نُريد “أمريكا أولاً” في 2024.. أم أمريكا بايدن أو المتقشفة؟

Avatar18016/12/2023
نشر موقع Project Syndicate مقالا للأستاذ في جامعة هارفارد، جوزيف ناى، تحدث فيه عن وجود ثلاث فرق أمريكية متنافسة الآن وهى (ليبرالية، مُتقشفة، أنصار أمريكا أولاً)، تحاول كل منها تحديد الطريقة المثلى لكيفية تعامل أمريكا مع بقية العالم، مؤكداً أن الصراعات في أوروبا والشرق الأوسط ستتأثر بحسب الفريق الذى سيفوز برئاسة 2024.

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية لعام 2024، بدأت تظهر فى الولايات المتحدة ثلاث فرق كبيرة تناقش كل منها الطريقة التى ينبغى للولايات المتحدة أن تتعامل بها مع بقية العالم: الأمميون الليبراليون الذين هيمنوا منذ الحرب العالمية الثانية؛ والمتقاعسون الذين يريدون الانسحاب من بعض التحالفات والمؤسسات؛ وأنصار مبدأ «أمريكا أولا» الذين لهم وجهة نظر ضيقة، وانعزالية فى بعض الأحيان، فيما يتعلق بدور أمريكا فى العالم.

***

لطالما نظر الشعب الأمريكى إلى بلاده على أنها استثنائية من الناحية الأخلاقية. إن المقصود هنا ليس تفوق الشعب الأمريكى أخلاقيا؛ بل المسألة هى أن العديد منهم يريدون أن يتمسكوا بالاعتقاد الذى مفاده أن بلادهم هى قوة من قوى الخير فى العالم. ولطالما اشتكى الواقعيون من أن هذه النزعة الأخلاقية فى السياسة الخارجية الأمريكية تتعارض مع تحليل القوة الواضح. ومع ذلك، فالحقيقة هى أن الثقافة السياسية الليبرالية الأمريكية أحدثت فرقا هائلا فى النظام الدولى الليبرالى الذى كان قائما منذ الحرب العالمية الثانية.
ويرجع الاستثناء الأمريكى إلى ثلاثة عوامل رئيسية. منذ عام 1945، ظل إرث عصر التنوير هو السائد، وخاصة الأفكار الليبرالية التى اعتمدها مؤسسو أمريكا. وكما قال الرئيس جون ف. كينيدى: «إن القوة السحرية التى تخدم قضيتنا هى رغبة كل شخص مِنا أن يكون حرا، ورغبة كل الدول فى أن تكون مستقلة.. ولأننى أعتقد أن نظامنا أكثر انسجاما من غيره مع أساسيات الطبيعة البشرية، أؤمن أننا سننجح فى نهاية المطاف. وترى الليبرالية التنويرية أن مثل هذه الحقوق عالمية، وأنها ليست مقتصرة على الولايات المتحدة».

اليوم، يقول بايدن وأغلب الحزب الديمقراطى إنهم يريدون الإبقاء على النظام القائم والحفاظ عليه، فى حين يريد دونالد ترامب وأنصار مبدأ «أمريكا أولا» التخلى عنه، ويأمل المتقشفون فى كلا الحزبين أن ينتقوا المزايا المتبقية فى النظام. وسوف تتأثر الصراعات الجارية فى أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط بشدة بالنهج الذى سيسود فى انتخابات العام المقبل

