“حماس”: حتى هنية لم يكن مُلماً بتفاصيل “الطوفان”!

الصورة أصدق إنباءً من كل التحليلات. ما حدث في محيط غزة وجرى توثيقه لحظة بلحظة من قبل حركة "حماس" كان بلا شك أكبر عملية إذلال علنية تتعرض لها قوّة عسكرية مسلحة بأفخر وأدق وأقوى أنواع الأسلحة، فضلا عن كونها القوة النووية المسلحة الوحيدة في محيطها.

ما حدث قد حدث، لا نقاش فيه إلا من حيث التأكيد بأنه نكسة لإسرائيل لن ينساها العرب قبل الإسرائيليين. لكن هذه الأرقام المهولة بين قتلى وأسرى وجرحى، ومساحات جغرافية سقطت، وهيبة وماء وجه مراق، كلها تدفع باتجاه سؤال الفَكرَة بعد السَكرَة، ماذا بعد؟

بالنسبة لإسرائيل، ما قامت به “حماس” كان ضرباً خارج قواعد اللعبة ومساحة الاشتباك الأصلية. ولأنه كذلك فإسرائيل تستعد لخرق قواعد اللعبة على طريقتها والضرب خارج مساحة الاشتباك، ولكن الأمر ليس منوطا بإسرائيل فقط بل بأميركا بالدرجة الأولى وبعض حلفائها الغربيين والعرب، كما أن الرد قد يتخطى “حماس” ليصل إلى إيران باعتبارها المتهمة حاليا بالوقوف خلف الهجوم.

يقول مصدر في حركة “حماس” لـ”جاده إيران” إن تفاصيل الهجوم لم يكن على علم بها سوى مجموعة محدودة داخل كتائب القسام، “حتى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية لم يكن لديه اطلاع على التفاصيل”

وليس مصادفة اختيار إسرائيل لأحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر لمقارنة ما وقع عليها به، أولا لإعطاء العالم وتحديدا المجتمع الأميركي فكرة عما تراه، وثانيا لبدء جهد حثيث انطلقت إشاراته الواضحة لبناء سردية تحرّض لحرب ضد إيران، شيءٌ يشبه حروب أفغانستان والعراق. ليس واضحا ما إذا كانت الولايات المتحدة متحمسة لهكذا توجه، لكنها من دون شك تريد لإسرائيل أن تردّ اعتبارها بشكل لا يزحزح مجددا صورتها المحطمة، أكان على مستوى المنطقة والعالم عموما، أو بين اليهود انفسهم الذين يشعرون للمرة الأولى منذ عقود بتضعضع مزلزل للثقة بكيانهم المنكوب. لكن التحريض على الحرب خطوة ثانية تعمل عليها إسرائيل ومن يشاركها الهدف في الاقليم أو خارجه على قاعدة النار الخفيفة، في الوقت الذي تستثمر وقتاً وجهداً في صناعة تركيبة ردٍ يرجح أنها من مستوى اغتيال قاسم سليماني في العام 2020 بعد أشهر قليلة من هجوم “أرامكو” ضد السعودية.. والذي كان بدوره مزلزلا.

في كلتا الحالتين، هجوم “أرامكو” وعملية “حماس”، البصمة الأميركية في الرد هي للتأكيد بأن أميركا لن تتخلى عن حلفائها. وفي حالة هجوم “حماس” بعنوان “طوفان الأقصى”، الردّ المتوقع لن يلغي قيام إسرائيل باستباحة سماء وأرض وبحر غزة وتدمير البنى التحتية وقتل مئات وربما آلاف المدنيين.
اللافت للإنتباه أن عملية صناعة المبررات لضرب إيران بدأت من الصحافة. حيث نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية تحقيقا نسبت فيه معلومات لمصادر في “حماس” وحزب الله وسوريا والاتحاد الأوروبي وإيران، مفادها أن إيران مسؤولة بشكل مباشر عن الهجوم وأن عملية التخطيط شارك فيها قادة من “قوة القدس” في الحرس الثوري، إضافة إلى الفصائل الفلسطينية وحزب الله ووزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان.

