كان التطبيع السعودي-الإسرائيلي قاب قوسين أو أدنى من أن يتحقق في العام المنصرم، لكن 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وما أفرزه “طوفان الأقصى” من وقائع وتداعيات على صعد كثيرة، جعل هذا المسار يتباطأ، وهو الأمر الذي كان من مصلحة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي كان سيكون مُحرجاً جداً لو أنه كان قد دشّن مسار التطبيع قبيل السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وإذا كان بنيامين نتنياهو مُتردّداً قبل حربه على غزة، التي دخلت شهرها الثامن، ولا سيما لناحية عدم قبوله بـ”حل الدولتين”، فإنه صار أكثر تشدداً من ذي قبل، برفض فكرة حل الدولتين من جهة وتحفظه على ما يُمكن أن تجني السعودية من مكاسب، ولا سيما على صعيد امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية..
وحسناً فعل السعوديون بتبنيهم مطلب الولايات المتحدة وإدارة جو بايدن على وجه التحديد، أي “حل الدولتين” الذي أمسى أحد أبرز مطالب الرياض لزوم قبولها بالتطبيع، فهل تشرع الولايات المتحدة بتلبية مطالب المملكة بمعزل عن ذلك التطبيع. وهذا ما يطرح السؤال التالي؛
لماذا توافق الولايات المتحدة على تنفيذ مطالب المملكة قبل توقيع معاهدة التطبيع بين الأخيرة وإسرائيل؟
ثمة هدف غير معلن في الحوار الأميركي السعودي، ولكنه حجر الزاوية، ويتصل بتعبيد الطريق لوصول محمد بن سلمان إلى رأس الحكم، ومن بعده على واشنطن أن تسعى إلى تحقيق مطالب المملكة، والتي تتلخص بثلاثة:
1- توقيع معاهدة دفاع مشترك بين الولايات المتحدة والمملكة بما يوفر مظلة أمنية ودفاعية تصبح السعودية بموجبها كأنها جزء لا يتجزأ من الناتو.
2- السماح للمملكة بتخصيب اليورانيوم على أراضيها للاستخدام الطاقوي السلمي.
3- إطلاق يد الرياض لناحية شراء تكنولوجيا الأسلحة المتطورة دون أية قيود تُفرض عليها.
وثمة مطلب سعودي رابع عنوانه “حل الدولتين” لكنه متروك إلى أوانه، وذلك يعود إلى الآتي:
1- ربط الاتفاقية الدفاعية السعودية-الأميركية والمصادقة على التعاون في المجال النووي، بتوقيع معاهدة تطبيع مع الكيان العبري، يحوّل الدولتين إلى رهينة في قبضة نتنياهو. وهذا ما يدفع الأخير إلى مزيد من العناد والتشبث برأيه لناحية عدم التعهد بإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/يونيو عام 1967. وهو الذي يرفض السلطة الفلسطينية حتى بشكلها الحالي، وهذا ما يُمكن أن يرتد سلباً على كل من السعودية وأميركا في آن.
2- السعودية حاجة وضرورة أميركية، بصرف النظر عن التطبيع مع إسرائيل من عدمه. وذلك بعد أن أعادت الرياض علاقاتها الدبلوماسية مع طهران في 10 أذار/مارس 2023، برعاية صينية، وتطوير العلاقة بين البلدين بمختلف المجالات من جهة، والعلاقة النفطية والتنسيق على قدم وساق بين ولي عهد المملكة، محمد بن سلمان، ورئيس روسيا الاتحادية، فلاديمير بوتين، في منظمة “أوبيك +” من جهة ثانية، وتعزيز التبادل التجاري بشكل ملحوظ بين الرياض وبكين، وفتح أبواب المملكة للاستثمارات الصينية الضخمة، هذا فضلاً على أن الصين تعتبر أكبر مستورد للنفط السعودي من جهة ثالثة.
عليه، أمست مصالح الولايات المتحدة على المحك، بحيث لا يمكنها إحكام قبضتها على المنطقة من دون السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
ويقول تسفي برئيل، محلل شؤون الشرق الأوسط في “هآرتس”، “إن حركة السعودية المتأرجحة ما بين أميركا، حليفتها التاريخية، وبين كلٍّ من الصين وروسيا، أوضحت أن واشنطن تعمل، في سياق المعركة الاستراتيجية العالمية، قبالة الخصمَيْن الكبيرَيْن، وبالتالي لا يمكنها أن تتحمل نتائج إهمالها للشرق الأوسط عموماً، ودول الخليج خصوصاً، وعلى رأسها السعودية”، ويضيف الكاتب، “لكن في نهاية المطاف، سيتعين على الولايات المتحدة تحديد مصلحتها الاستراتيجية الحيوية، وبصورة خاصة عندما تتعامل إسرائيل مع مسألة التطبيع مع السعودية على أنها حقل ألغام لا تريد المرور فيه بسبب التكلفة السياسية المترتبة على ذلك”. يقصد بالتكلفة، بطبيعة الحال، السير في “حل الدولتين”.
ويقول الأكاديمي الأميركي ستيفن أ. كوك، (عضو مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن) في مقالة له في مجلة “فورين بوليسي” إن مقايضة “الإتفاقية الأمنية” بـ”صفقة التطبيع” لها مخاطر سلبية كبيرة على العلاقات الثُنائية التي يعتقد المسؤولون الأميركيون والسعوديون أنها ذات أهمية قصوى، لأنه في حال كان التزام الولايات المتحدة الأمني تجاه السعودية مشروطاً بالتطبيع، فمن المرجح أن تفرض العلاقات الإسرائيلية-السعودية نفسها على العلاقة الثنائية بين واشنطن والرياض وتضر بها، كما حصل مع مصر. لذا، يتعين على واشنطن والرياض أولاً استبعاد إسرائيل من الصفقة الأمنية المقترحة، ومن أي شيء آخر من شأنه أن يضخ منطقاً ثلاثياً في العلاقات الثنائية بينهما.
ويوافقه في تحليله شي هار تسفي، في “معاريف”، بقوله، إن بايدن “يطمح إلى الدفع باتفاق مع السعودية قريباً، وذلك بسبب جدوله الزمني في انتظار الانتخابات الرئاسية التي ستجري في تشرين الثاني/نوفمبر هذا العام”، ويشير الكاتب إلى اهتمام الرئيس الأميركي بالاتفاق مع السعودية لِمَ له من “إسقاطات سياسية واقتصادية وأمنية مهمة بالنسبة إلى مكانة الولايات المتحدة على الساحة الدولية عموماً، وبشكل خاص في الشرق الأوسط”. ويختم رئيس قسم الدراسات الدولية في جامعة رايخمن مقالته بالقول إن سيناريو استمرار القتال في غزة “يُمكن أن يدفع بايدن إلى الذهاب إلى اتفاق ثنائي مع وليّ العهد السعودي، يقوم على حلف دفاعي بين الدولتين، ويُمكن أن يتضمن أيضاً مركّبات إضافية تتعلق بصفقات السلاح، وبخطة نووية مدنية في المملكة”.
مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان؛ الذي زار الرياض؛ في نهاية الأسبوع الماضي، قال في مقابلة مع صحيفة “فاينانشال تايمز”، قبيل توجهه إلى المنطقة، إن إدارة بايدن لن توقع اتفاقية دفاع مع السعودية إذا لم توافق المملكة وإسرائيل على تطبيع العلاقات “لأنه لا يمكنك فصل قطعة عن الأخرى”. هل عدّل سوليفان موقفه في ضوء المعطيات التي بدأت تفرض نفسها في مسار العلاقات السعودية الأميركية؟