بلينكن يختلف مع إسرائيل.. ولا يسحب منها إجازة القتل!

إختتم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، زيارته التي شملت لقاءات مع قادة ورؤساء دول شرق أوسطية ضمن جولة خصصت بالكامل لنقاش التطورات المحيطة بحرب غزة المستمرة منذ حوالي المائة يوم.

أبرزت جولة أنتوني بلينكن وجود نقاط خلافية بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي تتمحور حول ستة أمور:

أولاً؛ التقليل من استهداف المدنيين الفلسطينيين، ما يتطلب إنهاء المرحلة الثانية (الحرب البرية التي بدأت في 27 تشرين الأول/أكتوبر 2023)، والإنتقال إلى المرحلة الثالثة، أي اللجوء إلى عمليات موضعية محددّة. ويأتي هذا المطلب بعد تنامي الرفض للانحياز الأميركي تجاه إسرائيل سواء داخل صفوف الحزب الديموقراطي أو لدى الرأي العام الأميركي بشكل عام ولا سيما جيل الشباب. ويتضحّ من خلال مجريات الحرب أنّ الدولة العبرية ما زالت تمضي قدماً في استهداف كل شيء يمكن استهدافه في القطاع، شمالاً وجنوباً ووسطاً، بشراً وأرضاً وحجراً، من دون رادع.

ثانياً؛ كمية المساعدات الإنسانية إلى القطاع، إذ يضغط الأميركيون لإدخال ٢٠٠ شاحنة في اليوم الواحد إلى غزة، وهو العدد الذي كان يدخل يومياً خلال فترة الهدنة الإنسانية التي استمرت أسبوعاً (من 24 تشرين الثاني/نوفمبر حتى نهايته) ولكن تل أبيب ترفض تلبية هذا المطلب.

ثالثاً؛ الأموال المستحقة للسلطة الفلسطينية لدى الحكومة الإسرائيلية اذ أنه وبموجب اتفاق أوسلو، تجمع وزارة المالية الإسرائيلية الضرائب نيابةً عن الفلسطينيين، لتقوم بتحويلها شهرياً إلى السلطة الفلسطينية. ولكن بعد عملية “طوفان الأقصى” تمنعّت الحكومة الإسرائيلية عن فعل ذلك فيما ترى الإدارة الأميركية أن مثل هذا الاجراء يؤدي إلى إضعاف السلطة وتقويضها وهو أمر – وان رغبت فيه تلّ أبيب – الاّ أن واشنطن لا تحبذّه على اعتبار أن السلطة لا تزال شريكة في “عملية السلام” برغم ضعفها.

رابعاً؛ طالب بلينكن خلال اجتماعه بالحكومة الإسرائيلية بـ”ضرورة بلورة آلية” لعودة النازحين الفلسطينيين إلى المناطق التي هُجّروا منها في شمالي غزة، الأمر الذي رفضه قادة دولة الاحتلال معلنين أنّ هذا الأمر لن يتم قبل تحرير الأسرى والرهائن الإسرائيليين. وفي هذا السياق، تفيد تقارير صحفية بأنّ محافظة رفح الواقعة في جنوب قطاع غزة باتت تشهد اكتظاظاً غير مسبوق اذ بات يتواجد فيها أكثر من مليون نازح فلسطيني وسط ظروف إنسانية صعبة للغاية ما يعني أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تمضي في خطتها الرامية إلى اجبار الغزاويين على ترك بيوتهم في الشمال والوسط، باتجاه الجنوب.

لا يبدو أن وقف النار صار أولوية في جدول أعمال الأميركيين، بدليل ترك الأبواب مفتوحة أمام المرحلة الثالثة، اي العمليات الموضعية، ما يعني أن هناك إجازة أميركية مفتوحة باستمرار وضع اليد على الزناد وإطلاق النار “بطريقة أكثر دقة”، ويعني ذلك أننا لسنا أمام اي محاولة لتحديد مهلة زمنية لإنهاء الحرب

خامساً؛ لم يتراجع الإسرائيلي عن تهجير الفلسطينيين في غزة نحو سيناء وفي الضفة نحو الأردن، وهو الأمر الذي ما فتىء يُطالب به منذ اليوم الاول للحرب فيما صار الموقف الاميركي أكثر وضوحاً برفض خيار “الترانسفير”.

