“فورين بوليسي”: إيران تشقُ طريقها نحو السلاح العسكري النووي!

أكد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، يوم السبت الماضي، أن بلاده لا تسعى ولا تُخطّط لامتلاك السلاح النووي "لأن المرشد السيد علي خامنئي أفتى بتحريم ذلك". يأتي كلام رئيسي غداة سلسلة من التصريحات الإيرانية التي دعت إلى مراجعة العقيدة النووية الإيرانية، رداً على الضربة الإسرائيلية للبعثة الإيرانية في دمشق. الكاتبة المتخصصة في البرنامج النووي الإيراني، سينا آزودي (*)، لخّصت هذا المشهد في تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" تضمن الآتي:

في يناير/كانون الثاني 2024، سُئل محمد إسلامي، الرئيس الحالي لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI)، في بث تلفزيوني مباشر، عما إذا كان قد حان الوقت لكي تمتلك إيران أسلحة نووية “أو على الأقل أن تقوم بتجربة نووية”. وبينما كان إسلامي يُنظّر ضد امتلاك الأسلحة النووية، مُستشهداً بعقيدة إيران الدفاعية، فإن مجرد طرح السؤال على التلفزيون الرسمي الإيراني يُشير إلى السجال الداخلي المتزايد حول جدوى امتلاك الأسلحة النووية.

لأشهر عدة، كانت هناك تكهنات حول مسار برنامج إيران النووي في خضم الحرب الدائرة في غزة، وما إذا كانت إيران ستترجم أخيراً برنامجها النووي السلمي إلى ترسانة أسلحة نووية. قصفُ القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من نيسان/أبريل، الذي نجم عنه مقتل عدد من قادة الحرس الثوري الإيراني، صعّد “حرب الظل” بين إيران وإسرائيل نحو مرحلة جديدة وخطيرة. إيران إتهمت إسرائيل بضرب المنشأة الدبلوماسية، وبعد وقت قصير، ردّت إيران على هذا الهجوم بإطلاق أكثر من 300 مسيرة وصواريخ باليستية وصواريخ “كروز” على إسرائيل، وهو أول هجوم من قبل دولة أجنبية ضد إسرائيل منذ إطلاق صدام حسين صواريخ باليستية على إسرائيل خلال حرب الخليج وإيران عام 1991.

في الوقت الحالي، تُعدّ إيران الدولة الوحيدة التي تقوم بتخصيب اليورانيوم إلى مستويات قريبة من مستوى صناعة الأسلحة النووية ولا تمتلك أسلحة نووية. وبينما يرى بعض الخبراء أن حرب غزة تزيد من إحتمالية إيران (العسكرية) النووية، إلا أن أحدث تقييم صادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية (ODNI) يُشير إلى أن إيران لم تتخذ أي خطوات نحو التسلح النووي. حتى الآن، لم ترَ إيران أي جدوى من تحويل برنامجها النووي وعسكرته. ولكن مع تصاعد التوترات، من الممكن أن ترى إيران في السلاح النووي وسيلة لردع تفوق إسرائيل المتعارف عليه وأسلحتها النووية.

قدارت إيران النووية التقنية تطورت بشكل ملحوظ منذ انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) في عام 2018، أي مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. وفي شباط/فبراير 2024، وتحديداً بعد وقت قصير من مواقف محمد إسلامي، أشار علي صالحي، الرئيس السابق لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI) والمؤيد الشديد لبرنامج إيران النووي، إلى أن إيران قد إجتازت كل عتبات التكنولوجيا النووية. وقال صالحي، خريج معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) والعالم النووي، عبر شاشة التلفزيون الإيراني الرسمي: “تخيّل ما تحتاجه السيارة. إنها تحتاج إلى هيكل، محرك، مقود/عجلة قيادة وناقل سرعة/حركة. أنت تسأل عما إذا كنا قد صنعنا ناقل السرعة، أقول نعم. هل صنعنا المحرك؟ نعم، ولكن كل واحد يخدم هدفه الخاص. وبما أن إيران تمتلك الآن القدرة التقنية لتطوير قنبلة نووية، فإن إمكانيتها على القيام بهذا الأمر هي مسألة سياسية”.

