لم يكن ذلك حدثاً عابراً بالنسبة لشركة “ميتا” الأميركية المالكة لمنصة “فايسبوك”، بل سياسة نشر مدروسة قرّرت الشركة انتهاجها في كل تطبيقاتها لترويج الأخبار الكاذبة، في حربها على المقاومة والقضية الفلسطينية. وخلال أيام كانت كل منصات “ميتا” مثل “انستاغرام” و”ماسنجر” و”ثريدز” تنتهج سياسة تحيّز وترويج أخبار ملفّقة وتلاعب بمعايير النشر وخنق حرية التعبير، في خضمّ حرب رقمية مفتوحة على الفلسطينيين، وكل المناصرين لقضيتهم حول العالم. كانت هذه الحرب تُشنّ بالتوازي مع اندفاع الدبابات والطائرات الإسرائيلية لارتكاب واحدة من أكبر المجازر في تاريخ فلسطين. إنها حرب الأكاذيب.
لكن على الرغم من أن منصة مارك زوكربرغ كانت تبدو وكأنها تقود حرب الإعلام الرقمي ضد فلسطين بسبب حضورها الإعلامي الرقمي الواسع، إلا أن “محور الشرّ” التكنولوجي الحقيقي الأكبر، كان يشنُّ الحرب ضد غزة من مكان آخر كلياً وبأساليب مختلفة ومعقدة. هذا المحور مُكوّن من مجموعة شركات التكنولوجيا الأميركية المتورّطة في مشاريع أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي منذ زمن، سواء في الضفة الغربية لمراقبة وملاحقة أفراد المقاومة وعائلاتهم، أو في القدس للتضييق على السكان الفلسطينيين ودفعهم لترك منازلهم، أو في غزة للتجسّس على حركة “حماس” وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة.
لائحة “محور الشرّ التكنولوجي” الأميركي لا تنتهي عند “أمازون” و”ألفابت” و”إنتل”، بل تبدأ عندهم وتشمل شركات مثل “سيسكو”، “اتش بي”، “ديل”، “أوراكل”، “مايكروسوفت”، “إس أيه بي” وغيرها الكثير. والقاسم المشترك بين كل هذه الشركات خلال حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة هو دعمها التكنولوجي غير المشروط لدولة الإحتلال والمستوطنين
على أنقاض “عراق المنشية”
شركة “إنتل” الأميركية على سبيل المثال لا الحصر، هي واحدة من كُبرى الشركات الداعمة لإسرائيل في حربها على غزة. لقد وقّعت هذه الشركة المتخصّصة في صناعة أشباه الموصلات والمعالجات الرقمية في حزيران/يونيو الماضي، اتفاقية مع حكومة الاحتلال بقيمة 25 مليار دولار، تحضيراً لتطوير مصنعها المتخصّص في أشباه الموصلات. ويقع المصنع في مدينة كريات غات المبنية على أنقاض قرية عراق المنشية الفلسطينية قرب غزة. أشباه الموصلات التي تصنعها هذه الشركة تُشكّل إحدى أهم مصادر المكوّنات المُستخدمة في بعض الأسلحة التي تعتمدها إسرائيل منذ زمن بعيد، خصوصاً أن الشراكة بين “إنتل” وحكومة الإحتلال تعود إلى العام 1974.
ويمكن القول إنه من دون شرائح “إنتل” لا يمكن الحصول على صواريخ وقنابل ذكية، ويُرجّح خبراء استخدام شرائح “إنتل” في دبابات “الميركافا” (ميركافا – 4 باراك) التي تُصنّعها إسرائيل، وبالتالي تُوفّر لها مجموعة من الميزات القتالية. ويُستخدم هذا النوع من الشرائح في دبابات “الميركافا” ضمن نظام الكتروني مُكرّس للحماية من الصواريخ خصوصاً منها المُوجّه، والصواريخ التقليدية المضادة للدبابات. كذلك يُستخدم هذا النوع من الشرائح لتوفير نظام حماية يعمل على رصد التهديدات وإطلاق الإنذارات، بالإضافة إلى نظام حماية من الصواريخ التي تُطلق من الجو.
