الخطة المصرية لإعمار غزة.. الحلول والتحديات

تبنّت القمة العربية الاستثنائية التي عقدت في القاهرة يوم الثلاثاء في 4 آذار/مارس، الخطة المصرية لإعادة اعمار غزة. وهي خطة طموحة تبلغ تكلفتها 53 مليار دولار مُقسّمة إلى مرحلتين على الشكل التالي:
  • المرحلة الأولى: (6 أشهر – 3 مليارات دولار): تشمل إزالة الركام، وبناء 200 ألف وحدة سكنية مؤقتة تكفي لنحو 1.5 مليون فلسطيني، بالإضافة إلى ترميم 60 ألف وحدة سكنية متضررة جزئيًا، واستصلاح 20 ألف فدّان زراعي.
  • المرحلة الثانية (4.5 سنوات – 50 مليار دولار): تتضمن إعادة إعمار شاملة للقطاع، من خلال تطوير البنية التحتية، وإنشاء مناطق صناعية، وميناء بحري، ومطار دولي.

هذا في الشكل. أما في الآليات، فقد كشفت وكالة “رويترز” بعض التفاصيل المحيطة بالخطة، نقلاً عن مصدر مصري لم تسمه:

  • تحل “بعثة مساعدة الحكم الرشيد” محل الحكومة في غزة لفترة مؤقتة غير محددة، وتكون مسؤولة عن المساعدات الإنسانية، وبدء إعادة إعمار القطاع الذي دمّرته الحرب.
  • تنصّ مقدمة الخطة على أنه لن يكون هناك تمويل دولي كبير لإعادة بناء غزة إذا ظلت حركة حماس العنصر السياسي المهيمن والمسلح على الأرض والمسيطر على الحكم المحلي.
  • تقدم المسودة تصوراً لـ”قوة استقرار دولية” تتشكل في المقام الأول من دول عربية تتسلم دور حفظ الأمن من حركة حماس، مع تأسيس قوة شرطة محلية جديدة في نهاية المطاف.
  • يتولى مجلس التوجيه والإدارة مهام “الترتيب والتوجيه والإشراف” على الهيئات الأمنية والإدارية في قطاع غزة.
  • يتشكل مجلس التوجيه والإدارة من دول عربية رئيسية وأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي والولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول أعضاء في الاتحاد وأطراف أخرى.
  • تستشرف الخطة قيام الدول الأعضاء بمجلس التوجيه والإدارة بإنشاء صندوق لدعم الهيئة الحاكمة المؤقتة في غزة، وتنظيم مؤتمرات للمانحين لتوفير المساهمات اللازمة لخطة إعادة الإعمار والتنمية طويلة الأجل.
  • تدعو المسودة مجلس التوجيه إلى التنسيق مع مجلس استشاري للمجتمع المدني، يتألف من أكاديميين وقادة منظمات غير حكومية وشخصيات بارزة أخرى.
  • تتضمن الخطة تشكيل «لجنة لإدارة غزة يجري تشكيلها خلال المرحلة الحالية تمهيدًا لتمكينها من العودة بشكل كامل للقطاع وإدارة المرحلة المقبلة بقرار فلسطيني»، مشيرة إلى أن «مصر والأردن يعملان على تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية تمهيداً لنشرها في القطاع”.
  • تؤكد الخطة أنّ “حل الدولتين هو الحل الأمثل من وجهة نظر المجتمع والقانون الدوليين، وأن القطاع جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية”.
  • حثّت الخطة كذلك على “ضرورة مراعاة حقوق الشعب الفلسطيني وبقائه على أرضه دون تهجير”، مشددة على “ضرورة تكاتف المجتمع الدولي من منطلق إنساني قبل كل شيء لمعالجة الكارثة الإنسانية التي خلفتها الحرب”.

في فلسفة الخطة والملاحظات حولها

أولاً: يُستشف من ملامح الخطة المصرية أنّ مبتغاها هو اشراك المجتمع الدولي في إعادة الاعمار (أميركا، السعودية، الدول الخليجية). ولكن لكي تقدم هذه الدول على حشد الدعم والتمويل اللازمين، فإنّ ذلك يتطلب إزاحة حماس من المشهد السياسي في غزة وهذا مطلب هدفه إرضاء تل أبيب وواشنطن بشكلٍ أساسي.

