في كلمته التي ألقاها لمناسبة ذكری رحيل الإمام الخميني، قبل عشرة أيام، وصف مرشد الجمهورية الإسلامية الإمام علي خامنئي الإنتخابات المقبلة بأنها “مهمة جداً”، مشيراً إلی أن “العدو وجّه مدافعه من الآن لمواجهة هذه الإنتخابات”.
وتأتي أهمية هذه الدورة الإنتخابية لأسباب داخلية وخارجية علی حد سواء. فهذه الإنتخابات تجری غداة الاحتجاجات التي شهدتها إيران علی خلفية وفاة الشابة مهسا أميني حيث تسعی المعارضة الإيرانية في الخارج لإقناع الناخب الإيراني بعدم التفاعل مع هذه الإنتخابات وصولاً إلى مقاطعتها كمؤشر علی معارضة الشارع للنظام السياسي؛ في الوقت الذي يسعی النظام إلی جعل الإنتخابات بمثابة “استفتاء” جديد علی التفاعل الشعبي مع النظام السياسي؛ ومن هنا تتبدى رغبة الدولة في زيادة نسبة المشاركة الجماهيرية التي كانت متدنية الی حد كبير في الإنتخابات السابقة التي جرت في 21 فبراير/شباط 2020 مقارنة بالدورات الإنتخابية السابقة ولا سيما بسبب جائحة كورونا.
الأمر الثاني أن عديد الدوائر الرسمية والشعبية والدينية تُقر بضعف تركيبة البرلمان الحالي وعجزه عن ممارسة دوره التشريعي والرقابي لمصلحة معالجة مشاكل المواطنين الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي أدی إلی ضعف واضح في الأداء التشريعي في شتى المجالات.
الأمر الثالث يتمثل في غياب العناصر الفاعلة في المشهد السياسي الإيراني عن مصادر القرار لمصلحة أوساط متشددة راديكالية – كما تعتقد العديد من الأوساط – ما أدى إلی تفاقم المشاكل ومنها تلك التي أدت إلی الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها المدن الإيرانية؛ ناهيك عن استبعاد عناصر التيار الإصلاحي في ضوء تشدد مجلس صيانة الدستور مع مرشحي هذا التيار خلال الإنتخابات البرلمانية السابقة.
أما الأمر الرابع فيتصل بقناعة المراقبين بأن نتيجة هذه الإنتخابات ستؤثر بشكل واضح علی ملامح الرئاسة الإيرانية في إنتخابات العام 2025 حيث تنتهي الدورة الرئاسية الأولی لإبراهيم رئيسي.
الأكيد أن الأصوليين لن يدخلوا هذه الإنتخابات بقائمة واحدة بل المرجح دخول “اليمين الجديد” و”يمين الوسط” في إئتلاف موحد في مواجهة “اليمين الراديكالي” المتشدد حيال القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتحديداً بشأن آلية التعاطي مع “قضية الحجاب” التي أصبحت الشمّاعة التي ترقص من حولها المعارضة الإيرانية
واذا ما استثنينا التيار الإصلاحي الذي لم تُعرف بعد مواقفه من الإنتخابات البرلمانية المقبلة، في إنتظار تعامل مجلس صيانة الدستور مع المرشحين الإصلاحيين؛ فإن التيار الأصولي الذي يُهيمن حالياً علی دوائر القرار تتقاذفه اتجاهات متعددة ووجهات نظر مختلفة وغير متفقة بشأن العديد من العناوين الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التي تهم المواطن الإيراني.
واستناداً إلی ذلك، يمكن تقسيم التيار الأصولي إلی ثلاثة اتجاهات أساسية فاعلة:
الأول؛ اتجاه “اليمين الجديد” الذي يتزعمه رئيس مجلس الشوری السابق علي لاريجاني ومعه نائبه في المجلس المذكور محمد رضا باهنر.
الثاني؛ اتجاه “اليمين الراديكالي” مُجسداً بحزب “بايداري” (الصمود) الذي كان قريباً من الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد؛ وهو محسوب إلی حد بعيد علی المرجع الراحل محمد تقي مصباح يزدي.
الثالث؛ اتجاه يمكن وضعه في خانة “اليمين الوسط” الذي يتزعمه رئيس البرلمان الأسبق غلام رضا حداد عادل ومعه رئيس البرلمان الحالي محمد باقر قاليباف.
وبطبيعة الحال فان توصيفات من نوع اليمين واليسار واليمين المعتدل والراديكالي لا تنطبق بالضرورة على الواقع المُعاش في الميدان؛ كما أن هذه المصطلحات قد تختلف مدلولاتها عما كانت عليه قبل ثلاثين عاماً. لكن الإستعانة بها يُمكن أن تساعد في تسهيل قراءة المشهد السياسي والإنتخابي الإيراني.
لا أريد الدخول في تفاصيل المشهد الإنتخابي بكل تفاصيله ولربما تناولته في قادم الايام؛ لكن الأكيد أن الأصوليين لن يدخلوا هذه الإنتخابات بقائمة واحدة بل المرجح دخول “اليمين الجديد” و”يمين الوسط” في إئتلاف موحد في مواجهة “اليمين الراديكالي” المتشدد حيال القضايا الاقتصادية والاجتماعية وتحديداً بشأن آلية التعاطي مع “قضية الحجاب” التي أصبحت الشمّاعة التي ترقص من حولها المعارضة الإيرانية.
كما أن هذه الاتجاهات ضمن التيار الأصولي نفسه تختلف تصوراتها بشأن المفاوضات مع الغرب؛ العلاقة مع الشرق؛ آلية معالجة المشاكل الإقتصادية؛ نظرتها لأداء حكومة إبراهيم رئيسي ولا سيما لجهة إسناد مسؤوليات حكومية إلى شخصيات ذات خلفية عسكرية ثورية، كما هو الواقع في حكومة إبراهيم رئيسي.
وبناء علی ذلك؛ فإن نتائج هذه الإنتخابات سوف تكون مهمة، كما وصفها المرشد الأعلی، سواء لما يُمكن أن تترك من تأثيرات على الوضع الداخلي الإيراني أم لما لها من تأثير على واقع تعامل إيران مع المتغيرات والتطورات الخارجية. وحتماً سنتطرق إلى هذه الإنتخابات وخارطتها السياسية عندما تتضح صورتها وأبعادها ومحدداتها السياسية والحزبية والمناطقية في المرحلة المقبلة.