المفاجأة الأولى متأتّية من أصل القرار نفسِه بإزاحة السّتار عن واحد من الأسرار الجوفيّة في الكرة الأرضيّة التي تقف عليها هذه المقاومة، بما يعنيه ذلك من أرضيّة صلبة وبنى تحتية أصلب، وفي ذلك جرأة معدنها الثّقة بالموجود وبما تحوز، على ما يفيض به ذلك من مكنون “غيض من فيض” لا مندوحة بالكشف عن كنه رابعهِ فما بالك بأوله وآخره، وليس صدفة ولا انتقاءً اختيار الرقم [4] دون سواه إذ له ما قبله وما بعده في التّعداد الرّقميّ على الأقلّ، فكيف بالعمادات المجهولة العدد؟ والرّسالة بهذا الشّأن وصلت إلى أصحاب الشّأن هناك ليس أقلّها بأنّ “الشّبح” الذي أقضّ مضجعهم حيًّا لا يزال يلاحقهم بنُسَخٍ من نسخه لا يحصوها، فالذين لم يعثروا في عدوان تموز(يوليو) 2006 على منصّة صواريخ محمولة أو منقولة للمقاومة، ولا على سكّة حديدية تسحبها، لتسجيل صورة نصر واحدة، لن يحلموا برؤية ما لديها من أعداد وعماد ما قبل [4] أو ما بعده إلا في مثل هذه الأفلام.
***
المفاجأة الثانية تقيم في المبنى والمحتوى، المبنى الكائن في مدينة – إن لم تكن مدن – تحت الأرض لها شوارعها باتّساعها وطول مسافاتها، وعمقها وارتفاعاتها، والمحتوى وما يخفيه من أسرارها ومآلاتها، وليس فقط من شاحناتها بضخامتها، وصواريخها العملاقة ومخزونها، وغرف عملياتها والإدارة والسّيطرة والتحكّم بها، وصولًا إلى ما يضمن سلامتها في أيّة حرب مهما استعر أوارها وطال مسارها، وذلك كلُّه فيه ما فيه من الدّور الوظيفيّ في معركة كيّ الوعي للنّسيج الاستيطانيّ وكِيان العسكريتاريا المنهك، لضمان هزيمته والانتصار عليه ولهذا فإن العقل العسكريّ الصّهيونيّ سيصرف وقتًا وجهداً حثيثين قد لا يلحقهما قبل ردّ المقاومة لمراجعة حساباته بشأن اليوم التّالي أو الساعة التالية لهذا الردّ، وستنصرف آلته البشرية الحاسبة إلى محاولة تفكيك ألغاز أجندة المقاومة “النّفقية” وترسانتها التّحت أرضية دون جدوى.
المفاجأة السّادسة أنّ المقاومة، حتى وهي في حال الهجوم لوقف العدوان على غزة، تُمارس فعل الرّدع ممّا قد يليه، سيّان كان عن سابق مخطّطات، أو عن مرتكب حماقات لحربٍ ما، وهي بذلك تتحكّم بما يسمّى “الضربة الثانية” وتكرّس مبرر وجودها القائم على حماية شعبها وبلدها
***
المفاجأة الثّالثة في التّوقيت القابع على قارعة الانتظار، انتظار الردّ العتيد العاتي، الآتي على صهوة العماد الرابع بما يحمله من مقدّمات تقرّر من الآن النتائج، إذ يستبق تلويح العدوّ بعدوان استباقي للردّ، بوأده حيث هو، علّ الملوِّح به يفقه أنّ للاستباقيّ عنده استباقاتٍ هنا، خزائنها في باطن الأرض وجبالها، تدخله في متاهات أنفاق أين منها أنفاق غزّة؟ فإذا به عميٌ عنها “ليس معلومًا أين تبدأ وأين تنتهي” لكنّها توصله بالنّصف الآخر من حرب الاستنزاف النّفسيّ والعسكريّ والاقتصاديّ منذ الاغتيالين قبل أكثر من أسبوعين ليستنتج أنّ “حزب اللّه أحرقنا نفسيًّا وسيحرقنا بصواريخه في المستقبل”.
