفعات، قبيل توقيع الاتفاق الايراني السعودي، من اجل ان لا يتم تفسير خطوة الإفراج عنهم بأنها جاءت بطلب من ايران. وعلم أن معظم المُفرج عنهم توجهوا الى تركيا وبعضهم الى عمّان، ومن المملكة الأردنية إنتقل معظمهم إلى قطاع غزة.

يُذكر أن السلطات السعودية إعتقلت هؤلاء في أوج إشتباكها مع حركة الاخوان المسلمين، بطلب من واشنطن وبتهمة إرسال أموال بملايين الدولارات الى حركة “حماس” في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولوحظ ان السلطات السعودية لم تقبض على اعضاء ومناصرين للحركة لم يكن لهم اي نشاط تمويلي او سياسي في المملكة.

والغريب في الامر ان حركة “حماس” لم تعلن رسمياً عن الافراج عن معتقليها في السعودية، برغم انها احتفت في اسطنبول وغزة بالمُفرج عنهم، مع العلم أنها كانت قد أعلنت سابقاً خبر الافراج عن ممثلها السابق في السعودية محمد الخضري في العام الماضي. وهذا الافراج لا يعني ان السعودية ستعيد علاقاتها مع حركة “حماس”، بل تعبير عن الحرص على عدم معاداتها.

وقد يكون السعي السعودي لاغلاق الملفات العالقة عربياً هو بمثابة تمهيد لترؤسها القمة العربية في الرياض في 19 ايار/مايو المقبل، وبالتالي تصفير مشاكل المملكة مع كل الدول العربية وأيضاً دول الجوار الإقليمي. ومن المقرر أن يُعقد إجتماع وزاري عربي تشاوري في جدة يوم الجمعة المقبل يشارك فيه وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى وزراء خارجية كل من مصر والعراق والأردن للتباحث في مسألة مشاركة سوريا في القمة العربية المقبلة.

والمتداول هنا في الرياض أن محمد بن سلمان لا يكن مشاعر ودية تجاه الولايات المتحدة حتى في ايام الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب، الذي احرج ولي العهد السعودي مراراً بتصريحاته “الهوجاء” ومنها انه يجب على المملكة ان تدفع ثمن حماية الولايات المتحدة لها، وما كان من ولي العهد السعودي إلا أن أغدق على الولايات المتحدة صفقات أسلحة بعشرات مليارات الدولارات لأجل إنهاء حرب اليمن. ولكنه وجد ان لواشنطن وللعديد من العواصم الغربية الاخرى مصالح مالية وامنية في استمرار هذه الحرب، حتى ان الاسلحة الاميركية التي يدفع ثمنها مليارات الدولارات لم تستطع ان تحمي اراضي المملكة من الهجمات الحوثية بالصواريخ والطائرات المسيرة، ولم تؤدِ الأقمار الصناعية وطائرات الاستطلاع الاميركية والغربية دورها في محاولة وقف تهريب الاسلحة والصواريخ الإيرانية للحوثيين.

على هذا الأساس، بدأت مفاوضات بغداد منذ حوالي العامين، قبل أن يلجأ ولي العهد السعودي في الأشهر الأخيرة إلى الصين لضمان أي إتفاق محتمل بينه وبين إيران.

يقول عدد من الدبلوماسيين العرب في الرياض إن محمد بن سلمان عندما قرر إبعاد الوزير عادل الجبير عن منصبه كوزير للخارجية قبل عامين والإكتفاء باعطائه منصب وزير دولة للشؤون الخارجية كان دليلاً على سياسة بن سلمان القاضية في الابتعاد التدريجي عن التبعية السياسية لواشنطن

وما يتداول في الرياض ايضاً ان الامير محمد بن سلمان، ومنذ عامين وأكثر، أخذ يعتمد سياسة الابتعاد عن التبعية السياسية للولايات المتحدة، من دون القطيعة معها، وهذا ما بدا من خلال الوقوف وراء قرار دول (الأوبيك +) بتقليص حجم انتاجها من النفط في شهر ايلول/سبتمبر الماضي برغم ان هذا القرار اغضب واشنطن، ويجب الاشارة هنا الى القرار الذي اتخذته السعودية ومعظم دول (الاوبيك +) قبل حوالي الأسبوع بتخفيض طوعي لحجم الانتاج النفطي بمقدار مليوني برميل يومياً، وهو الأمر الذي أزعج واشنطن، فأعربت عن عدم ارتياحها لهذا التخفيض الجديد.

إقرأ على موقع 180  دبابةٌ.. تُعيد ألمانيا إلى حدود روسيا بعد ثمانية عقود!

وبدا الابتعاد السعودي عن واشنطن ايضاً، باستمرار علاقات قيادة المملكة الجيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برغم المقاطعة الاميركية والغربية لروسيا ورئيسها منذ إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية قبل سنة ونيف.

ويقول عدد من الدبلوماسيين العرب في الرياض إن محمد بن سلمان عندما قرر إبعاد الوزير عادل الجبير عن منصبه كوزير للخارجية قبل عامين والإكتفاء باعطائه منصب وزير دولة للشؤون الخارجية ـ وهو منصب بروتوكولي بالعرف الديبلوماسي ـ كان دليلاً على سياسة بن سلمان القاضية في الابتعاد التدريجي عن التبعية السياسية لواشنطن. ومن المعروف عن الجبير انه من المؤيدين بشدة للولايات المتحدة ولإستمرار العلاقة معها بأي ثمن. ولا شك ان محمد بن سلمان بسياسته القاضية بالابتعاد عن النفوذ الاميركي وحتى الغربي، يدرك ان الولايات المتحدة اصبحت أكثر ارتباكا في المنطقة، وهذا الأمر ساهم في إضعاف هيبتها عالمياً. وهذا الابتعاد السعودي عن النفوذ الاميركي فيه مصلحة لخصوم الولايات المتحدة، أي روسيا والصين وايران. ومن هنا جاءت النصيحة الروسية للقيادة الايرانية “اعملوا بكل جهد للاتفاق مع السعودية التي تبتعد عن النفوذ الاميركي”.

Print Friendly, PDF & Email
سليمان نمر ـ الرياض

كاتب عربي متخصص بالشؤون الخليجية

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  من أين يستمد نتنياهو اندفاعته في حرب الإبادة والتجويع والتدمير؟