وبالرغم من أن إيران ردّت علی ذلك الهجوم بعملية “الوعد الصادق” المحدودة وما تبعها من عدوان إسرائيلي علی مدينة أصفهان الإيرانية، إلا أن الأسئلة ما زالت تبحث عن أجوبة بشأن حقيقة الأسباب التي دفعت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلی محاولة اللعب بالنار، عندما هاجم السفارة الإيرانية بدمشق، وهو يعلم أن مثل هذا العمل سيواجه برد إيراني.
وتفيد المعلومات أن إيران والولايات المتحدة تبادلتا الرسائل بشكل غير مباشر بعد الأول من نيسان/أبريل، تاريخ الضربة الإسرائيلية، وكانت تتمحور حول قرار القيادة الإيرانية بالرد والذي جاء لاحقاً عبر اطلاق أكثر من 150 مُسيّرة وعشرات الصواريخ ذات القدرات المختلفة والتي طالت العديد من الأهداف ولا سيما المطارات العسكرية التي انطلقت منها الطائرات الإسرائيلية التي هاجمت مقر البعثة الإيرانية بدمشق.
وحسب المعلومات الإيرانية، فإن طهران وضعت واشنطن في صلب نواياها بالرد المباشر علی الكيان العبري، لا سيما في ضوء امتناع الولايات المتحدة ومعها بعض الدول الأعضاء عن استصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي (2 نيسان/أبريل) يُدين الهجوم الإسرائيلي علی مبنی البعثة الدبلوماسية الإيرانية بدمشق.
نشرت صحيفة “شرق” الإيرانية في عددها الصادر يوم 21 أبريل/نيسان الجاري معلومات لافتة للإنتباه تحدثت عن استبعاد علي باقري من المفاوضات النووية وتكليف المندوب الإيراني في الأمم المتحدة أمير سعيد إيراوني بالمهمة مكانه من أجل إيجاد مخرج للمباحثات المتوقفة بين طهران وواشنطن
عملية تبادل المعلومات تمت عبر السفارة السويسرية في طهران باعتبارها راعية المصالح الأمريكية في إيران. وبطبيعة الحال، تولى عددٌ من الأصدقاء المشتركين في المنطقة نقل رسائل تصب في الخانة نفسها، وتحديداً سلطنة عُمان التي تُشكّل محطة أساسية للمباحثات الإيرانية الأمريكية غير المباشرة.
هناك كلام تفصيلي بشأن تبادل هذه المعلومات وغاياتها ربما نتناوله في مقالة لاحقة؛ لكن ما يهمنا راهناً هو محاولة الإجابة علی السؤال الأساس: لماذا أقدم نتنياهو علی استهداف مبنی البعثة الدبلوماسية الإيرانية بدمشق، وهو يعلم جيداً أن هذا العمل مخالفٌ للمواثيق والاتفاقات الدولية كما يعلم جيداً أن الإيرانيين لن يمروا عليه مرور الكرام.
في هذا السياق، تتحدث مصادر دبلوماسية أوروبية عن انزعاج نتنياهو من الموقف الأمريكي في محطات عدة؛ أولها، موقف واشنطن الذي سمح بصدور قرار مجلس الأمن الدولي الداعي إلى وقف إطلاق النار (قبل نهاية شهر رمضان). وثانيها، ما يتعلق بمحكمة العدل الدولية، حيث تعتبر تل أبيب أن واشنطن لم تعمل بشكل جدي لمنع المحكمة من اصدار قرارات في ملف الحرب في غزة. وثالثها، “وهو الأهم”، استشعار نتنياهو بوجود معطيات عن انخراط واشنطن في مسار يهدف إلى تحجيمه بعنوان “اليوم التالي”، ما بعد انتهاء حرب غزة؛ وهذا الأمر “لا يخدم الأمن الإسرائيلي”، كما يعتقد نتنياهو، وبقية “فرقة المتطرفين” الذين يدورون من حوله في تل أبيب.
