ثمة موقف معقد ومحرج لمعظم الدول المعنية بالقضية الفلسطينية وتاريخ هذه القضية منذ العام 1948، ولا سيما للطرفين الأمريكي والإيراني. من جهة، تريد طهران حماية حركة “حماس”، وفي الوقت نفسه، مراكمة المزيد من عناصر النفوذ على رأس محور يمتد من غزة إلى طهران مرورا ببيروت ودمشق وبغداد وصنعاء. ومن جهة مقابلة، تريد الولايات المتحدة أن تحمي حليف إستراتيجي (إسرائيل) لكن شرط وضعه تحت سقف مصالحها التي ربما تقتضي عدم توسيع رقعة الحرب الإسرائيلية.
وفيما يتابع العالم مآلات الساحات الملتهبة سواء في الداخل الفلسطيني أو في شمال فلسطين المحتلة عند الحدود مع لبنان؛ تتحدث إسرائيل عن تهجير جديد للفلسطينيين خارج الأراضي الفلسطينية نحو صحراء سيناء، وتسعى لتنفيذ هذا المشروع بواسطة حمم النيران والقنابل، ولا سيما القنابل الفوسفورية التي تنهمر على قطاع غزة يومياً، في إطار حملة إبادة جماعية لسكان القطاع المحاصر؛ وثمة خشية أنه في حال نجاح مشروع الترحيل نحو صحراء سيناء، سيكون ترحيل سكان الضفة الغربية نحو الأردن هو الخطوة التالية، في خطوة تعيد للأذهان ما حصل للفلسطينيين خلال نكبة العام 1948.
وفي المعلومات؛ رفضت إيران، مقترحاً أمريكياً للعودة إلى الإتفاق النووي مقابل إقناع “حزب الله” بعدم فتح الجبهة الشمالية. وهذا المُقترح الأمريكي قدّمه طرف ثالث معني بالمفاوضات الإيرانية الأمريكية، ونقل إلى طهران استعداد واشنطن لبدء مفاوضات مباشرة لتنفيذ الإتفاق النووي الذي أُبرم في العام 2015 والالتزام بالقرار الأممي 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي. المقترح جاء في إطار مباحثات شهدتها سلطنة عمان في الصيف الفائت وأسفرت عن تبادل المعتقلين بين طهران وواشنطن الشهر الماضي وكان من المفترض أن تُستأنف بعد تنفيذ الصفقة المذكورة بين الجانبين.
أراد الوسيط بين طهران وواشنطن أجوبة علی أسئلة أمريكية محددة تتعلق بمجملها بدعم إيران لأصدقائها وحلفائها ضمن محور المقاومة وإلی أي مستوی يُمكن أن يصل ويستمر؟ وماذا عن فكرة “وحدة الساحات”؟ وامكانية فتح جبهة الشمال عن طريق حزب الله؟.
وحسب المعلومات إياها، كان الجانب الإيراني واضحاً في أجوبته، ولا سيما عندما تجدّد التواصل عبر الوسطاء، غداة السابع من تشرين/أكتوبر حيث إعتبر أن ما قامت به “حماس” هو نتيجة طبيعية للإحتلال والإستيطان والإذلال والتجاهل وعقود من القهر والتمييز العنصري الإسرائيلي؛ وأن جميع الاحتمالات اليوم مطروحة علی الطاولة. أما قرار “وحدة الساحات”، فإنه بيد الفصائل والقوی الميدانية ورهن تطورات الموقف، وفق قاعدة “غزة ليست وحدها” وضمن مسار لن ينتهي عند غزة، بمعنی أن هذه الحرب لن تكون مجرد جولة تنتهي كسالفاتها، بل يجب أن تفضي إلى حلول ملموسة تنهي معاناة الفلسطينيين في القطاع والضفة “وبالتالي ما قبل 7 أكتوبر ليس كما بعده”، علی حد تعبير المرشد الإيراني الأعلی السيد علي خامنئي.
