وعد بلفور ووعد ترامب.. الجوهر واحد!

الفشل المحتم يخيم على خطة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» لـ«تطهير» غزة من مواطنيها الفلسطينيين. يستحيل تمامًا إجبار أكثر من خمسة ملايين فلسطينى على النزوح من غزة إلى سيناء ومن الضفة الغربية إلى الأردن. إلغاء القضية الفلسطينية، وهم كامل.

بدا الكلام كله معلقًا فى فراغ التفاصيل.

بقدر ما أثارته خطة «ترامب» من اعتراضات جوهرية واسعة شملت المنظمات الدولية وحلفاء الولايات المتحدة التقليديين فى أوروبا وداخل العالم العربى نفسه خيّمت سيناريوهات الفشل المبكر عليها.

بوصف الـ«نيويورك تايمز» فإنها: «أكثر خطط الرؤساء الأمريكيين وقاحة».

هكذا بالحرف.

برغم محاولات معاونيه التخفيف من حمولاتها السلبية على صورة الولايات المتحدة، يعيد «ترامب» طرحها مرة بعد أخرى دون أدنى اكتراث بردات الفعل السلبية عليها.

وجد فى نفسه جرأة الادعاء: «الجميع يحبون مقترح غزة».

الأغرب أنه يحاول إضفاء صفة البحث عن السلام على أكثر التصورات والأفكار اختراقًا لأية قيمة إنسانية وقانونية بذريعة أنه يقترح حلًا لحياة آمنة ومستقرة لأهالى غزة خارجها، فيما لا يقدم أحد أى مقترح آخر!

على مدى عقود خامرت أغلب الرؤساء الأمريكيين فكرة الحصول على جائزة نوبل للسلام من بوابة إنهاء الصراع العربى الإسرائيلى بتسوية ما.

هذه المرة تخامر الرئيس الأمريكى العائد توًا إلى البيت الأبيض الفكرة نفسها، لكن بإلغاء أى حق فلسطينى وإنكار قضيتهم.

هناك من يشبه خطة «ترامب» بـ«وعد بلفور»، وزير الخارجية البريطانى الذى صدر عام (1917)، وهو الوعد الذى أسس لـ«إقامة وطن قومى للشعب اليهودى فى فلسطين».

على عكس «بلفور» لم يلجأ «ترامب» إلى أية عبارات مراوغة أو مساحيق تجميل.

بقوة الحقائق الماثلة الخطة الترامبية فاشلة لا محالة، لكن وجه خطورتها إنها تفسح المجال أمام حكومة «نتنياهو» للتملص من اتفاق وقف إطلاق النار وعدم استكماله بكل مراحله والعودة إلى الحرب

حسب نص وعد «بلفور»: «لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التى تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة فى فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسى الذى يتمتع به اليهود فى أى بلد آخر»، وهو ما لم يجر الالتزام به.

ذهب «ترامب» إلى هدفه الحقيقى مباشرة لإلغاء القضية الفلسطينية بتفريغها من سكانها.

الجوهر واحد فى الوعدين، لكن مستوى الكفاءة يختلف تمامًا.

الأول، ينتمى إلى المدرسة الدبلوماسية البريطانية بكل خبراتها المتراكمة فى إدارة المستعمرات بالقوة أحيانًا وبالمراوغة أحيانًا أخرى.

والثانى، يجهل حقائق وتعقيدات أزمات الشرق الأوسط محاولًا العودة إلى الإرث الاستعمارى القديم، الذى انقضى تاريخيًا وموضوعيًا ببطولات وتضحيات حركات التحرر الوطنى، التى نشأت بعد الحرب العالمية الثانية وتصدرتها مصر بقيادة جمال عبدالناصر خمسينيات وستينيات القرن الماضى.

بتعبير الزعيم الهندى «جواهر لال نهرو» أثناء شن العدوان الثلاثى على مصر إثر تأميم قناة السويس (1956): «إنه إلغاء للتاريخ».