بعيدا عن المصادر فإن المعلومات المذكورة في التقرير تبدو أقرب إلى فيلم سينمائي أو موسم جديد من مسلسل فوضى الإسرائيلي. فالتقرير إذ يؤكد مثلا حضور وزير الخارجية الإيراني في اجتماعات التخطيط للهجوم، لا يعطي سببا لوجوده وبأي صفة متجاهلا الفصل التام في إيران بين عمل الخارجية وعمل الحرس الثوري العملياتي خارج الحدود. أضف إلى ذلك اجتماع عدة فصائل فلسطينية كل أسبوعين للبحث في العملية، والواقع والتجربة يشيران إلى أن مثل هذا الروتين كان ليعرض العملية للكشف أو على الأقل للتسريب.
ولعل واحدة من علامات الاستفهام في التقرير إشارته لدور صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي في “حماس” والمسؤول العملياتي للضفة الغربية. فالعاروري لديه مهمة واضحة في حركة معقدة التنظيم وتوزيع الأدوار بين الداخل والخارج. يأخذنا هذا أخيرا لنقاش ما ذكرته الصحيفة عن اتخاذ قرار العملية على مستوى قيادة “قوة القدس”. في هذا الإطار، يقول مصدر في حركة “حماس” لـ”جاده إيران” إن تفاصيل الهجوم لم يكن على علم بها سوى مجموعة محدودة داخل كتائب القسام، “حتى رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية لم يكن لديه اطلاع على التفاصيل”. بدوره، تحدث مصدر مقرب من “قوة القدس” إلى “جاده إيران”، حيث قال: “مما لا شك فيه أن القوى الحليفة لقوة القدس تنسق بين بعضها البعض والقيادة، لكن لا يعني هذا بالضرورة تعريض عملية بهذا الحجم لخطر التسريب”.

ربما لهذا علاقة بمستوى الخرق الذي ظهر لدى فصائل المقاومة المختلفة والإيرانيين خلال السنوات الماضية. يضيف المصدر “يكفي أن تخبر قيادة كتائب القسام الحليف الرئيس بأن شيئا ما سيحصل على مستوى كبير، وبذلك تكون قد أخطرت ليستعد وضمنت السرية التامة”. ويشرح المصدر مستخدما نماذج عديدة تظهر الخيط الرفيع بين الفصائل وايران في الجانب العملياتي، وحتى بين الفصائل نفسها. يقول “إذا عدنا عدة أشهر إلى الوراء نستذكر كيف أن “حماس” لم تشارك الجهاد الإسلامي في معركتها الأخيرة مع إسرائيل، التي قامت باغتيال قادة عسكريين كبار في التنظيم، ولم يعنِ هذا انفراط التحالف بين الطرفين، لكن “حماس” حينها كانت تدرك أن عليها أن تبتعد عن الانفعال في انتظار ساعة الصفر”. تلك الساعة التي يؤكد مصدر في حركة “الجهاد الإسلامي” أن “حركة “حماس” أبلغتهم بالعملية على رأسها، ودعتهم للالتحاق بها”. ويجزم هذا المصدر لـ”جاده إيران” بعدم وجود تنسيق مسبق لهذا الأمر بين إيران وحزب الله والفصائل الفلسطينية”، كاشفًا أن “التنسيق بين حركتي الجهاد الإسلامي و”حماس” خلال المعركة حاليًا يجري على أعلى المستويات”.

تحدث مصدر مقرب من “قوة القدس” إلى “جاده إيران”، حيث قال: “مما لا شك فيه أن القوى الحليفة لقوة القدس تنسق بين بعضها البعض والقيادة، لكن لا يعني هذا بالضرورة تعريض عملية بهذا الحجم لخطر التسريب”

بين الأمثلة التي يمكن الاشارة إليها في هذا السياق استهداف البارجة “ساعر” من قبل حزب الله في حرب ٢٠٠٦ حيث لم يكن على علم بالعملية سوى عدة أفراد في التنظيم وفوجئت قيادات كبيرة بالعملية عند السماع بها.

إقرأ على موقع 180  "الغارديان": بن نايف يُعلَّق من كاحليه في غرفة التعذيب! (3)

عود على بدء إلى غزة، “حماس” قلبت المعادلة بشكل جذري، وما حققته لن يغادر إسرائيل قبل العرب، لذا فإن اليوم الذي يلي الطوفان يحمل في طياته الكثير مما لا يمكن توقعه.

(*) بالتزامن مع “جاده ايران“.

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  "الغارديان": بن نايف يُعلَّق من كاحليه في غرفة التعذيب! (3)