أما ما يتعلق بالإتفاق النووي، فإن الجانب الإيراني رفض بشكل قاطع العودة إلى الإتفاق النووي إذا كانت وظيفتها تشريع الحرب الأمريكية الغربية علی قطاع غزة؛ مشيراً إلی أن المفاوض الإيراني الذي يُحاور الأمريكي بشكل غير مباشر لا يحق له الكلام في هذه القضية لا من قريب ولا من بعيد؛ منتقداً في الوقت ذاته وقوف الولايات المتحدة إلى جانب الكيان المحتل في عدوانه علی غزة، مُحذراً من أن هذا الإنخراط الأمريكي يساهم في بلورة الاحتمالات المطروحة ومنها كيفية ترجمة “وحدة الساحات”.
وقد وجهتُ سؤالاً إلى مصدر مواكب للتطورات بشأن مآلات الموقف في غزة وهل ستنتهي الحرب هناك كما انتهت الحروب السابقة؟ وكيف يمكن معالجة آثار وتداعيات العقاب الجماعي لسكان قطاع غزة؟ أجابني المصدر أن قوات الاحتلال لم يعد بمقدورها التنصل من مسؤوليتها عما يرتكب من جرائم وإبادة عرقية؛ وأن الدول الغربية الداعمة للكيان أصبحت مكشوفة أمام معظم دول وشعوب العالم. أما عن المآلات، فإنها تعتمد علی تطورات الموقف الميداني في القطاع والجهود الدبلوماسية والسياسية التي تبذلها عديد الاطراف في الإقليم وخارجه.
وكيف ستنتهي المعركة؟ يجيب المصدر أن هذه الحرب ستنتهي بشكل مختلف عن سابقاتها لأن الظروف أيضاً مختلفة. فلا إسرائيل اليوم هي كما كانت سابقاً ولا الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة مستعدة لبذل المزيد من الأكلاف المادية والأمنية والعسكرية والسياسية، كما أن انهيار الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر/تشرين الأول كان شاهداً ومؤشراً علی حقائق كثيرة لطالما كنا نتحدث عنها. في المقابل – يضيف المصدر المواكب – وضع فصائل المقاومة داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها أصبح حالياً أفضل من أي وقت مضى من حيث القوة والتنسيق، وهو الأمر الذي لم يسبق له مثيل على مدى العقود الخمسة الماضية؛ وما يدعم هذه النظرية هو التوقيت الذي اختارته حركة “حماس” لتنفيذ “طوفان الاقصی”، فضلاً عن التخطيط والتنفيذ وتحديداً العناصر الميدانية التي أرهبت العدو من البر والبحر والجو.
لهذه الأسباب، يقول المصدر إن النتائج سوف تكون مختلفة في القواعد والتوازن والأطر. سألته ماذا يعني ذلك؟ أجاب أن تاريخ القضية الفلسطينية شهد عدة مشاريع لتصفيتها ولعل أبرزها كان مشروع وزير الخارجية الأمريكي الأسبق وليام روجرز الذي قدّمه في يونيو/حزيران عام 1970 والذي تم رفضه من قبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر وانتهاء بمشروع “صفقة القرن” الذي طرحه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مروراً باتفاقيات كامب ديفيد ومؤتمر مدريد وحل الدولتين إلخ.. إلا أن المرحلة الراهنة تختلف عن كل هذه المشاريع إن من حيث المضمون أو من حيث الشكل؛ فالوضع المحلي والإقليمي والدولي لا يشبه الأوضاع السابقة، بل يشبه فقط هذه اللحظة التاريخية الإستثنائية.. لذا، ستأتي النتائج مختلفة.
سألته عن امكانية طرح “مشروع الإستفتاء” لتحديد طبيعة النظام السياسي على أرض فلسطين وصولاً إلى انهاء التمييز العنصري، كما حصل في جنوب إفريقيا؟ قال المصدر إن ذلك غير مستبعد لكن الأكيد أن قواعد اللعبة قد تغيّرت ولا مكان للكيان الإسرائيلي في الشرق الأوسط الجديد. قلت له وماذا بعد؟ فأجاب “وقضينا إلی بني إسرائيل في الكتاب لتُفسِدُنّ في الأرض مرتين ولتعلُنّ عُلُوا كبيرا؛ فاذا جاء وعد أُولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أُولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا“.. صدق الله العظيم.