“بدا حزب الله يوم الأربعاء كأنه يفحص القيام بعملية كبيرة، انطلاقاً من الحدود اللبنانية. لا يزال هناك قلق من تحقُّق السيناريو الخطِر الذي تحدثت عنه المؤسسة الأمنية في الأيام الأخيرة، منذ الهجوم الفجائي الفتاك الذي قامت به “حماس” على حدود قطاع غزة. لقد تفاقمت استفزازات حزب الله على طول الحدود في الأيام الأخيرة، والآن، بدأت تظهر مؤشرات تدل على تحقُّق سيناريو حرب متعددة الجبهات ضد إسرائيل، فينضم حزب الله من لبنان وسائر الميليشيات الشيعية الموالية لإيران في سوريا والعراق إلى “حماس” في غزة.
تصاعُد درجة التوتر في الشمال جرى بالتدريج في الأيام الأخيرة. في البداية أُطلِقت صواريخ وقذائف مدفعية، لم يتّضح من كان وراء ذلك. واتّضح خلال الأسبوع أن مَن يطلق النار في الجنوب، ليس فقط “حماس” وتنظيمات فلسطينية، بل حزب الله أيضاً أطلق صواريخ ضد الدبابات، بالإضافة إلى محاولات تسلّل. في الأمس في الساعة السابعة تقريباً، جرى الحديث عن الاشتباه بمحاولة تسلُّل مسيّرات من الحدود اللبنانية، لكن تم تكذيب الخبر بعد ساعتين. لقد سُمعت صفارات الإنذار في أنحاء الشمال، وطُلب من المواطنين الاحتماء في أماكن آمنة.
في المقابل، وردت أنباء عن محاولات تسلّل خلايا من الحدود، كان من الصعب التحقق من صحتها. وأطلقت “حماس” صاروخاً من قطاع غزة سقط جنوبي حيفا. وحوالي الساعة التاسعة مساءً، انطلق إنذار (بواسطة تطبيق “إدفع”)، طُلب فيه من الناس في جميع أنحاء البلد الدخول إلى الملاجىء. لاحقاً، ادّعى الجيش أن ما حدث كان نتيجة عطل. ومع ذلك، يجب أن نفحص ما إذا كان نتيجة عملية تضليل، والحقيقة أن ما حدث كان نتيجة هجوم سيبراني، وهو التفسير الأكثر طمأنة. وهذا هو الخلل الثاني، بعد التحذير الذي أقدمت عليه قيادة الجبهة الداخلية عندما طلبت من الناس التزود بمواد ضرورية لمدة 3 أيام، ليتبين بعدها أن التحذير أتى عن طريق الخطأ.
أُعلنت حالة التأهب القصوى على الحدود الشمالية، ونُقلت إلى هناك قوات كبيرة، وجرت الاستعدادات للحرب. في ظل هذه التطورات، بدا أن حزب الله فقد القدرة على استخدام ميزة المفاجأة، مثل “حماس”
التوجه الناشىء في الشمال نحو تصعيد متواصل ظلّ في الأمس على حافة الحرب، لكن ليس هناك ما يضمن أن يبقى كذلك لوقت طويل. حزب الله يفتح، بالتدريج، جبهة من المضايقات والإزعاجات التي يمكن أن تصبح خطِرة، وتتطلب اهتماماً متزايداً من جانب الجيش الإسرائيلي. حتى الآن، يسير حزب الله على حافة الحرب، لكن سلوكه يجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي، حالياً، القيام بخطوات هجومية أوسع في قطاع غزة، لأن الجيش سيضطر إلى توزيع أفراده على جبهتين بعيدتين جداً عن بعضهما.
ومع ذلك، يجب تعداد 3 مزايا تتميز بها إسرائيل، على الرغم من الوضع الخطِر، مقارنة بالهجوم القاتل يوم السبت. أولاً، في غزة، حدثت مفاجأة أساسية، حيث فوجئت المنظومة الدفاعية في الجيش الإسرائيلي، ومن دون أيّ إنذار استخباراتي، وكانت في حالة جهوزية متدنية نسبياً، من حيث الوضع وعدد القوات. الهجوم الكبير حقق أضراراً هائلة، وأصاب بشدة الإحساس بالأمان لدى المواطنين الإسرائيليين، وزعزع ثقتهم بالقوى الأمنية (من دون الحديث عن الأداء المروع للحكومة، والمتواصل حتى الآن). لكن منذ بدأ الجيش بتنظيم صفوفه، استطاع ردّ الهجوم على الأراضي الإسرائيلية، وبدأ بهجوم واسع داخل القطاع. في المقابل، أُعلنت حالة التأهب القصوى على الحدود الشمالية، ونُقلت إلى هناك قوات كبيرة، وجرت الاستعدادات للحرب. في ظل هذه التطورات، بدا أن حزب الله فقد القدرة على استخدام ميزة المفاجأة، مثل “حماس”.