ثانياً: لا تزال ثغرات عديدة تسود تنفيذ وقف إطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل الاسرى في غزة، وفي ظل تباعد المواقف بين حماس والسلطة، فإنّ القاهرة تدرك أن ليس باستطاعة كلا الطرفين تنفيذ آليات الخطة في الوقت الحالي. لذلك، عمد الطرف المصري إلى اقتراح تأليف لجنة أو بعثة، لإدارة المساعدات الإنسانية والشروع في عملية رفع الأنقاض، تكون بديلاً عن الحكومة، على أن تتولى مهامها لمدة ستة أشهر. وفي هذا السياق، فإنّ تأليف لجنة إدارية مدنية وإغاثية، وعلى الرغم من أهميتها وضرورتها في الوقت الحالي، لإدارة قطاع غزة، الاّ أنّ ملاحظات عدّة، نسجلّها في هذا المضمار:

  • ليس من الواضح كيفية اختيار أعضاء هذه اللجنة.
  • ليس من الواضح من ستكون مرجعيتها؛ أتكون الحكومة الفلسطينية التي تغيب عنها حماس والجهاد الإسلامي أم أن مرجعيتها ستكون ما أسمته الخطة “مجلس توجيه وإدارة”.
  • إضافةً إلى ذلك، فإنّ ثمة وهم فيما يخص وجود التكنوقراط غير المسيّس في بلادنا، وهو وهمٌ تجسد ويتجسّد في النقاشات السياسية الدائرة حالياً في لبنان. وفلسطين في هذا المجال ليست استثناءً اذ أن الشعب الفلسطيني، يزخر في كافة أماكن تواجده، بكوادر واختصاصات عديدة، ولكن لا يمكن فصل انتمائها الحزبي، عن عملها التخصصي، وهذه أيضاً معضلة يجب حلّها.

ثالثاً: تنصّ الخطة على أنّ مصر والأردن، ستتوليان مهمة تدريب عناصر الشرطة الفلسطينية كي يصار إلى نشرهما في قطاع غزة مستقبلاً. بكلام آخر، تريد الخطة إزاحة حماس من ترتيبات الحكم، بشكل متدرج وانتقالي، تمهيداً لتسلّم السلطة الفلسطينية إدارة القطاع، كما كان عليه الوضع، ما قبل العام 2006. وهنا تعود إلى الواجهة “خطة دايتون-دحلان” والتي كشف عنها عام 2007. استطراداً، هذه خطة أعدّها المنسق الأمني الأميركي في السلطة الفلسطينية، الجنرال كيث دايتون، وسُميت على اسمه. وبحسب الصحيفة، فإن الخطة تهدف في الأساس إلى تعزيز قوة الحرس الرئاسي الفلسطيني، الخاضع للأمرة المباشرة للرئيس محمود عباس. ويبلغ عديد هذه القوة نحو 3 آلاف عنصر في الضفة الغربية وقطاع غزة. ووفقاً لخطة دايتون، سيكون هؤلاء العناصر مسؤولين عن تنفيذ المهام التالية: حماية عباس ومنشآت الرئاسة، وحماية الضيوف الأجانب لعباس، وحماية المنشآت الأجنبية، وحماية النظام العام، وحماية معبري رفح وكارني.

إقرأ على موقع 180  استقرار نظام "الحرب الباردة".. وأفق الصراع الأوكراني

رابعاً: تتحدث الخطة عن ضرورة مشاركة قوات عربية و/أو دولية ضمن ما تسميه ” قوات استقرار دولية”. وفي هذا السياق، نطرح الأسئلة التالية:

  • ممن ستتكون هذه القوات؟
  • أي دول ستشارك فيها؟ كيف وبأية شروط؟ وهذا إذا حدث، من الممكن أن ينظر إليه، على أنه تواجد لقوات أجنبية على أراضي غزة وبخاصةً إذا كان الأميركي في عداد القوى الدولية.
  • تطرح الخطة مجلس توجيه وإدارة يضم كافة القوى الإقليمية والدولية الراعية على الإشراف على الخطة وتنفيذها. والمعلوم أنّه في عرف المساعدات الدولية في بلادنا، فإنّ أي فلس سيُقدّم، يقترن بشروط ومطالب سياسية. فهل سيكون الشرط الأساس نزح سلاح المقاومة في غزة، لا سيما أن ما رشح عن الخطة يفيد عن ضبط ومراقبة الأسلحة وتخزينها في مستودعات بإشراف الأطراف المعنية، إلى حين قيام دولة فلسطينية مستقلة.
  • هل سيؤلف مجلس الأمن الدولي قوات لحفظ السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين على طول الحدود بين غزة وغلافها. وإذا نعم، يحتاج هذا الأمر إلى تفويض أممي وإلى متابعة دقيقة وخصوصاً أن التجربة الأممية بإحلال السلام ومراقبته، ليست مشجعة لا في لبنان ولا في سوريا اذ أن عملهما في كلا البلدين، كان منحازاً دوماً للعدو الإسرائيلي.

