لسنا أحفادك يا موسيفيني: البازوكولو ينتفضون

بعد ٣٨ عاماً على الخطب المطولة المفعمة بالأفكار المبهرة والتي وفّرها ذكاء لا يمكن إنكاره، وثقافة لا يمكن أن تخطئها العين أو الأذن، وقراءات متنوعة في الماركسية والاقتصاد والسياسة والأنثروبولوجيا واللاهوت، لم يعد التلميذ الأخير لجوليوس نيريري يُثير انبهار أحد.

يجلس الجد العجوز (سيستعصي عليك أن تخطىء التشابه اللافت للنظر بينه وبين الجنرال في رواية ماركيز البديعة “خريف البطريرك” مثلما سيستعصي عليك أن تخطىء التشابه بين ابنيهما الجنرالين هما الآخرين) في مكان بعيد عن حشود الجمهور الذين يكتظ بهم مسرح القصر الرئاسي في عنتيبي كل بضعة أيام.

يبدأ الجد العجوز حكاياته المُملة التي ظلّ ثلاثة أرباع السكان يستمعون إليها طوال حياتهم حيث لم يعرفوا زعيماً غيره في كسل شديد، ويصفقون في خمول يناسب الإيقاع الرتيب للحكايات التي تبدأ من انتصار الشعب على الغرب، وسمو القيم الإفريقية، حتى تصل إلى تأملات الجد عن المغادرة إلى العالم الآخر وكشفه عن أنه سيقضي في الجنة الكثير من الأوقات الممتعة، وأنه سيُبعث للمرة الثانية بعد أن بُعث في المرة الأولى، وهو حيٌ على صورة أحفاده الذين يتولون الآن ابلاغه بأحداث البلاد الهامة، ويعلمونه كل شيء من صعود المغنين الشباب على المسارح إلى لعب الورق.

هل يتذكر الرجل أن دخول الجنة لن يحتاج إلى جيوش من الصبية والأطفال التنزانيين والكونغوليين والروانديين والبورونديين، ولن يحتاج إلى أيديولوجيا ما بعد الاستعمار التي ظل المعلم نيريري يشحن بها آذان الحركيين من قادة حركة المقاومة الوطنية.

***

دخل موسيفيني في يناير/كانون الثاني عام ١٩٨٦م بلاده بجيش مدعوم من تنزانيا عبر الحدود ليهرب دون الإمساك به سلفه عيدي أمين، أحد أبشع الحكام الديكتاتوريين في القرن العشرين. هرب أمين إلى ليبيا معمر القذافي التي كان قد دخل على عهد ديكتاتورها السابق في الإسلام فأساء إلى دين الله وإلى عباده مخلفاً قصصاً مؤلمة ومرعبة وأخرى طريفة لا متسع لها الآن لكن نورد على سبيل المثال من بينها أنه حين أعلن إسلامه تجمع بعض منافقي الحاكم في بلاده وأعلنوا دخولهم في دين الرئيس. رحب بهم بحفاوة وبعد أيام تم الحجز لهم في المستشفى الموروث من الاستعمار البريطاني ليتم ختانهم دون اختيار لكن أحداً لم يجرؤ على الضحك.

حين تأتي ساعة الحساب لن يدخل أحد إلى الجنة بالحيل البلاغية ومناهضة الاستعمار نهاراً ثم النوم معه في نفس الغرفة بالليل. سيكتشف الجد العجوز أنه يذهب إلى العالم الآخر وما يقارب المليون طفل من شعبه يولدون سنوياً دون مساعدة طبية أو صحية. سيكتشف الجد العجوز أنه يجلس على قمة نظام فاسد يحصل فيه ١٪ فقط من العاملين على ما يقل عن الـ٣٠٠ دولار أمريكي بينما يتنافس الـ٩٩٪ على ما دون ذلك.

سيكتشف الجد العجوز أن الدقيق سلعة نادرة في البلاد وأن الناس يأكلون الثمار كالإنسان الأول بعد ملايين السنين على اكتشاف النار.

