لماذا يتم تحميل إيران مسؤولية “خراب بلدان المنطقة”؟

تعيش المنطقة راهناً تطورات تاريخية بدءاً من "الشرق الأوسط الجديد" الذي بشّر به رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وانتهاءً بالتكهنات التي تتحدث عن مآلات الخطط والبرامج التي يُريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بلوغها قبل انتهاء المائة يوم الأولی من عمر ولايته الثانية والأخيرة.

رُبّ سائل: ماذا يدور في خلد الرئيس الأمريكي وكيف سيُنفّذ أفكاره في أمريكا أولاً ومن ثم في دول الجوار مثل كندا والمكسيك، قبل أن نتحدث عن أوروبا والصين وروسيا والأمم المتحدة والشرق الأوسط والعديد من الملفات الدولية، سواء أكانت سياسية أم إقتصادية؟.

في ظل هذا النوع من الأسئلة والتطورات، دولياً وإقليمياً، تحتفل إيران بالذكری السنوية الـ 46 لانتصار ثورتها وتأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979. ثورةٌ غير مسبوقة وُلدت من رحمها جمهورية أثارت وتثير الكثير من الجدل واللغط منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا.

يسأل كثيرون بعد 46 سنة من انتصار الثورة الخمينية: ماذا تريد إيران؟ وماذا تُخطّط؟ وإلی أين تريد أن تصل لا سيما في ضوء ما شهدناه في أعقاب السابع من أكتوبر 2023 من تطورات في غزة ولبنان وسوريا والمنطقة، حتی أن البعض يعتبر إيران “أم المشاكل” في المنطقة، وأنها المسؤولة الأولى عن المناخات الطائفية والمذهبية التي لم تكن معروفة في منطقتنا ودولنا قبل العام 1979؛ إضافة إلی أن هذه الــ”إيران” لم تدخل بلداً إلا وحوّلته ركاماً وخراباً!

هذا البعض – وهو ليس بقليل – يعتقد أن إيران أدخلت المنطقة ودولها وشعوبها في حروب وأزمات ونزاعات مع الكيان الإسرائيلي لم تكن مؤهلة أو مستعدة لخوضها. يستدل هذا البعض علی ذلك بنتائج الحرب الأخيرة على غزة وتداعياتها اللبنانية والسورية؛ وربما نشهد لاحقاً المزيد من التداعيات في دول الإقليم.

لا أريد الخوض في الجوانب الفقهية والإجتماعية، في معرض الرد على الأسئلة المطروحة آنفاً؛ لكن يُمكن مقاربتها بشيء من الموضوعية والواقعية لان تناول مثل هذه المواضيع في الوقت الراهن يحمل في طيّاته نوعاً من الحساسية التي لا أراها مفيدة في الوقت الذي تتعرض فيه المنطقة لمخاض تاريخي رُبما يُفضي إلی نتائج شبيهة بما حدث في بداية القرن الماضي؛ أقصد علی وجه الخصوص اتفاقيات سايكس بيكو سيئة الصيت، من تقسيم ورسم حدود واندثار دول وولادة أخری.. إلخ. وبطبيعة الحال، تُفضل بعض الدول ولا سيما الصغيرة، أن تُخفّض رأسها حتى تمر العاصفة، في حين تعتقد دولٌ أخری أن خفض الرأس في مثل هذه الظروف مُكلفٌ ولا تستطيع الأجيال المقبلة تحمل كلفته، كما حدث في بدايات القرن الماضي، بدليل أن المنطقة ما زالت تأن تحت وطأة استحقاقات عمرها من عمر اتفاقية سايكس بيكو!

هذه الجمهورية التي تأسّست علی أنقاض نظام يأتمر بأوامر الغرب، لم يكن باستطاعتها إلا أن تكون كما أرادت الجماهير التي نزلت إلى الشوارع وأسقطت النظام الشاهنشاهي ومهّدت الطريق أمام ولادة نظام جديد يتبنى دستوراً حصل علی نسبة 99.5 بالمئة من أصوات المواطنين

وبلغة الواقعية السياسية، فإن الطائفية والمذهبية ليستا وليدة يومنا هذا وإنما هما وليدتا يومهما، ويُخطىء من يعتقد أن هذين العاملين وُجدا خلال الأربعين عاماً المنصرمة. إنّ عمرهما من عمر وفاة الرسول الأعظم. وما هذه المذاهب والفرق التي تشكّلت بعد عصر الدعوة الإسلامية الأول إلا مرآة لاختلاف النظرة إلى الدين والشريعة والتاريخ والموروث إلخ.. لا أريد أن أُحقّق في أيّهما الصح أو الخطأ؛ وإذا ما تنطح أحدٌ ما لمثل هذه المهمة، فلن يخدم الأمة في مثل هذه الظروف؛ ولن يجلب لها السعادة، لا في الدنيا ولا في الآخرة!