ومن المؤكد أن أمريكا كانت دائمًا تواجه تناقضات فى تنفيذ أيديولوجيتها الليبرالية. فقد أُدرجت العبودية فى الدستور، ومضى أكثر من قرن بعد الحرب الأهلية قبل أن يصدر الكونجرس قانون الحقوق المدنية لعام 1964. وما زالت العنصرية عاملا رئيسيا فى السياسة الأمريكية حتى يومنا هذا. كما اختلف الساسة الأمريكيون أيضا بشأن كيفية تعزيز القيم الليبرالية فى السياسة الخارجية. إذ يرى البعض أن المشروع العالمى أصبح ذريعة لغزو دول أخرى وفرض أنظمة صديقة. ولكن آخرين يعتقدون أن الليبرالية كانت القوة الدافعة لإنشاء نظام للقانون الدولى والمؤسسات التى تحمى الحرية المحلية بالتخفيف من الفوضى على المستوى الدولى.
يتمثل الجانب الثانى للاستثناء الأمريكى فى الجذور الدينية البيوريتانية للبلاد. فقد كان الأشخاص الذين فروا من بريطانيا لعبادة الله عبادة أكثر نقاء فى العالم الجديد، يعتبرون أنفسهم شعبا مختارا. وكانت مهمتهم أقل عدوانية، بل كانوا يعتمدون نهجا يتسم بالقلق والاحتواء، على غرار نهج «المتقشف» الحالى المتمثل فى تحويل أمريكا إلى مدينة على تلة لجذب الآخرين.
يشكل العامل الثالث للاستثناء الأمريكى أساسا للعوامل الأخرى: إن حجم أمريكا الهائل وموقعها دائما ما يمنحها ميزة جيوسياسية. ونظرا لكونها محمية بمحيطين، ويحدها جيران أضعف منها، كانت قادرة على التركيز بدرجة كبيرة على التوسع غربا طوال القرن التاسع عشر، وتجنب الصراعات المتمحورة حول أوروبا على القوة العالمية.

ولكن عندما أصبحت الولايات المتحدة أكبر اقتصاد فى العالم فى بداية القرن العشرين، بدأت تفكر فى المسائل المتعلقة بالقوة العالمية. فعلى أى حال، كان لديها الموارد، ومجالا للتصرف، وفرصا وافرة تمكنها من تحقيق مصالحها، سواء كان ذلك على نحو إيجابى أو سلبى. وكان لديها الحافز والقدرة على أخذ زمام المبادرة فى خلق المنافع العامة العالمية، فضلا عن الحرية فى تحديد مصلحتها الوطنية بطرق شاملة. وكان ذلك يعنى دعم نظام تجارى دولى منفتح، وحرية البحار والمشاعات الأخرى، وتطوير المؤسسات الدولية. ويشكل الحجم أساسًا واقعيًا مهمًا للاستثناء الأمريكى.
كانت الانعزالية هى الرد الأمريكى على توازن القوى العالمى فى القرن التاسع عشر. وكان بإمكان الجمهورية الأمريكية الضعيفة نسبيا أن تكون إمبريالية تجاه الدول الصغرى المجاورة لها، لكن كان عليها أن تتبع سياسة واقعية حذرة فى التعامل مع القوى الأوروبية. ومع أن مبدأ «مونرو» أكد على الفصل بين نصف الكرة الغربى والتوازن الأوروبى، فإنه كان ممكنا الحفاظ على هذه السياسة لسبب واحد وهو أنها تزامنت مع المصالح البريطانية وسيطرة البحرية الملكية على البحار.
ولكن مع تنامى قوة أمريكا، زادت خياراتها. وحدثت نقطة تحول مهمة فى عام 1917، عندما خالف الرئيس، وودرو ويلسون، التقاليد وأرسل مليونى أمريكى للقتال فى أوروبا. ومع أن عصبة الأمم الليبرالية التى أنشأها «ويلسون» فى نهاية الحرب قوبلت بالرفض من جانب زملائه الأمريكيين، فإنها أرست الأساس للأمم المتحدة والنظام الليبرالى بعد عام 1945.

إقرأ على موقع 180  هاريس وبايدن.. أين يتفقان ويختلفان في السياسة الخارجية؟

***

اليوم، يقول الرئيس جو بايدن وأغلب الحزب الديمقراطى إنهم يريدون الإبقاء على النظام القائم والحفاظ عليه، فى حين يريد دونالد ترامب وأنصار مبدأ «أمريكا أولا» التخلى عنه، ويأمل المتقشفون فى كلا الحزبين أن ينتقوا المزايا المتبقية فى النظام. وسوف تتأثر الصراعات الجارية فى أوروبا، وآسيا، والشرق الأوسط بشدة بالنهج الذى سيسود فى انتخابات العام المقبل.

(*) بالتزامن مع “الشروق“.. وهذا هو النص الأصلي باللغة الإنكليزية في Project Syndicate

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  الحوار العربي الإيراني.. ضرورة تفرضها وقائع التاريخ والجغرافيا