سادساً؛ يرفض الإسرائيلي حتى الآن الإنخراط في تقديم أي جواب حول السؤال الأميركي الأبرز: ماذا عن “اليوم التالي” فلسطينياً، وهو الأمر الذي لخصه بلينكن بالحديث عن “حل الدولتين” الذي بات شرطاً سعودياً للتطبيع مستقبلاً. يعني ذلك أن واشنطن تريد لمسار الحرب أن يُتوج بمسار سياسي لمصلحة سلطة فلسطينية بديلة لحماس في قطاع غزة وأن لا يكون تتويجه بعودة الإحتلال كما كان الواقع قبل العام 2005.

ما هي المرحلة الثالثة؟

يفيد في هذا الإطار الاطلاع على ما تم نشره في الاعلام الإسرائيلي حول ما بات يعرف بـ”المرحلة الثالثة” من الحرب. اذ وبحسب موقع “واللا” و”القناة ١٢” فإنّ هذه المرحلة تتكون من نقاط عدّة:

  • تنفيذ مداهمات موضعية عبر قوات بأحجام مختلفة ضد أهداف محددة مثلما حدث في مناطق بيت لاهيا والشجاعية والدرج والتفاح خلال الأيام الأخيرة.
  • عدم استبعاد العودة لاحقاً إلى قتال على نطاق أوسع مثلما حدث بالمرحلة الثانية التي اعتمدت على استخدام قوة كبيرة من حيث حجم الوحدات العسكرية وقوة النيران والقصف المكثّف (يُستشفّ هنا أنّ إسرائيل ترغب في مواصلة القصف بالوتيرة نفسها التي سارت عليها الأمور منذ ما يزيد عن 98 يوماً).
  • الفرقة 98 ستواصل عملياتها في جنوب غزة عبر استخدام النيران المكثفة خصوصا في خانيونس.
  • تغيير شكل القتال في الشمال وتحريك القوات والحيلولة دون كشفها أو إبقائها في مكان ثابت يسهّل استهدافها.
  • إسرائيل لم تقرر ما ستفعله في رفح ومحور فيلادلفيا لأن هذه المنطقة حساسة وتتطلب تنسيقاً مع مصر والولايات المتحدة.
  • تسريح عدد من قوات الاحتياط خلال الأيام المقبلة كجزء من خفض عدد الجنود من أجل إراحتهم للحاجة لهم مجدداً على مدار العام.
  • تتولى الفرقة 99 المسؤولة عن تقسيم قطاع غزة، مهام منع الفلسطينيين من التوجه من الجنوب للشمال، فيما سيقيم الجيش محطات وحواجز عسكرية لمنع عودة الغزاويين من الجنوب إلى الشمال.
إقرأ على موقع 180  هل تُفضي المواجهة البرية في غزة إلى.. طوفان جديد؟

ومن غير المعروف المدى الزمني الذي يمكن أن تواصل فيه إسرائيل حربها على غزة ولكن ثمة ثلاثة معطيات سلبية إذا ما قيست بالميزان الإسرائيلي. المعطى الأول يتعلّق بتدني شعبية نتيناهو والثاني يتمثّل بتفجر الخلاف الداخلي في إسرائيل وظهوره إلى العلن (على مستويين: بين أجنحة اليمين في الحكومة، وبين الطاقم السياسي والعسكري في الدولة الإسرائيلية). أما المعطى الثالث فهو تكلفة الحرب الباهظة الثمن على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين. وإذا كان المعطى الثالث موجود منذ بدء الحرب في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، الا أنّ حدته ارتفعت في الأسابيع الماضية. ومن ناحية أخرى، فإنّ المعطى الأول والثاني استجدّا مذ دخلت الحرب شهرها الثالث.

في الخلاصة، لا يبدو أن وقف النار صار أولوية في جدول أعمال الأميركيين، بدليل ترك الأبواب مفتوحة أمام المرحلة الثالثة، اي العمليات الموضعية، ما يعني أن هناك إجازة أميركية مفتوحة باستمرار وضع اليد على الزناد وإطلاق النار “بطريقة أكثر دقة”، ويعني ذلك أننا لسنا أمام اي محاولة لتحديد مهلة زمنية لإنهاء الحرب، مثلما يعني – للأسف – استمرار حرب الإبادة الجماعية في الأيام والأسابيع والأشهر المقبلة طالما لا دول ولا ارادة دولية تردع إسرائيل عن القيام بذلك.

Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  "هآرتس": حرب أخرى خاسرة.. يجب وقفها الآن!