يوغندا بلد مغلق وبالتالي ليست عليه ضغوط من الغرب والإتحاد الأوروبي لضبط حركة اللاجئين والأجانب فيه، ولو كان متاحاً الخروج بأي وسيلة إلى مكان أفضل لكان هذا الخيار الأول لما يقارب ال٣٥ مليوناً في سن العطاء من السكان. بهذه المناسبة فإن ٢٪ فقط من السكان نجحوا في عبور سن الخامسة والستين

يخاطب الجنرال العجوز شعبه بمفردة البازوكولو وتعني الأحفاد بلغة اللوغاندا الواسعة الانتشار في البلاد والتي يتحدث بها أبناء قومية الباغاندا، لكن الشعب يرد باللافتات وعلى وسائل التواصل الاجتماعي بصور للجنرال العجوز وعليها عبارات من نوع (هذا الرجل ليس جدي) أو أننا لسنا أحفادك أو يحدّثونه عبر المنابر مثلما يفعل زعيم المعارضة الشاب وعضو البرلمان ومنافس الجد على الرئاسة في الانتخابات المزيفة الأخيرة روبرت سيناتامو الشهير باسمه الفني (بوبي واين) والذي كان مغنياً جماهيرياً ثم تحوّل إلى زعيم شبابي وسياسي خطير ما انفك يهز أعمدة النظام الهش.

صحيفة (الميرور) اليومية الجريئة نقلت عن ناشط شبابي يرد على الجنرال قائلاً “الأجداد لا يطلقون الغاز المسيل للدموع، ولا يشوّهون أحفادهم أو يسجنونهم! إننا لسنا أحفادك”.

***

زرت العاصمة اليوغندية كمبالا في رحلة قصيرة وبالرغم من أن الدعوة قد جاءت في موسم مزدحم عملياً وعائلياً بالنسبة لي، إلا أنني استجبت لها وفاء للقضية التي يتم تناولها، وتقديراً للمؤسسة الداعية وسنكتب عن ذلك بشكل منفصل.

في الذاكرة كانت رحلتي السابقة إلى يوغندا قبل ما يزيد عن العشرين عاماً إذ لم يكن الجد قد صار جداً لكنه بدأ منذئذ في سلك الشيخوخة. ابتسمت حين اكتشفت أنني سأقيم في نفس الفندق الذي أقمت فيه في المرة السابقة وقلت في نفسي هذا مؤشر من إثنين أحدهما أن البلاد قد ترسخت مؤسساتها الأهلية والخاصة أو أنها توقفت عن التطور لكني حين وصلت إلى هناك أدركت كم بلغ التدهور!

قبل أن أتخذ مقعدي على الطائرة بأيام ظللتُ أتابع أخبار ذلك البلد في الصحف المحلية والوكالات الأجنبية وفي يوم مغادرتي نقلت الصحف نبأ مقتل ما يزيد عن ٢٠ شخصاً في العاصمة بسبب انزلاق أرضي في إحدى أكبر تلال النفايات والتي تستقبل يومياً ألفي طن منها دون أن تخضع للمعالجة.

عملت فرق الإنقاذ بمثابرة وبسالة لإنقاذ العشرات من تحت الأنقاض وهتف الجد متسائلاً: من سمح للضحايا بالسكنى على تخوم النفايات؟ لم يسأل – كعادة الحكام طبعاً – لماذا لا يجد هؤلاء التعساء مساكن أفضل، وما الذي اضطرهم للعيش على جبل القمامة؟

***

والأشياء تتداعى!

في الأسبوع ذاته، قرّرت كندا طرد روث أشينغ السفيرة اليوغندية في أوتاوا بعد إعلانها شخصاً غير مرغوب فيه في البلاد. في الغضون ذاته، قرّرت وزارة الخارجية في كمبالا استدعاء السفير هنري ماييغا القنصل العام في إمارة دبي بالإمارات العربية المتحدة، بسبب تورطه في استيراد ماكينات للقمار وطاولات ومقاعد وأثاثات مخصصة للحانات وافتتاحه حانة ونادياً غير شرعي للقمار في أحد مباني القنصلية التي ترعى ما يتجاوز الـ٧٠ ألف مغترب يعمل هناك. أشارت تحقيقات صحفية إلى أن القضية تضم مسؤولين رسميين في الخارجية وسفارة يوغندا في موسكو إضافة إلى رجال أعمال ومتنفذين آخرين.

فات الوقت على الجد لمحاربة الفساد. والإصلاح وهو الآن مشغول مع الجدة (الأم والوزيرة) وسائر الأحفاد والأبناء لتوريث العرش للابن الجنرال موهوزي كاينيروغابا القائد العام للجيش والرجل الذي قام بتعيين ٣٥ سفيراً في آخر حركة لرؤساء الدبلوماسية الذين يمثلون بلاده أو يمثلونه -لا فرق- لكنه بالطبع لن يستطيع أن يعلن أنه قد أخطأ الاختيار.