كذلك يُمكن تصنيف “ألفابت” المالكة لشركة “غوغل”، كواحدة من صقور “محور الشرّ التكنولوجي” الأميركي الداعم لدولة الإحتلال. لقد نفّذت هذه الشركة عام 2021 بالشراكة مع شركة “أمازون” مشروعاً بالغ الخطورة لمصلحة إسرائيل، جيشاً وحكومة. يتمثّل المشروع في منظومة ذكاء اصطناعي ونظام رقمي لإدارة أبراج المراقبة المخصّصة لمراقبة وقمع وقتل الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ويُرجّح البعض استخدامه أيضاً على طول الحدود مع لبنان لكن بالشراكة مع شركة “سيسكو”. المشروع الذي بلغت قيمته 1.2 مليار دولار، ونفّذته الشركتان يدعى “نيمبوس”، وهو يُقدّم لحكومة العدو وجيشها نظاماً للحوسبة السحابية والذكاء الإصطناعي وتقنيات التعلّم الآلي.
وبحسب مبادرة “لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري” (NoTechforApartheid) يمكن استخدام “نيمبوس” لمراقبة واستهداف الفلسطينيين، وتسهيل عملية توسيع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية اعتماداً على بيانات ما يُعرف باسم “إدارة الأراضي الإسرائيلية” (ILA). وفي سبتمبر/أيلول من العام 2022 نظّم ناشطون أميركيون احتجاجات في ثلاث مدن أميركية ضد “ألفابت” و”أمازون” للضغط عليهما بهدف إلغاء مشروع “نيمبوس”، الذي وصفوه بأنه عبارة عن أداة مخصّصة لتعميق سياسات الفصل العنصري ضد الفلسطينيين.
من غزة إلى لبنان
لكن قصة “نيمبوس” لا تنتهي هنا، إذ يتهم ناشطون شركتي “ألفابت” و”أمازون” بتنفيذ فصل غير معلن في الاتفاقية الموقعة مع حكومة الإحتلال، يتعلق بتطوير نظام ذكاء إصطناعي للمساعدة على تحديد أهداف برية للطائرات والسفن. وسرت شائعات أن نظام الذكاء الإصطناعي “حبسورا” (Gospel) الذي أعلن عنه الجيش الإسرائيلي أوائل الشهر الحالي، ليس سوى جزءاً من نظام “نيمبوس” أو على الأقل يستفيد منه بشكل كبير. سبب هذا الاتهام الذي وجّهه الناشطون هو أن مشروع “نيمبوس” يتضمن مركزاً للبيانات وأدوات لتحليل البيانات الكبيرة.
ومن المعروف أن الذكاء الإصطناعي في عالم الجيوش يحتاج كما هو الحال في عالم الشركات التجارية، إلى مركز بيانات في الدرجة الأولى، وإلى خدمات الحوسبة السحابية بالدرجة الثانية. وعندما تتوفر هذه الخدمات، يُمكن إضافة طبقة إلى هذا النظام المُعقّد تتضمّن تطبيقات أو أنظمة الذكاء الإصطناعي التي تستطيع تحليل آلاف المعطيات بسرعة وإصدار توصيات حول الأهداف أو ما يُعرف بـ”توليد الأهداف”. والأهداف في هذه الحال، قد تكون عناصر ومراكز المقاومة الفلسطينية أو حتى تحركات المقاومة على الحدود مع لبنان. ويستخدم هذا النوع من الذكاء العسكري، البيانات والتحليل الذكي لتحسين عمليات التخطيط العسكرية، وتحسين نظم الأمان والرصد، وتطوير تقنيات الإستشعار والتعرف على الصور، والتفاعل الذكي خلال الحروب الإلكترونية. كما تستفيد منه الروبوتات والطائرات من دون طيار.
لائحة “محور الشرّ التكنولوجي” الأميركي لا تنتهي عند “أمازون” و”ألفابت” و”إنتل”، بل تبدأ عندهم وتشمل شركات مثل “سيسكو”، “اتش بي”، “ديل”، “أوراكل”، “مايكروسوفت”، “إس أيه بي” وغيرها الكثير. والقاسم المشترك بين كل هذه الشركات خلال حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على غزة هو دعمها التكنولوجي غير المشروط لدولة الإحتلال والمستوطنين.