منذ مطلع السبعينيات الماضية، بدأ الشاه محمد رضا بهلوي ينظر في التطبيقات العسكرية لبرنامج إيران النووي، ومع انتصار الثورة الإيرانية في العام 1979، لاحظنا كيف أن الجمهورية الإسلامية الصاعدة أعادت تشكيل البرنامج النووي للشاه في الثمانينيات، وفي المقام الأول نتيجة الحرب الإيرانية العراقية التي استخدام فيها صدام حسين الأسلحة الكيمياوية، ونتيجة إزدهار برنامج بغداد النووي، الذي شكّل تهديدًا وجوديًا لأمن إيران حتى بعد إنتهاء الحرب في عام 1988.

واصلت طهران العمل على برنامجها النووي السري حتى دفع الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 القيادة الإيرانية إلى وقف جهود إيران المزعومة للتسلح. وينبع هذا القرار من اعتراف القيادة الإيرانية بأن نشاطات إعادة تشكيل البرنامج النووي هدّدت بإدراج إيران على قائمة أهداف واشنطن. بمعنى آخر: الاعتبارات الأمنية التي شجّعت الإيرانيين على إعادة تشكيل البرنامج أجبرتهم على إيقافه.

يُعتبر البرنامج النووي الإيراني أكثر تقدماً وإنتشاراً في جميع أنحاء البلاد من سابقيه؛ العراقي والسوري. وقد أخبرني عالم نووي إيراني لديه معرفة وثيقة بالبرنامج النووي أن الإيرانيين قاموا بتوزيع منشآتهم النووية وانشاء مواقع متعددة بهدف أن تتمكن المنشآت الأخرى من مواصلة العمل في حال وقوع هجوم

هذا التاريخ – من التهديدات الأمنية الملموسة التي تُملي السياسة النووية – يشير إلى أن التوترات المتصاعدة مع إسرائيل من الممكن أن تُشجع النخبة السياسية الإيرانية في نهاية المطاف على التخلي عن موقفها المتحفظ وعبور العتبة النووية. حتى أن سعيد ليلاز، الاقتصادي الإيراني والصحفي المقرب من المعسكر الإصلاحي، عبّر عن رأيه مؤخراً بالقول إن الهجوم الإسرائيلي على القنصلية الإيرانية في دمشق “أزال آخر ذريعة لإيران لعدم اختبار أول سلاح نووي وبالتالي دخول نادي الدول النووية”.

من وجهة نظر طهران، من الممكن أن  تحد الترسانة النووية من تفوق إسرائيل المعتاد، والذي يبدو واضحاً من خلال قدرتها على اعتراض وإسقاط غالبية الصواريخ الباليستية والمُسيّرات الإيرانية بمساعدة حلفائها. لكن مخاطر التصعيد الإقليمي لا تنتهي هنا:

إقرأ على موقع 180  معارك حلب و"منجم الذهب" المغلق

أولاً؛ بينما كانت تدرس إسرائيل خياراتها للرد على الهجمات الإيرانية، دعا مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جون بولتون مرة أخرى إلى شن هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية. هذا سيناريو خطير للغاية. حيث أن الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يؤدي أولاً إلى تداعيات بيئية ملحوظة في المنطقة. ولهذا، أعرب المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، عن قلقه البالغ إزاء احتمال شن هجوم إسرائيلي على المنشآت النووية الإيرانية.