الميزة الثانية هي تأليف حكومة طوارىء ومجلس حرب. التفاصيل الدقيقة بُحثت حتى ساعة متأخرة من الليل، لكن في نهاية الأمر، اضطر نتنياهو إلى ضم كلٍّ من بني غانتس وغادي أيزنكوت، وهما لواءان سابقان من حزب المعسكر الرسمي. وهذا خبر مطمئن بالنسبة إلى أكثر من نصف السكان في إسرائيل، نظراً إلى خبرة وتجربة الرجلين، ولأنه أخيراً، ستُتخذ القرارات، بالاستناد إلى إجماع وتأييد أغلبية الجمهور.
الميزة الثالثة، وربما الأهم، تكمن في الخطوة الأميركية. الخطاب غير المسبوق الذي ألقاه الرئيس الأميركي جو بايدن يعبّر عن تأييد غير مسبوق من واشنطن لإسرائيل. ولم يعلن بايدن تأييده وتقديره لإسرائيل، بل ألحق كلامه بأفعال. فتوجهت حاملتان للطائرات مع 200 طائرة حربية نحو البحر المتوسط. هدف هذه الخطوة ردع حزب الله وإيران عن المشاركة الكاملة في الحرب بين إسرائيل و”حماس”.
لكن للوجود الأميركي أهمية عملية، فهو مدعوم ببداية جسر جوي لإسرائيل، هدفه منح الجيش الإسرائيلي نفساً طويلاً في معركة على جبهتين. الأميركيون لن يهاجموا بالضرورة لبنان إلى جانب الجيش الإسرائيلي، لكن هناك أهمية للتأييد وللتهديد. وفي حال وجدت إسرائيل نفسها في ضائقة لاحقاً، تستطيع الولايات المتحدة المشاركة في الهجوم- أو تحذير لبنان وإيران من مغبة استخدام قوة هائلة. وهذا يضاعف قوة إسرائيل، ويشكل قيمة مضافة إلى التأييد العلني السياسي من بايدن. وهذا الموقف الأميركي هو نتيجة للهجوم الوحشي الذي قامت به “حماس”، والذي كان موجهاً، في أغلبيته، ضد مدنيين.
الشكوك في نيات حزب الله تثير حيرة إسرائيلية إزاء مكان وزمان تحرُّك الحزب. في الماضي، طُرح سؤالان في تدريبات قيادة الأركان العامة: هل ينبغي توجيه ضربة استباقية تستدرج حزب الله إلى القيام بخطوات يمكن أن تضمن نشوب حرب، وكيفية التنسيق بين القطاعات؟ تريد إسرائيل التركيز على قطاع غزة من خلال سلسلة من الخطوات – هجوم جوي مكثف، الضغط بصورة كبيرة جداً ووقف تزويد القطاع بالكهرباء والغازـ والتحضير لهجوم برّي محتمل في داخل غزة. وحالياً، إذا انضم حزب الله، أو كان على حافة الانضمام، فإن سلّم الأولويات سيتغير.
ثمة ساحة أُخرى يجب متابعتها عن كثب، هي الضفة الغربية. لا يوجد حتى الآن هجمات منظمة، لكن التوتر كبير، ويوجد احتمال كبير لوقوع هجمات هناك من “حماس” وتنظيمات أُخرى. ومَن يُفاقم عدم تهدئة الأجواء، هم نشطاء اليمين المسياني في الضفة. ففي الأمس، قُتل 3 فلسطينيين في هجوم قام به مستوطنون ملثمون على قرية كسرى. ما جرى في “غلاف غزة” يشجع مجموعات متطرفة على الرغبة في الانتقام، وهذا يمكن أن يصبح مشكلة حقيقية في الضفة، وربما في داخل الخط الأخضر. حتى الآن، وعلى الرغم من التوتر الكبير، لم تسجَّل حوادث لافتة وسط العرب في إسرائيل.
الأيام المقبلة ستكون حاسمة بشأن اتخاذ القرارات المتعلقة بسياسة إسرائيل في المعركة، وربما بمصير الحرب كلها. في الأمس، سمح الجيش الإسرائيلي للصحافيين بزيارة “غلاف غزة” والاطّلاع على ما جرى. المشاهد هناك تزيد في حدة الوعي الإسرائيلي بشأن ما هو مطروح اليوم. التعبئة الكبيرة لجنود الاحتياط، وللمجتمع المدني، وعملية التعافي التي نأمل أن تبدأ في الجيش الإسرائيلي، كل هذا يبعث على الأمل بأن إسرائيل ستعرف كيف تواجه التحدي بالقوة المطلوبة، سواء أكان محصوراً في الجنوب، أم تمدّد نحو الشمال”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية