إغتيال العاروري، هروبٌ من مأزق غزة.. أي إنعكاس على جبهة لبنان؟

كان القيادي في حركة "حماس" صالح العاروري على رأس قائمة الإستهداف الإسرائيلي في الخارج، حتى قبل "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر، لكن بعد هذه العملية أصبح اغتياله هدفاً مشخَّصاً من جانب العدو بهدف الإنتقام من قيادات المقاومة التي كان لها نصيب في العملية، من وجهة نظره، وللحاجة الضاغطة الى تسجيل إنجازات ملموسة لا تُهضم في الشارع الاسرائيلي إلا عبر أداة تصفية قيادات المقاومة. 

عُرف عن نائب رئيس المكتب السياسي في حركة “حماس” الشهيد صالح العاروري أنه محرِّك أساسي لعمليات المقاومة في الضفة الغربية التي تحوّلت إلى جبهة يومية على امتداد مُدنها وبلداتها ومخيماتها، لا سيما في مرحلة ما بعد عملية “سيف القدس”، حيث أوضح في تصريح له مع اندلاع موجة جديدة من عمليات المقاومة أن “كلمة السر في هزيمة الإحتلال هي تسليح الضفة”.

وعُرف عن صالح العاروري أيضاً أنه صاحب رؤية وحدوية، بدليل سهره المتواصل على صهر كل الطاقات الفلسطينية في الضفة الغربية من أجل دفع جميع من يتبنى خيار المقاومة إلى الإنخراط في عملياتها وتجاوز التباينات الفصائلية الضيّقة، وتُرجم ذلك في وحدة البندقية في المواجهات المستمرة مع جيش الإحتلال. يُضاف إلى ذلك أنه وثيق الصلة بملف تجهيز المقاومة في الداخل ويُقيم علاقات ممتازة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية و”حزب الله” في لبنان.

من المهم جداً أن نراقب انعكاس عملية الإغتيال على مسار الجبهة في الجنوب اللبناني، حيث سيتحفّز “حزب الله” لرفع سقف الردع أمام العدو، بعد التجاوزات الإسرائيلية الأخيرة، عسكرياً وأمنياً. والملاحظ أن “حزب الله” أكد في بيانه أن “هذه الجريمة لن تمر من دون رد وعقاب، وأن هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام”

يُمكن قراءة اغتيال صالح العاروري من الزوايا الآتية:

أولاً؛ قرار الإغتيال:

يُؤشر اغتيال صالح العاروري في لبنان إلى تجاوز العدو المحظور الذي كان سائداً لديه قبل عملية “طوفان الأقصى” من أن تسفر هكذا عملية عن جولة قتال عسكرية مباشرة مع “حزب الله”. يومها (نهاية آب/أغسطس 2023)، أدى تحذير الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله من مغبة إقدام العدو الإسرائيلي على اغتيال قيادات فلسطينية في لبنان دوراً في توفير مظلة حماية لهذه القيادات، سواء منها من يقيم في لبنان أو يزوره بين وقت وآخر. وقال نصرالله وقتذاك: “أي اغتيال على الأرض اللبنانية، يطال لبنانياً أو فلسطينياً أو سورياً أو إيرانياً أو غيرهم بالتأكيد، سيكون له رد الفعل القوي ولن نسمح أن تُفتح ساحة لبنان للاغتيالات ولن نقبل على الإطلاق بتغيير قواعد الإشتباك”.

وفي التقديرات أن العدو كان بإمكانه خلال تلك الفترة أن يُنفذ عمليات اغتيال بالنظر إلى تحرك العديد من الشخصيات الفلسطينية المعنية بشكل علني، بالرغم من الإجراءات الأمنية التي كانت ترافقها. ويبدو أن الحسابات تغيرت بعد عملية “طوفان الأقصى” حيث أصبح الثأر الإسرائيلي كبيراً وأكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. وإذا كان التخوف الإسرائيلي سابقاً هو أن يقدم “حزب الله” على رد عسكري على الإغتيال عبر الحدود، فإن هذا الرد أصبح اليوم واقعاً يومياً في المواجهة القائمة على الحدود مع شمالي فلسطين المحتلة في إطار التضامن والإسناد لمقاومة غزة. وبالتالي، فإن قادة الإحتلال ربما يرون أن الثمن مدفوع سلفاً. ولكن هل هذا يشمل التحسب إسرائيلياً لاحتمال أن تؤدي عملية اغتيال العاروري إلى توسيع للحرب الجارية على الحدود مع لبنان؟ هذا يحتاج الى نقاش ومعلومات لا تتوفر في هذه الساعات المبكرة التي أعقبت الاغتيال.

لكن المُلاحظ أن العدو لم يعلن صراحة مسؤوليته عن الإغتيال، وفي السياق، كان تعليق مصادر أحد مستشاري نتنياهو لقناة MSNBC الأميركية بالقول “إننا لم نعلن مسؤوليتنا عن الهجوم وهو لم يستهدف الحكومة اللبنانية ولا حزب الله”، وهذا ربما يشير إلى محاولة لحصر الصراع العسكري مع لبنان في الوقت الحالي، لكن ذلك يبقى في إطار التكهن في ضوء حالة الغموض التي تعتري مستقبل الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة. وبرغم القرار الإسرائيلي بمنع التعليقات على العملية، كان لافتاً للإنتباه وصف عضو الكنيست عن تكتل “الليكود” داني دنون عملية الاغتيال بأنها “عملية ناجحة”، مهنئاً الأجهزة الإسرائيلية التي نفذتها، الأمر الذي أحدث موجة تعليقات ضد “تسرعه” في إعلان هكذا موقف!

ثانياً؛ مكان العملية:

يُعتبر تنفيذ عملية الإغتيال في الضاحية الجنوبية لبيروت تطوراً يحمل دلالات خطيرة على الصعيدين الأمني والمعنوي، وقد أشار بيان “حزب الله” إلى هذه النقطة حين اعتبرها “اعتداءً خطيراً على لبنان وشعبه وأمنه وسيادته ومقاومته وما فيه من رسائل سياسية وأمنية بالغة الرمزية والدلالات، وتطوراً خطيراً في مسار الحرب بين العدو ومحور المقاومة”. وهذا قد يترك تداعيات على مسار المواجهة القائمة في الجنوب اللبناني التي بدأ العدو يتوسع فيها جغرافياً في الفترة الأخيرة، وإن كان لا يزال مردوعاً بحسابات الحرب المفتوحة إلى حد كبير، حتى الآن.

ثالثاً؛ توقيت العملية:

ربما لم يكن توقيت عملية الإغتيال مفاجئاً، بالنظر الى تهديدات العدو الصريحة التي أُطلقت بعد عملية “طوفان الاقصى” باغتيال قادة “حماس” أينما كانوا، وسمّت الدوائر الاسرائيلية صالح العاروري من بين شخصيات أخرى، لكن استهدافه بعد نحو ثلاثة شهور على الحرب الجارية على أرض قطاع غزة إنما يُشير إلى سعي إسرائيلي حثيث لتسجيل هدف معنوي وعملياتي قد يُعوّض عن الإخفاق في اقتناص شخصيات رمزية من “حماس” و”كتائب القسّام” في القطاع.

كان العاروري المسؤول عن توجيه العمليات في الضفة الغربية وتعزيزها بالأموال والسلاح، إضافة إلى أنه صلة وصل بين إيران و”حزب الله” من جهة والمقاومة في فلسطين من جهة أخرى. ونقطة الربط بين حدثَيْ الإغتيال (العاروري ورضي الموسوي) قد تكون في أن العدو يسعى إلى كسر حلقات تؤدي دوراً هاماً في استنزاف وإشغال قواته داخل فلسطين المحتلة

وفي سياق التوقيت، هناك نقطة ينبغي التوقف عندها ملياً، وتتعلق بالتقارير الإسرائيلية التي تحدثت في الأيام القليلة الماضية عن سحب عدد من الألوية الإسرائيلية العسكرية المقاتلة من غزة لغرض التمهيد للانتقال إلى مرحلة جديدة من الحرب أقل كثافة أو لإراحة القوات، وسط إشارات إسرائيلية عدة إلى تفكير مستجدّ بتوسيع نطاق العمليات الحربية مع لبنان لتعديل الوضع على الجانب الآخر من الحدود. فهل من رابط بين الإغتيال وما يجري من متغيرات على ساحة القتال الرئيسية في غزة؟ وهل التحذيرات الإسرائيلية تجاه لبنان تنطوي على تهويل، أم أن الجبهة الشمالية تحتاج بالفعل من وجهة نظر العدو إلى تسخين محدود يبدو حاجة داخلية في ظل الأفق الضيق الذي بلغته الحرب على غزة؟ وماذا عن الموقف الأميركي الفعلي من العملية؟

إقرأ على موقع 180  ما هو عرض تل أبيب عبر هوكشتاين.. ولماذا رفضه لبنان؟

رابعاً؛ العودة إلى الإغتيالات:

سبق اغتيالَ صالح العاروري بأيام اغتيالُ قائد مستشاري “قوة القدس” في الحرس الثوري الإيراني في سوريا العميد رضي الموسوي. والأخير – بحسب ما نُشر- كان المسؤول عن الإمدادات اللوجستية إلى المقاومة في لبنان وفلسطين، في حين كان العاروري المسؤول عن توجيه العمليات في الضفة الغربية وتعزيزها بالأموال والسلاح، إضافة إلى أنه صلة وصل بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية و”حزب الله” من جهة والمقاومة في فلسطين من جهة أخرى. ونقطة الربط بين حدثَيْ الإغتيال قد تكون في أن العدو يسعى إلى كسر حلقات تؤدي دوراً هاماً في استنزاف وإشغال قواته داخل فلسطين المحتلة.

خامساً؛ خلاصة الموقف:

ثمة مخاوف جدية من أن تكرّ سُبْحة الإغتيالات في مرحلة التعثر العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة والإندفاع الى خطوات متهورة أخرى بهدف محاولة الخروج بمكاسب عسكرية وأمنية، إن كان لجهة السعي للسيطرة على الخط الحدودي بين غزة ومصر أو تسويق مخطط تهجير القسم الأكبر من سكان غزة إلى دول عربية وأوروبية. مع هذا، من غير المرجح أن تؤدي عملية اغتيال العاروري في ذاتها إلى انعكاسات سلبية مباشرة على الوضع في الضفة الغربية وقطاع غزة، بل ربما يمكن القول إنها ستؤجج روح المقاومة ضد الإحتلال، شعبياً وعسكرياً، وقد تؤدي إلى المزيد من العوائق أمام المفاوضات غير المباشرة حول تبادل الأسرى والمحتجزين. ومن المهم جداً أن نراقب انعكاس عملية الإغتيال على مسار الجبهة في الجنوب اللبناني، حيث سيتحفّز “حزب الله” لرفع سقف الردع أمام العدو، بعد التجاوزات الإسرائيلية الأخيرة، عسكرياً وأمنياً. والملاحظ أن “حزب الله” أكد في بيانه أن “هذه الجريمة لن تمر من دون رد وعقاب، وأن هذا اليوم المشهود له ما بعده من أيام”، تاركاً الأمور مفتوحة على تطورات غير واضحة المعالم.

Print Friendly, PDF & Email
علي عبادي

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  صحيفة إسرائيلية: السعودية والأردن "أدركتا مَن هو رب البيت هنا"!