ثانياً؛ برغم أن أي هجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يؤدي إلى تراجع البرنامج النووي في الأمد القصير، إلا أن الإيرانيين قد أثبتوا في الماضي قدرتهم على إعادة بناء البرنامج النووي وتوسيعه بسرعة. فعلى سبيل المثال، عندما قامت إسرائيل بتخريب منشأة نتانز في أبريل/نيسان 2021، جاء رد الإيرانيين سريعاً، وذلك عبر رفع مستوى التخصيب إلى نسبة 60% في غضون أيام قليلة. ولهذا فإن مثل هذا الهجوم على المنشآت النووية الإيرانية قد يُشجّع الإيرانيين على ترك معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية والمسارعة إلى تطوير القنبلة النووية. وكما لاحظ حسين موسويان، المتحدث الأسبق باسم الوفد الإيراني المفاوض والمتخصص في السياسة النووية في جامعة برينستون، فإن ضربة عسكرية على إيران “هي العامل الوحيد الذي قد يحول مسار برنامج إيران النووي بإتجاه التسلح”. بالإضافة إلى ذلك، حذّر الجنرال أحمد حق طالب، قائد وحدة الحرس الثوري الإيراني المسؤولة عن حماية المواقع النووية الإيرانية (IRGC)، من أنه إذا أرادت إسرائيل الضغط على إيران من خلال التهديد بالهجوم على مواقعها النووية، فمن “الممكن والمتصور” أن “تُراجع” إيران عقيدتها النووية وتتجاوز “اعتباراتها المعلنة” السابقة، أي فتوى المرشد علي الخامنئي بتحريم السلاح النووي.

والجدير ذكره أن الضربات الإسرائيلية ضد البرنامجين النوويين العراقي والسوري، في العامين 1981 و2007، تباعاً، نجحتا بسبب طبيعة البرنامجين المركزية، والحقيقة أن كلا البرنامجين كانا في مراحلهما الأولى نسبياً. لكن من ناحية أخرى، يُعتبر البرنامج النووي الإيراني أكثر تقدماً وإنتشاراً في جميع أنحاء البلاد من سابقيه؛ العراقي والسوري. وقد أخبرني عالم نووي إيراني لديه معرفة وثيقة بالبرنامج النووي أن الإيرانيين قاموا بتوزيع منشآتهم النووية وانشاء مواقع متعددة بهدف أن تتمكن المنشآت الأخرى من مواصلة العمل في حال وقوع هجوم على إحداها.

والأهم من ذلك هو أنه حتى لو قصفت إسرائيل المنشآت النووية في إيران فإنها لا تستطيع قصف المعرفة المؤسسية التي اكتسبها الإيرانيون على مدى عقود من الزمن. فالعلم ببساطة لا يُمكن تفجيره. وتستطيع إيران، إذا لزم الأمر، أن تُعيد بناء برنامجها النووي في أي وقت. وبما أنها قادرة على الاعتماد على قدرتها التكنولوجية لتخصيب اليورانيوم، فإنها ستبقى دائماً دولة على عتبة الوصول إلى السلاح النووي. إن أزمة إيران النووية ليس لها حل عسكري.

الهجوم على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق ما هو إلا مؤشر لفجر عصر محفوف بمخاطر العداوات بين إيران وإسرائيل، حيث أنه إنتهك التفاهم الضمني بين البلدين ألا وهو إبقاء صراعهما في الظل.

إيران تشق طريقها ببطء بإتجاه السلاح النووي. أما القرار بشأن ما إذا كانت إيران ستُسلح برنامجها النووي  يبقى مرتبطاً بشكل معقد بالتهديد الإقليمي المتصور لقيادتها السياسية. وعلى كل حال فإن الفائدة الملموسة من التسامح النووي قد فاقت الأثمان المرتبطة بها – حتى الآن”.

– ترجمة بتصرف عن “فورين بوليسي“.

(*) سينا آزودي، أستاذة محاضرة في الشؤون الدولية في كلية إليوت للشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن، متخصصة في البرنامج النووي الإيراني.

Print Friendly, PDF & Email
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  ترامب من قوس المحكمة.. إلى حكم أمريكا!