***
المفاجأة الرابعة في كسر وهمٍ بدأ يتشكّل في الوعي الجمعيّ لبيئة المقاومة كاد يأخذ شكل الصّورة النّمطيّة بتفوّق الجمع الحربي للعدو عبر بنك معلوماتيّ استخباراتي تجسّسي حاول تكريسه بالاغتيالات والاستهدافات، فجاء ما جاء ليُكرّس توازنًا راجحًا إلى تفوّق مفاجئ ما، بتسجيل نقاط على العدوّ الذي لا علم له كاملًا بما أعدّت له المقاومة من قوّة فوق الأرض وتحتها، ما أسقط بيده وأعاد المقاومة رافعة للمعنويات نحو تطوّر الوعي الإدراكي لبيئتها الحاضنة إلى مدىً أقصى بلغ حدّ التندر، وإلى بُعدٍ بحجم بُعدِ الصّواريخ المترامية المدَيات “بشعاعها الممتدّ على طول فلسطين المحتلة إلى حد البحر الاحمر”، فيما لو أخطأ الحسابات وليس فقط على “الشّمال عرش الصهيونيّة”، كما يعتبرونه على قول الكاتب الإسرائيلي افرايم غانور في “معاريف”.
***
المفاجأة الخامسة مكمنها عقل المقاومة الإبداعي الخلّاق، والثّقة التي يؤسّس لها في العقلَين العربيّ والاسلاميّ بإمكانية هزيمة العدوّ، وفي الفكرة التي تُوظّف في خدمة الكفاءة العالية والقدرة على الارتقاء إلى مستوى المواجهة بجدارة نوعية قلّ نظيرها في حركات المقاومة عبر التاريخ، وهي بذلك تُوثّق صدقيّتها ببعض بأسها لتضيف إلى ترسانتها البرّية والبحرية والجوية عمقها تحت الأرض الذي لا يعلمه إلّا هي أمام عدوّ من هذا النّوع الدراكوليّ المفترس بترسانات الكولونياليّة الغربيّة المتوحّشة على جماجم أكثر من 40 ألف شهيد مدنيّ في غزّة التي كلّفت اقتصاده أكثر من 67 مليار دولار ويُكلّف إعمارها أكثر من 80 مليار دولار بحسب وكالة “بلومبيرغ”.
***
المفاجأة السّادسة أنّ المقاومة، حتى وهي في حال الهجوم لوقف العدوان على غزة، تُمارس فعل الرّدع ممّا قد يليه، سيّان كان عن سابق مخطّطات، أو عن مرتكب حماقات لحربٍ ما، وهي بذلك تتحكّم بما يسمّى “الضربة الثانية” وتكرّس مبرر وجودها القائم على حماية شعبها وبلدها، وتقول للموفدين وللمفاوضين، كما للمهدِّدين وللمحتشدين، ألّا شيء ينطلي عليها أو يمرّ دونها وإنْ تمّ إبلاغها عن “إحراز تقدّم وطلب تأجيل الرّد” إلّا أنّ البيان الثلاثيّ قال غير ذلك وعكْسَه، وأماط اللّثام عن غايات الاجتماعات وليس المفاوضات، وهي إضاعة الوقت والتفاوض المطاط لتفريغ مفاعيل الرّد وإجهاضه في أرضه وهو ما أكدته مخرجات الدّوحة وفهمته المقاومة من هذه الاجتماعات حتى قبل أن تبدأ، وتوّجته بما كشفته لتقول إن الرّد آت بمعزل عن كلّ ما يجري في الإقليم من حفلة تكاذب وأكاذيب توصيفها – الإسرائيلي حتّى – أنّها “خداع بالأوهام” ولهذا كان اختتام المقاومة بعناية فائقة لِما كشفته في عمادها الرابع بالآية: “فارتقب يوم تأتي السّماء بدخان مبين”.