بايدن و”حل الدولتين”.. تضميدُ جرح أم حلٌ مستدامٌ؟

عبّرت المقالة التي كتبها الرئيس الأمريكي جو بايدن في صحيفة "واشنطن بوست" في 18 تشرين الثاني/نوفمبر عن حراك سياسي كبير داخل البيت السياسي الأمريكي لا يقتصر علی الديموقراطيين الذين يحكمون البيت الأبيض وإنما علی الجمهوريين أيضاً، وذلك على خلفية إرتدادات "طوفان الأقصى". 

حاول الرئيس جو بايدن في مقالته وضع “خارطة طريق” لخلق “شرق أوسط جديد وقوي”، من خلال إيجاد حل للمسألة الفلسطينية. أفكار المقالة قيمتها أنها تحاكي مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، وجاءت غداة الزيارة التي قام بها رئيس الولايات المتحدة إلی إسرائيل، إضافة إلی الجولات المتتالية التي قام بها وزير خارجيته أنتوني بلينكن للمنطقة والزيارة التي قام بها وزير الدفاع لويد أوستن إلی تل أبيب، بالإضافة إلى عدد من كبار المسؤولين في الادارة الأمريكية في الأسابيع السبعة الماضية.

رأى جو بايدن في مقالته المذكورة أن فكرة “حل الدولتين” هي الطريق الوحيد الذي يضمن الأمن المستدام داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وأن “خارطة الطريق” يجب أن تنتهي إلی “حل الدولتين” بعد إنتهاء حرب غزة. وحسب المقالة، فإن المسار يجب أن يبدأ من إعطاء السلطة الفلسطينية الحق بإدارة شؤون قطاع غزة؛ عدم إجبار سكان غزة على النزوح خارج القطاع؛ إنهاء احتلال القطاع؛ إزالة الحصار الإقتصادي إلخ… وضمن هذا المسار – كما يقول بايدن – وقف كافة أعمال العنف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية يتزامن ذلك مع منع إعطاء تأشيرة دخول أمريكية للمتطرفين الإسرائيليين الذين يهاجمون المدنيين (الفلسطينيين) في الضفة الغربية وقطاع غزة.

واللافت للإنتباه أن “خارطة الطريق” التي طرحها بايدن رفضها اليمين الإسرائيلي المتطرف الذي يعتبر بنيامين نتنياهو أحد أبرز رموزه حيث شدّد علی مسؤولية إسرائيل في السيطرة علی قطاع غزة، معتبراً أن السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس (أبو مازن) غير مؤهلة لإدارة القطاع. ومن يُراجع خطابات نتنياهو على مدى أكثر من 20 عاماً يتبين له أن الرجل لطالما كان معارضاً لفكرة “حل الدولتين”، ولطالما كان يُلقي باللائمة علی تشرذم الإجماع الفلسطيني الذي لم يتوفر لهذا المشروع، مُتجاهلاً حقيقة أن إسرائيل وتحديداً اليمين المتطرف فيها، هي التي ترفض فكرة “حل الدولتين” منذ طرحها للمرة الأولى في سبعينيات القرن الماضي.

بالنظر إلى اللوبيات الإسرائيلية المؤثرة داخل الولايات المتحدة وبالتزامن مع الإنتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام 2024 المقبل، هل تستطيع الولايات المتحدة أن تُفعل فكرة “حل الدولتين” وتضعها موضع التنفيذ أم تبقى أسيرة الصوت اليهودي وقدرته على التأثير في الإنتخابات الأمريكية؟

إن فكرة “حل الدولتين” ليست فكرة جديدة، فقد تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1975 هذه الفكرة وصولاً إلى إنشاء دولة فلسطين المستقلة إلی جانب “دولة إسرائيل”، في حين قامت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1988 بتبني هذا المشروع؛ في الوقت الذي أورد القرار المرقم 1397 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في مارس/آذار من العام 2002 فكرة “حل الدولتين” دون أن يعترض عليها الجانب الأمريكي، كما كان يفعل خلال السنوات السابقة.

واللافت للإنتباه أن حركة حماس لم تغلق الطريق أمام هذا المشروع بمجرد قبولها بقيام دولة فلسطين ذات السيادة الكاملة علی حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشريف، كما جاء في الفقرة 20 من منشور الحركة الصادر في العام 2017، وهو الأمر الذي أكد عليه رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، قبل أيام قليلة، بقوله “إننا مستعدون للدخول في مفاوضات سياسية تقود إلى حلّ الدولتَين، على أن تكون القدس عاصمة للدولة الفلسطينية”.