باستلهام نفس المعنى فإن وعد «ترامب» هو إلغاء للتاريخ.. وإلغاء ثانٍ للقانون الدولى، وإلغاء ثالث للعدالة الدولية، حيث أعلن الحرب بالمعنى الحرفى على محكمتى الجنائية الدولية والعدل الدولية لمنع ملاحقة نتنياهو أمام الأولى بتهم ارتكاب جرائم حرب ووقف إجراءات محاكمة إسرائيل أمام الثانية بتهمة الإبادة الجماعية.

هذا كله لا يمكن أن يمر ولا العالم يحتمل هذا القدر من التهور والحماقة.

لا يوجد أحد فى العالم باستثناء إسرائيل مستعد أن يؤيد خطته.

مأزق «ترامب» أنه يناقض تصريحاته التى ألزم بها نفسه أثناء حملته الانتخابية بإنهاء الحروب فى العالم!

كانت تلك التصريحات الانتخابية أقرب إلى النكاية بسلفة «بايدن»، الذى استغرق بنزعة عسكرية مفرطة فى حربى الأوكرانية وغزة.

بعد وعد تطهير غزة بالتهجير قسريًا أو طوعيًا فإنه يستحق الحصول مناصفة مع «بايدن» على «جائزة نوبل فى القتل».

التعبير للأديب الكولومبى «جارسيا ماركيز».

فى كانون الثاني/يناير (2002) أصدر بيانًا باسمه وحده، «لا يوقع عليه سواى»، لم يأخذ حقه من الذيوع والانتشار فى العالم العربى برغم قوة منطقه واسم صاحبه.

دعا فيه ساخرًا ومتألمًا لمنح ما اسماها «جائزة نوبل فى القتل» لرئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق «آرييل شارون».

«إنه لمن عجائب الدنيا حقًا أن ينال شخص، كمناحيم بيجين جائزة نوبل للسلام، تكريمًا لسياسته الإجرامية التى تطورت فى الواقع كثيرًا خلال السنوات الماضية على يد مجموعة من أنجب تلاميذ المدرسة الصهيونية الحديثة. إلا أن الموضوعية تفرض أن نعترف بأن الذى تفوق على الجميع هو الطالب المجد آرييل شارون».

باستلهام «ماركيز» فإن «نتنياهو» يستحق الحصول على ذات الجائزة، فهو تفوق على «شارون» «وبيجين» معًا فى ارتكاب جرائم الحرب بدعم كامل من الإدارة الأمريكية، التى يحاول «ترامب» الآن استكمالها بإلغاء الوجود الفلسطينى كله.

«أعجز تمامًا عن فهم هذه الخطة».

كان ذلك تصريحًا لافتًا للانتباه للرئيس البرازيلى «لولا دا سيلفا».

فى النهاية الحقائق سوف تقول كلمتها الأخيرة.

المثير فى القصة كلها أن «ترامب» لم يستشر فريقه المعاون، وكله تقريبًا يؤيد إسرائيل، ولا أطلع وزير خارجيته عليها!

إقرأ على موقع 180  حي الشيخ جرّاح.. نموذج تواطؤ الإحتلال ضد الوجود الفلسطيني

لا يوجد أى تصور يجيب عن أكثر الأسئلة جوهرية: إذا لم يكن مستعدًا لإرسال قوات ضخمة إلى غزة، خشية التورط فى مستنقعها، فمن سوف يملء فراغ «حماس»، الذى يصر «نتنياهو» دون جدوى على الإجهاز النهائى عليها؟

لا أحد فى العالم مستعد أن يلعب هذا الدور بالنيابة.

بقوة الحقائق الماثلة الخطة الترامبية فاشلة لا محالة، لكن وجه خطورتها إنها تفسح المجال أمام حكومة «نتنياهو» للتملص من اتفاق وقف إطلاق النار وعدم استكماله بكل مراحله والعودة إلى الحرب.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
عبدالله السناوي

كاتب عربي من مصر

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  ثلاثة سيناريوهات لفيلم فيينا.. النووي!