***

يعتمد الجنرال يوري موسيفيني على شخصية ساحرة وآسرة وذكاء لافت للانتباه أتاح له أن يكون زعيم قادة ما بعد الكولونيالية في إفريقيا الشرقية ووكيلها المفضل في الوقت ذاته. في عامه الأول، نجح موسيفيني في دخول البيت الأبيض وبالرغم من أن الرئيس رونالد ريغان استقبله في المكتب البيضاوي واقفاً لمدة دقيقتين ولم يسمح له بالجلوس إلا أنه نجح في لعب بطاقاته مع الغرب جيداً خصوصاً بطاقة العلاقات المتميزة مع نيريري والخلفية الاشتراكية التي لم تكن الولايات المتحدة لتسمح بها في عصر الحرب الباردة. في تينك الدقيقتين أعرب ريغان لضيفه، بالصلف الأمريكي المعتاد، أنه غير سعيد بعلاقته مع القذافي لكن موسيفيني قدّم دفوعاته البارعة فاحتفظ بالكعكة وأكلها.

***

في الكثير من خطبه الطويلة ما يبرح الجنرال العجوز مكانه دون أن يسخر من السودان ولعل المرء يندهش ما الذي يجعل رجلاً يحكم بلداً مثل هذا، ويمتلك مثل ذلك التأثير البالغ في الشأن السوداني بأكثر مما يمتلك في شؤون بلاده.

يحرص الزعماء السودانيون الحقيقيون والزائفون على التقاط الصور مع موسيفيني والاستماع إلى محاضراته المملة، والسبب الوحيد في كل هذا أن قادتنا جهلة وأميون وخونة وضعاف الشخصية ويعتقدون أنه يمكن أن يوصلهم بالغرب بينما لا يدركون طبيعة الرجل ونظامه السياسي – إن كان ثمة نظام – وهو يرقص على الحبال بين معاداة الغرب ومحاباته، الوصفة المجربة في الهند وباكستان وعدد من الدول الأفريقية، لكن كُتِبَ علينا – حتى الآن – أن يحكمنا من لا يدرك هذا أو شيئاً من ذاك.

***

قبل ١٨ عاماً كتب المفكر الأفريقي العملاق البروفيسور علي مزروعي أن موسيفيني هو الوحيد بين معاصريه الذي تحوّل بسياسته الاقتصادية من الاشتراكية إلى الرأسمالية، وبعدها بخمس سنوات كتب أن بقاء (الجنرال) في السلطة لعشرين عاماً كثيرٌ جداً ناهيك أن يضيف إليها أعواماً أخرى.

في غياب مزروعي وقف الجد العجوز أمام صورته الكبيرة على المسرح وجلست على مقربة منه الجدة العزيزة والسيدة الأولى ووزيرة التعليم والشباب والرياضة جانيت موسيفيني وبدأ خطاباً طويلاً يجادل فيه أساتذة الجامعة الغائبين قائلاً “كان لدينا شد وجذب مع علماء الاجتماع في جامعة ماكريري بقيادة البروفيسور مزروعي فقد كانوا يدفعون باتجاه خط معين في العلوم الاجتماعية وبخاصة في السياسة.. وهو ما لم يكن واضحاً عندما يتعلق الأمر بتحرير إفريقيا”.

إقرأ على موقع 180  السد العالي والسد الآخر.. خطران لا يمكن تجاهلهما

ظن الديكتاتور أن مزروعي لم يعد موجوداً ليرد عليه وغاب عنه – وهو الذكي – أن كتابات الراحل العظيم عن تحرير إفريقيا ستلهم أجيالاً وأرتالاً من المفكرين والمثقفين لعقود طويلة قادمة، بينما سينطمر إرثه هو شيئاً فشيئاً في النسيان.

حرصت هذه المرة أن أزور جامعة ماكريري العريقة بأي طريقة وهي التي عمل فيها مزروعي لعقد كامل من الزمان قبل أن ينتقل للتدريس في الولايات المتحدة، وعمل فيها أيضاً البروفيسور المرموق محمود ممداني وكلاهما كتب عن السودان باستقامة ومعرفة ومحبة لكنني فشلت في الوصول إلى المكان بسبب سوء المواصلات ورداءة الطرق، وخسرت النصر بأن أقف على مكان ربما وقف فيه مزروعي رحمه الله رحمة واسعة وأكثر من أمثاله.

اضطررت للنزول من السيارة قبل وجهتي وحين كنت بداخلها حاولت التقاط بعض الصور من النافذة، لكن السائق نبهني بلطف أن عليّ الحذر من أن يُختطف هاتفي، فأغلقت النافذة دون جدال.