وتُلمح المصادر الأوروبية إلى أن نتنياهو هو الذي أقدم في 16 مارس/آذار على تسريب خبر المباحثات التي جرت في يناير/كانون الثاني الماضي لصحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية والتي أشارت إلی أن نائب وزير الخارجية وكبير المفاوضين الإيرانيين النوويين علي باقري ترأس الوفد الإيراني إلى المفاوضات غير المباشرة في سلطنة عُمان، في حين ترأس الوفد الأمريكي منسق شؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك. تسريب هذه المعلومات هو محاولة للهروب من واقع المأزق الكبير في الداخل الإسرائيلي في ضوء الفشل في تحقيق أهداف الحرب على غزة؛ ولذلك عمد نتنياهو إلی تسريب خبر المفاوضات غير المباشرة لعله يستطيع من خلاله خلط الأوراق واحراج فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي ازداد احراجه مع مهاجمة مبنی البعثة الدبلوماسية بدمشق.
ومن الواضح أن هناك انقساماً في البيت الأبيض حيال كيفية التعامل مع الملف الإيراني منذ دخول بايدن إلى البيت الأبيض قبل حوالي أكثر من ثلاث سنوات حيث ذهب ضحية هذا الخلاف مسؤول هذا الملف في وزارة الخارجية الأمريكية روبرت مالي.
وتقول المصادر إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومعه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان يُمثلان وجهة نظر مقابل رئيس المخابرات المركزية الأمريكية الدبلوماسي المخضرم ویلیام بيرنز الذي يقود فريقاً يعتقد أن إيران تملك برنامجاً نووياً يُخصّب اليورانيوم بنسبة 3.67 أفضل للمصالح الأمريكية من إيران مع برنامج يُخصّب اليورانيوم بنسبة 60 أو 90 بالمئة؛ وبالتالي يجب العمل علی إعادة احياء الاتفاق النووي، وهذا ما عارضه الفريق الأول بتأثير من اللوبي اليهودي (“ايباك”). وقد زار بيرنز تل أبيب أكثر من مرة لكنه فشل في اقناع نتنياهو بأفكاره وتصوراته لأن الأخير لا يقبل بأقل من تفكيك البرنامج النووي الإيراني، كونه “يُهدّد الأمن القومي الإسرائيلي”.
بالمقابل، نشرت صحيفة “شرق” الإيرانية في عددها الصادر يوم 21 أبريل/نيسان الجاري معلومات لافتة للإنتباه تحدثت عن استبعاد علي باقري من المفاوضات النووية وتكليف المندوب الإيراني في الأمم المتحدة أمير سعيد إيراوني بالمهمة مكانه من أجل إيجاد مخرج للمباحثات المتوقفة بين طهران وواشنطن وصولاً إلى وضع آلية لرفع الحظر الغربي المفروض على الإقتصاد الإيراني.
وتصب في الخانة نفسها بعض المعلومات التي سرّبتها صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية التي أوردت أن الجانبين الإيراني والأمريكي ناقشا الأمن الاقليمي بكل ملفاته المتداخلة من غزة إلی البحر الأحمر مروراً بجنوب لبنان؛ لكن طهران التي اعترفت بهذه المباحثات قالت إنها ناقشت فقط آلية ازالة العقوبات المفروضة علی إيران.
وكانت طهران قد عقدت صفقة مع واشنطن في سبتمبر/أيلول 2023 تم بموجبها تبادل معتقلين والافراج عن أرصدة إيرانية مجمدة علی أن تستأنف المباحثات لاحقاً لمعالجة قضايا عالقة بين الجانبين؛ لكن 7 أكتوبر الذي انطلقت شرارته بعد حوالي الشهر، جمّد هذا المسار من دون أن يُغلق المحطة العُمانية للتوصل إلی تفاهمات بين طهران وواشنطن قبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وتعتقد المصادر الدبلوماسية الأوروبية أن واشنطن راغبة في التوصل ليس لاحياء الاتفاق النووي الموجود في “ثلاجة الموتی”؛ بل ابرام تفاهمات تتجاوز مُحدّدات الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون قبل نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، علی أن يتم تنظيم هذه التفاهمات في ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية.. ومآلاتها.