أمريكيا؛ يمكن القول إن المواقف التي صدرت خلال أكثر من عقدين من الزمن حيال المسألة الفلسطينية كانت ثابتة إلی حد بعيد، بما في ذلك بشأن “حل الدولتين”؛ لكن الإدارات المختلفة المتعاقبة لم تتعاطَ بالجدية نفسها مع هذه الفكرة، وتحديداً مع قضية توسيع المستوطنات الإسرائيلية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي الوقت الذي رأی فيه الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر أن المستوطنات تتعارض مع الحقوق والمواثيق الدولية؛ عمدت الإدارات الأمريكية اللاحقة منذ عهد الرئيس رونالد ريغان إلی أواخر عهد الرئيس باراك أوباما إلی اعتبار توسيع المستوطنات خطوة “غير شرعية” وليس “غير قانونية” علی خلاف المجتمع الدولي الذي رأی عدم قانونية بناء المستوطنات.

وكان لافتاً للإنتباه أنه مع قرب نهاية عهد أوباما، امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت علی القرار 2334 الصادر في ديسمبر/كانون الأول من العام 2016 والذي نصّ علی عدم قانونية بناء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة، ليتم تمرير هذا القرار بـ”14″ صوتاً مقابل “امتناع” وليس “اعتراض” الجانب الأمريكي وحده عليه. وتزامناً مع ذلك، قال وزير الخارجية الأمريكي حينذاك جون كيري الذي يعتبر مهندس فكرة “حل الدولتين” إنه علی إسرائيل الاختيار ما بين “الدولة اليهودية” و”الدولة الديموقراطية” وبالتالي لا يمكن المزج بين النموذجين.

وفي الإطار ذاته، نحا الرئيس دونالد ترامب منحی مختلفاً عندما رأی أن “صفقة القرن” أكثر جدية وعملية من “حل الدولتين”، ورأی وزير خارجيته مايك بومبيو أن بناء المستوطنات لم يعد عملاً “غير قانوني” من الآن فصاعداً!. واستناداً إلی ذلك، فإن الإدارة الأمريكية تناغمت مع اليمين الإسرائيلي المتطرف في العديد من الخطوات مثل نقل السفارة الأمريكية إلی مدينة القدس والسماح بتوسيع المستوطنات.

إقرأ على موقع 180  معنى 4 آب: لبنان الذي نُريده.. لا الذي يُريدون

وفي حقيقة الأمر، فإن مقالة الرئيس بايدن أرادت الإجابة علی سؤالين:

الأول؛ هل أن اليمين الإسرائيلي المتطرف يُمكن أن يتخلى عن سياساته حيال الفلسطينيين بعد “الزلزال الأمني الكبير” الذي تعرّض له الكيان الإسرائيلي في 7 تشرين الأول/أكتوبر؟

الثاني؛ بالنظر إلى اللوبيات الإسرائيلية المؤثرة داخل الولايات المتحدة وبالتزامن مع الإنتخابات الرئاسية المقررة في خريف العام 2024 المقبل، هل تستطيع الولايات المتحدة أن تُفعل فكرة “حل الدولتين” وتضعها موضع التنفيذ أم تبقى أسيرة الصوت اليهودي وقدرته على التأثير في الإنتخابات الأمريكية؟.

واذا ما استثنينا مرحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين الذي قُتل على يد اليمين الإسرائيلي المتطرف، فإن هذا اليمين نفسه هو الذي يمسك بالقرار الإسرائيلي في يومنا هذا. ومن السذاجة الإعتقاد بهذه السهولة أن يوافق مثل هذا اليمين علی فكرة “حل الدولتين”؛ وهو لن يرضی الا بـ”الدولة اليهودية” من البحر إلی النهر خالية من الفلسطينيين، لا في القدس ولا في رام الله ولا في الضفة الغربية ولا في قطاع غزة.

خلاصة الأمر أن يكون الهدف الأمريكي من إعادة طرح “حل الدولتين” الأمريكية مجرد محاولة لإمتصاص نقمة الرأي العام العالمي وبالتالي الإيحاء بتضميد جروح الفلسطينيين في ضوء حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل عليهم؛ وطالما أن صيغة “حل الدولتين” لا تجد حاضنة سياسية إسرائيلية لها لتعارضها مع مندرجات الفكر الصهيوني الذي يستند في قسم منه علی “جبل صهيون” الذي يشمل الضفة الغربية، فإنها ستبقى مجرد فكرة تُطرح للمزايدة في “مواسم” معينة مثل موسم 7 تشرين الأول/أكتوبر.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  معنى 4 آب: لبنان الذي نُريده.. لا الذي يُريدون