وبلغة الواقعية أيضاً؛ ما أوردته الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي كتبت في دستورها أنّها تسير علی منهج “المذهب الجعفري الإثنی عشري” هو الذي دغدغ مشاعر وعواطف البعض الذي يقارب الأمور من منطلقات ودوافع سياسية وليس فقهية أو دينية، لكأنه يريد لتاريخ المنطقة أن يبقى أسير نظرته الضيّقة.

النقطة الأخری تتعلق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي وتحرير الأرض والإنسان في فلسطين. الكل يعرف ويُقر أن هذا الاحتلال غير شرعي وغير قانوني ولا يملك الشرعية لا سابقاً ولا حالياً ولا مستقبلاً.. وأن كل المقاربات التي حدثت منذ العام 1948 فشلت في إنهاء الاحتلال، وبالتالي ما زال الشعب الفلسطيني منذ العام 1948 أسير واقع العنصرية والاحتلال والتهجير والتشريد والشتات والقتل والحقد والغطرسة والعدوان. فهل كانت إيران السبب وراء ذلك؟ وإذا ما استثنينا الثماني سنوات الأولی من عمر جمهوريتها الإسلامية (1980 – 1988)، وهي سنوات انشغالها في مواجهة الحرب التي شنّها ضدها نظام صدام حسين، فإننا نتحدث عن 37 عاماً من محاولات البناء في المجالات المختلفة، برغم ظروف الحصار والعقوبات، وخلال ذلك رأت الجمهورية الإسلامية أن الهيمنة والتسلط المُغلفين بالوعيد والتهديد من قبل كيان الاحتلال والولايات المتحدة وقفا عائقاً أمام محاولات التقدم والبناء. وثمة معادلة حاكمة مفادها “إما أن تكون معنا أو ضدنا”!. هذه الجمهورية التي تأسّست علی أنقاض نظام يأتمر بأوامر الغرب، لم يكن باستطاعتها إلا أن تكون كما أرادت الجماهير التي نزلت إلى الشوارع وأسقطت النظام الشاهنشاهي ومهّدت الطريق أمام ولادة نظام جديد يتبنى دستوراً حصل علی نسبة 99.5 بالمئة من أصوات المواطنين.

إقرأ على موقع 180  مركز دايان: فتح وحماس مُهدّدان.. وأسئلة ما بعد عباس

ربما تكون هذه المشهدية قد كلّفت المواطن الإيراني ما لا قدرة على تحمل أكلافه؛ لكن اللافت للانتباه أن هذا المواطن ما يزال يعتقد أن تقدم البلد وحصوله علی ما يريد لا يتم بوجود كيان الاحتلال الذي لا يفكر إلا بخريطة من النيل إلی الفرات؛ ويعتبر أن أي تفوق لدول الجوار في المجالات العلمية والتقنية والعسكرية والاقتصادية يتعارض مع تعريف الأمن القومي الذي وضعه لكيانه.

الاعتقاد السائد أن خراب البلدان ودمارها هو جزءٌ من تداعيات الاحتلال؛ كما السياسات الأمريكية التي لا تُفكّر إلا بعقل إسرائيلي ولا تنظر إلا بعين إسرائيلية.

عديدُ المراقبين يعتقدون أن المشكلة ليست في إيران وإنما في سيادة شعوب المنطقة وكرامتها. فإذا كان العامل الاقتصادي والإجتماعي الضاغط من شأنه أن يسد احتياجات أهل هذه المنطقة ويُوفّر الأمن والاستقرار لهذا الاقليم ولو لبعض الوقت، إلا أنه في نهاية المطاف لا مناص من الهروب من القضية الأساس: سيادة وكرامة شعوب المنطقة وأولها شعب فلسطين.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  موسكو تجمع الفصائل الفلسطينية.. ولا تُوحّدها!