***

يساهم الجيش اليوغندي بالآلاف من قوات التدخل الأممي لحفظ السلام حول العالم في حين أنه لم ينجح في تحقيق السلام في بلاده، وفيما يتأهب الجنرال للاحتفال بالعيد التاسع والثلاثين لتوليه السلطة فإنه ليس بوسع أي مواطن أن يسافر من مدينة إلى أخرى بعد السادسة مساء وفي بعض الأحيان قبل التاسعة صباحاً.

حتى داخل المدينة ينصحك العارفون بالحرص على عدم التحرك بالأقدام خشية التعرض لمكروه والبقاء في السيارة. في سيارة الأجرة قرّر السائق السير في الاتجاه المعاكس لكن كان حظه سيئاً إذ ما أن وضع مقدمة السيارة على الطريق حتى ظهر في المكان شرطيان.

أثار السائق استغرابنا برفضه الانصياع للأوامر، واصراره على مجادلة الشرطيين حتى قرّرنا النزول من السيارة وتركهما لشأنهما لكن كان هذا مؤشراً مشهوداً على تدهور الوضع في البلاد. كلما تراجع احترام الشرطة في بلد كلما اقتربت من الهاوية، وقد شهدنا هذا في عدة بلدان من بينها بلدنا العزيز، أعاد الله إليه الأمن والطمأنينة والسلام.

***

لم يعد أمام موسيفيني وطاقمه الحكومي ما يكفي من الوقت قبل أن يستجيب نظامهم إلى الشرط الطبيعي بالوصول إلى الختام. التظاهرات تتزايد كل حين رفضاً للفساد، والطبقة الوسطى تتزايد وتطالب بالمزيد من الانفتاح والحريات والتقدم، والجد يرسل الخطابات الطويلة للأحفاد متوسلاً حيناً ومحذراً ومهدداً ومذكراً بالشرطة والجيش والأمن

يمكن مقارنة هذا الوضع بالسودان الذي يشهد حرباً شردت ١١ مليوناً ومع ذلك يستطيع الناس السفر باطمئنان ليلاً في رقعة تقارب ضعف مساحة يوغندا دون خوف على سلامتهم. أيُّ البلدين أحوج إلى تجربة الآخر في تحقيق السلام؟

يعيش في يوغندا حوالي الخمسين مليون شخص في مجموعة من المدن والبلدات والقرى الصغيرة في الغالب دون ماء أو كهرباء أو وقود، لكن لا يمكن انكار توفر شبكات الهاتف النقال برغم ضعفها. كما أن شبكة الإنترنت ضعيفة ولا تسمح بإجراء مكالمة مصورة إلا في ظروف محدودة من الحظ السعيد.

مطار عنتيبي الصغير لم يتطور كثيراً خلال أكثر من ٢٠ عاماً وهو أكبر قليلاً من مطار بورتسودان وفيه بوابات أربع لفحص الأمتعة، ومجموعة فائضة عن الحاجة من الموظفين يقومون بتكرار أداء نفس المهمة المرة بعد الأخرى نحو التفتيش وفحص جوازات السفر وبطاقات الصعود إلى الطائرة، وقد تعرضت بطاقتي للفحص ست مرات وأنا خارج من البلاد، لكنني حين دخلت البلاد – والحق يقال – لم يطلب مني موظف الهجرة رشوة ٢٠ دولاراً كما طلب مني سلفه وأنا بعد شاب في العشرينيات امتنعت عن دفعها بكل تصميم وحسم.

في شوارع المدينة المكتظة بالسيارات، والدراجات النارية (البودا بودا) والتي تستخدم كوسيلة للمواصلات والمارة، ترى الفساد والبؤس وسوء الحال في وجوه الشباب التي يتناثرون على جانبي الطريق وفي وسطه بوجوههم الوضيئة الخالية من الابتسام، وأصواتهم الخفيضة المهذبة، وهم يبيعون كل شيء من الفواكه اللذيذة إلى الملابس والأحذية، وإكسسوارات السيارات، والمصنوعات الجلدية، والبلاستيكية، والمخدات.

المقاهي والمطاعم السودانية منتشرة في غير مكان، والسودانيون منتشرون. بعضهم أتى بحثاً عن فرص جديدة في الدراسة وتعليم الأبناء، أو الهجرة، أو البيزنس، أو التكسب بالسياسة، أو بمنظمات المجتمع المدني وعطاياها التي لا تُغني عن العمل الشريف شيئاً، أو مخدوعاً بمعلومات مُضلّلة أعتاد بعض بني جلدتنا توزيعها على الأصحاب في إطار الزهو الكاذب بالنجاح الشخصي.