خامساً: في جانب آخر، متصل بالآفاق الاستراتيجية لكيفية حل القضية الفلسطينية، فإنّ الخطة تشير إلى أن تنفيذ إعادة الإعمار يتطلب ترتيبات للحكم الانتقالي وتوفير الأمن بما يحافظ على آفاق حل الدولتين. برأيي، تمّ إيراد هذا الأمر انسجاماً مع تزايد الحديث الدولي مؤخراً حول العودة إلى حل الدولتين، وذلك غداة حرب الإبادة الجماعية على غزة وما أفرزته من تنامي الحديث حول هذا الأمر، في الأوساط السياسية والقانونية الدولية، وانسجاماً مع الخطاب الرسمي الفلسطيني والعربي، القائل بضرورة انشاء دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وبعد التضحيات الهائلة التي بذلها الشعب الفلسطيني، على امتداد 17 شهراً.

في العوائق والتحديات

مما لا شكّ فيه أنّ الخطة طموحة وتجسّد عملاً عربياً مشتركاً للتصدي لطموحات ترامب الرامية إلى تهجير الفلسطينيين وجعل غزة “ريفيرا الشرق”، غير أن تحديات كبيرو تحيط بمدى قدرة العرب على حشد الدعم اللازم لها، وبخاصةً في ظلّ فقدان أوراق القوة لدى هذه الدول أو عدم الرغبة في استثمار هذه الأوراق متى وجدت. والأهمّ من ذلك، ماذا سيكون الموقف الأميركي حيال الخطة بعد إعلان موقف رافض لها من كل من واشنطن وتل أبيب، وكيف سيترجم الجانبان رفضهما، في ضوء مواقف إسرائيلية صدرت مؤخراً، تفيد بضرورة استئناف الحرب على غزة، وعدم المضي قدماً في المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار وصفقة تبادل الأسرى، قبل القضاء نهائياً على حماس والمقاومة الفلسطينية. هذا عدا طبعاً عن تطور المشروع الاستعماري الإسرائيلي، في الفترة الأخيرة، ليشمل أجزاء واسعة من الجغرافية السورية. إضافةً إلى ذلك، وإذا كانت الخطة مبنية على توافق مصري-أردني في البدء، ثم تمّ تبنيه عربياً، فإنه من غير الواضح بعد، كيف سيحشد العرب، القوى الفلسطينية وأخذ موافقتهم عليها، في ظل تمترس طرفي الانقسام الفلسطيني: فتح وحماس، بمواقفهما السابقة، والتعنت السياسي الذين يمارسانه، حيال قضايا جوهرية، لا تمس مستقبل غزة فحسب، بل مستقبل القضية الفلسطينية ككلّ.

وختاماً، لا بد من تسجيل ملاحظتين:

  • الملاحظة الأولى: الخطة المصرية الأصلية التي تبنتها القمة العربية مؤلفة من 112 صفحة، والملاحظات المدونة في هذا المقال، هي ملاحظات على مسودة الخطة وخطوطها العريضة، كما كشفت عنها وكالات أجنبية وبعض الوسائل الإعلامية.
  • الملاحظة الثانية: إذا كانت فلسفة الخطة تقوم على ربط ملف إعادة الاعمار بإبعاد حماس عن المشهد السياسي حالياً كمقدمة لإنهاء دورها المقاوم، فإنّ حالة لبنان أكثر وضوحاً: لا إعادة اعمار من دون تنفيذ كافة مندرجات القرار الأممي 1701. هذا هو موقف واشنطن.. نقطة على آخر السطر.
Print Friendly, PDF & Email
عطالله السليم

كاتب وباحث سياسي

Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  رؤساء لبنان.. "كورونا كش برا"!