أيُّ نظام إقليمي يُولد من آتون الحروب المشرقية الراهنة؟

"طوفان الأقصى"، في ذكراه السنوية الأولى التي تصادف اليوم (الاثنين)، سرّع التاريخ؛ لكن أيّ تاريخ؟

إنّه تأريخ إطلاق مشروع النظام الإقليمي الجديد، الذي أطلق عليه اسم “الممر الإقتصادي”، من الهند إلى إسرائيل مروراً ببعض دول الخليج وبمعية الأردن والمغرب والسودان، وصولا إلى اوروبا.

دور تركيا ومصر في المشروع لمّا يتضح بعد. وإذا ما بدا لاحقاً أنه سيضم هاتين الدولتين الإقليميتين الكبيرتين، فهما قد تحتلان المرتبة الثانية فيه بعد إسرائيل – “المركز” والمرتبة الثالثة بعد السعودية ـ “المُمول”.

قبل “الطوفان”، كان المشروع يحث الخطى سريعاً نحو التنفيذ، عبر اتفاقات ابراهام، والصفقات الأمنية والتكنولوجية والتجارية بين إسرائيل ودول الخليج، كما عبر تحقيق الشرط الرئيس لإسرائيل حول “حقها التاريخي” في كل فلسطين التاريخية.

ثم جاء “طوفان الأقصى”، فأوقف مؤقتاً هذه المحركات الاندماجية، وأثار الشكوك العميقة حول قدرة إسرائيل على أن تكون ليس فقط القائدة العسكرية – التكنولوجية لمشروع ممر العولمة، بل حتى أن تبقى كنزاً استراتيجياً للهيمنة الأميركية في المشرق المتوسطي.

هذه الشكوك، مضافاً إليها إصابة مفهوم الردع الإسرائيلي بجروح وندوب مؤلمة جراء “الطوفان”، كانت عاملاً مهماً في إطلاق آلة الدمار الجنونية الإسرائيلية على مصراعيها في غزة، ثم لبنان، (وربما خلال ساعات في إيران)، وفي بقية أنحاء الشرق الأوسط، كما أعلن قبل يومين وزير الدفاع الاسرائيلي يؤاف غالانت.

بكلمات أوضح، قرّرت إسرائيل تسريع عجلة تاريخ ممر العولمة، عبر بدء تنفيذ الشطر المنوط بها وهو السيطرة العسكرية – التكنولوجية على كل منطقة المشروع. وهذا عنى ضرب، أو تصفية، أو شل كل أذرع إيران العسكرية في فلسطين ولبنان واليمن والعراق. وقريباً على الأرجح في سوريا. وتتويج ذلك سيكون في إيران نفسها، التي قد يتم العمل إما على اخضاعها ووضعها في زنزانة الإحتواء، أو بدء العمل لتغيير نظامها، بدعم ضمني وعلني من القوة العسكرية الأميركية.

كيف سيُنفّذ عملياً هذا التوجه مع إيران؟

عبر تطبيق نظرية “الذئب البونابرتي” عليها والتي وضعها الإنكليز خلال الحروب النابوليونية في القرن التاسع عشر، وقد نصّت على أن الوسيلة المثلى للقضاء على الذئب الفرنسي، هي إجباره على التقهقر إلى داخل حدوده، حيث سيختنق بأنفاسه أو ينهش نفسه بتفجر تناقضاته الداخلية.

أياً تكن الإحتمالات والسيناريوهات، المفتاح الأول وربما الأخير الذي سيُقرر مصير المنطقة وكل هذه المشاريع الإقليمية – الدولية  المصطرعة الآن في المشرق المتوسطي، هو مصير إيران التي تتكثف فيها الآن كل الصراعات الدولية والإقليمية

هذه على وجه التقريب قد تكون صورة الصراع التي برزت خلال عام من الحروب بعد “طوفان الأقصى” والتي مرّت بالجولات الخمس التالية:

الأولى؛ إيران وحلفاؤها يُوجّهون ضربة مؤلمة لمشروع ممر العولمة، ويُثيرون الشكوك العميقة حول قدرة إسرائيل على قيادته وحمايته عسكرياً وتكنولوجياً.

الثانية؛ إسرائيل ترد بإطلاق العنان بلا حدود لآلة الدمار العسكري (والتي اقتربت بالفعل من حجم الدمار النووي ولكن بالتدريج)، في غزة ثم لبنان، وتستعد الآن لتمديد عمل هذه الآلة إلى مناطق أخرى في المشرق. وهذا عنى بدء تزويد نظام الممر المتعولم، في وقت مبكر بأنياب ومخالب منفلتة من أي عقال.

الثالثة؛ محاولة تدمير حزب الله ولبنان كقاعدة دفاعية – هجومية لإيران على حدود إسرائيل وفي شرق المتوسط، تمهيداً ربما ( في حال نجح التدمير) لضم لبنان إلى حلف “الممر”، بعد أن يتم حسم مسألة التواجد الإيراني في سوريا.

الرابعة؛ توجيه ضربات عسكرية مُشلّة لإيران (ربما تشمل كلاً من المنشآت النووية والنفطية لمفاقمة أزماتها الإقتصادية – الإجتماعية)، إما، كما أسلفنا، لإخضاعها أو للبدء بتغيير نظامها عبر استثمار الخروقات الأمنية الخطيرة والصعوبات الإقتصادية فيها.

الخامسة؛ تحرك أميركي – أوروبي لعقد مؤتمر إقليمي – شبه دولي، لإعلان قيام الشرق الأوسط الجديد المتعولم، بقيادة عسكرية تكنولوجية إسرائيلية، وبتمويل خليجي، وتحت مظلة أمنية أميركية.

ما هي فرص نجاح هذا المشروع الطموح والعنيف؟

الأمر سيعتمد على الطريقة التي سيرد بها محور روسيا – الصين – إيران – كوريا الشمالية على هذا الهجوم الغربي-الاستراتيجي، الذي قد يكون الأضخم من نوعه منذ الحرب العالمية الأولى.

وسائل الرد تبدو عديدة:

١- من احتمال اتفاق روسيا وإيران على فتح الجبهة السورية والسماح بتدفق عشرات آلاف المقاتلين إلى جنوب لبنان – الجليل تمهيداً لشن هجوم معاكس؛

٢- إلى مساعدة إيران على إنزال خسائر لا تحتمل بالداخل الإسرائيلي،

٣- مروراً بتشجيع إيران على إعلان نفسها دولة نووية (ربما بمساعدة من كوريا الشمالية).

٤- كما أن هناك احتمالاً، ولو كان ضعيفاً، بحدوث تغييرات داخلية ما في مصر وتركيا اللتين تبدوان مستبعدتين كعناصر قيادية (لمصلحة التوسعية الإسرائيلية كما يقول رجب طيب أردوغان) من مشروع ممر العولمة.

لكن، وأياً تكن الإحتمالات والسيناريوهات، المفتاح الأول وربما الأخير الذي سيُقرر مصير المنطقة وكل هذه المشاريع الإقليمية – الدولية  المصطرعة الآن في المشرق المتوسطي، هو مصير إيران التي تتكثف فيها الآن كل الصراعات الدولية والإقليمية.

إقرأ على موقع 180  "الأكرنة" بشرق أوروبا: بروباجندا، زينوفوبيا أم كارما؟

كل العيون (والصلوات) إلى.. إيران.

Print Friendly, PDF & Email
سعد محيو

كاتب سياسي، مدير منتدى التكامل الإقليمي

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  لبنان: الصفدي خيار عون والحريري لرئاسة حكومة تكنوسياسية