يتورط الواحد في كمبالا لكنه يُكابر فيخدع من يعرفونه زاعماً أنه في جنة الله على الأرض، حتى يترك البعض ديارهم الآمنة في السودان أو خياراتهم الأفضل في مصر والخليج فيأتون إليه.

في إطار سياسة اتباع المغلوب للغالب، ولست أدري ما الذي جعل السودانيين مغلوبين إزاء يوغندا. يُحدّثني أحدهم بأنهم ممتنون ليوغندا لأنها تسمح للسودانيين بالإقامة فيها، ولا ترسلهم إلى معسكرات اللاجئين مثل إثيوبيا وكينيا فأرد عليه: نعم هي سمحت بالحركة الحرة فماذا كسب الناس في بلد مغلق يحصل على الوقود عبر أنبوب مختلف عليه وعلى رسومه مع كينيا، وعلى وارداته عبر ميناء مومباسا أو التهريب من جنوب السودان (راقبت سائق سيارة الليموزين التي أقلتنا من الفندق وهو يضع في سيارته وقوداً بحوالي ٦ دولارات أمريكية فقط مما يعني أنه سيعود بعد توصيلنا لضخ المزيد).

يوغندا بلد مغلق وبالتالي ليست عليه ضغوط من الغرب والإتحاد الأوروبي لضبط حركة اللاجئين والأجانب فيه، ولو كان متاحاً الخروج بأي وسيلة إلى مكان أفضل لكان هذا الخيار الأول لما يقارب ال٣٥ مليوناً في سن العطاء من السكان. بهذه المناسبة فإن ٢٪ فقط من السكان نجحوا في عبور سن الخامسة والستين.

***

لم أجد الفرصة لشراء الصحف لكني مررت على بعضها في بهو الفندق أو على شبكة الإنترنت والأخبار لا تشبه الأخبار في أي مكان:

-القبض على رجل متهم بإغتصاب سيدة في عامها الرابع بعد المائة بإحدى المدارس.

امبايري

-القبض على شابة قسيمة وجميلة اسمها هارييت إمبايري تعمل بإحدى شركات اليانصيب وهي تحاول الهرب عبر الحدود مع تنزانيا بعد قيامها بقطع الأعضاء التناسلية لصديقها مما أدى إلى وفاته.

-العثور على جثتي طفلين في الثانية والسادسة من العمر في أحد المراحيض التقليدية بعد عجز أهاليهم عن دفع فدية لمختطفيهم.

-العثور على ١٧ جمجمة بشرية مدفونة بالقرب من أحد الأضرحة التقليدية.

-وفاة شاب أثناء الاختبارات للتجنيد في القوات المسلحة.

-دفن أحد الزعماء القبليين الأثرياء في مقبرة على عمق ١٥ متراً وهو يلبس مائة قطعة من الملابس التقليدية بناء على وصيته بحضور عدد من الوزراء وكبار المسؤولين وقادة المجتمع.

***

لم يعد أمام موسيفيني وطاقمه الحكومي ما يكفي من الوقت قبل أن يستجيب نظامهم إلى الشرط الطبيعي بالوصول إلى الختام. التظاهرات تتزايد كل حين رفضاً للفساد، والطبقة الوسطى تتزايد وتطالب بالمزيد من الانفتاح والحريات والتقدم، والجد يرسل الخطابات الطويلة للأحفاد متوسلاً حيناً ومحذراً ومهدداً ومذكراً بالشرطة والجيش والأمن، لكن هل هذه الأجهزة مستوردة أم هي من أبناء الشعب الذي سئم الظلم وتواطؤ الحكومات الغربية مع واحد من أبشع النظم الديكتاتورية في القارة الوادعة؟

***

لن يكون التغيير المقبل في يوغندا سلمياً أو سهلاً ونأمل لليوغنديين الوديعين حظاً أفضل في المستقبل لكن قراءة التوقعات – من دون مزاعم كبيرة – تقول إن أي انفجار في الأوضاع هنا ستمتد آثاره إلى السودان من الجنوب إلى الشمال في البلدين الشقيقين، وربما كان من الحكمة وحسن السياسة أن تتشكل في بلدنا لجنة لدراسة مآلات الأحوال في البلد العجوز نظامه، والآثار المترتبة على انهيار أعمدته المتهالكة، وهو انهيار تقول الكثير من المؤشرات إنه حتمي ووشيك.

Print Friendly, PDF & Email
محمد عثمان ابراهيم

كاتب وصحفي سوداني

Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Nulled WordPress Themes
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  "الأزمات الدولية" عن اليمن وليبيا والسودان وفلسطين والصومال: حروب وإنتخابات!