دستور أحمد الشرع: الرجل الواحد، الفاتح.. “البونابرتية السورية”!

Avatar18022/03/2025
توماس بييريه، وهو زميل فرنسي باحث في جامعة إيكس بمرسيليا، يروي في هذا النص المنشور في موقع "أوريان 21" بالعربية (ترجمته من الفرنسية الزميلة فاطمة بن حمد)، كيف أن قائد "هيئة تحرير الشام" والرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع، لعب على طول مسيرته، الدور ببراعة على موازين القوى الموجودة للوصول إلى أعلى هرم السلطة الفردية، والتي ينوي الآن الاحتفاظ بها.

في 13 آذار/مارس 2025، أصدرت سوريا إعلانا دستوريا يُنشئ نظاماً رئاسيا لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات، أصبح بموجبه الرئيس أحمد الشرع رئيساً للدولة وللحكومة معاً، بعد إلغاء منصب رئيس الوزراء. وقبلها بيوم، أنشأ مرسوم رئاسي مجلس الأمن القومي الذي لا يضم سوى عسكري واحد إلى جانب الرئيس، وهو وزير الدفاع، والذي سيجالس وزراء الخارجية والداخلية ومدير جهاز المخابرات — للمقارنة، يضم مجلس الأمن القومي التركي ما لا يقل عن أربعة جنرالات (رئيس الأركان وقادة القوات البرية والبحرية والجوية).

يعكس هذان القراران مفهوماً شخصيًّا للغاية لممارسة السلطة لدى الشرع، فضلاً عن اهتمام قديم بموازنة نفوذ المؤسسة العسكرية، وهو اهتمام نابع من هاجس الإطاحة به من قِبل رفاقه في السلاح.

بناء شخصية “الفاتح”

منذ أول أيام المجموعة الجهادية “جبهة النصرة” التي أنشأها عام 2012، عمل من كان يُعرف آنذاك تحت اسم أبو محمد الجولاني بصبر على توطيد سلطته الفردية على التنظيم. ولتشكيل حرسه الشخصي، لم يجنّد قدامى الجهاد العابر للحدود، الذين كانوا آنذاك كثيرين بين المتمردين السوريين، بل رجالا وُلدوا مثله في ثمانينيات القرن العشرين، لهم خبرة محدودة في الكفاح المسلح. هذا هو حال أنس خطاب، الذي تقول شائعة إنه كان “أمير الحدود” في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق. والأكثر احتمالاً أن خطاب لم يلعب سوى دور ثانوي في تنظيم لم ينضم إليه إلا في عام 2008، عندما كان عمره 22 عاماً. وقد وُصف منذ عام 2013 بأنه “ظلّ الجولاني”، وكان مسؤولاً في البداية عن أمنه الشخصي، وهو اليوم يدير جهاز المخابرات العامة. كذلك بالنسبة إلى أسد الشيباني، وزير الخارجية الحالي، الذي لم تكن له أي خدمات جهادية عندما أصبح رئيس المتحدثين باسم جبهة النصرة. أما الرجل الثالث الموثوق به، عبد الرحيم عطون، فهو الأكبر سناً، وهو أيضا لم يخرج من الظل إلا عندما جعله الجولاني المنظِّرَ الرئيسي لجبهة النصرة.

ثلاثة من أصل ستة جنرالات قادة الكتائب الأوائل الذين تم تعيينهم في بداية 2025 أجانب بالفعل، وهم على التوالي أردني وتركي وأويغوري. يمكن تفسير ذلك أيضا في ضوء توجّس الشرع من التهديدات الداخلية. وتتعزز هذه الفرضية بحقيقة أن اثنين من هؤلاء الجنرالات الأجانب وُضعا على رأس وحدات هامة لحماية النظام الجديد، وهي الحرس الجمهوري وفرقة دمشق

وبمساعدة المذكورين أعلاه، بنى الجولاني كاريزمته على الفور من خلال منح نفسه لقب “الفاتح” المبالغ فيه، بينما كان لا يزال مجرد قائد مجهول لمجموعة صغيرة. وإذا كان الغموض الذي يحيط به يستجيب جزئيا لاعتبارات أمنية، فإن تبدده التدريجي، الذي تم تنظيمه بمهارة، جاء ليعزز هالته كرجل موهوب. ففي عام 2013، أجرى أول مقابلة تلفزيونية مع قناة الجزيرة دون الكشف عن ملامحه. وبعد ثلاث سنوات، خرج أمام الملأ خلال خطاب أُعلن عنه بقوة من خلال حملات تشويقية نظمتها دعاية تنظيمه. ولم يقدم الجولاني نفسه رسميا باسمه المدني أحمد الشرع، الذي كشفته تسريبات منذ عام 2016، إلا نهاية عام 2024، بعد سقوط دمشق.

إقصاء الكوادر العسكرية

في الأثناء، تخلّص زعيم ما أصبح في عام 2017 هيئة تحرير الشام من أي شخص يمكن أن يحجب عنه الضوء داخل التنظيم. ومن جهتهم، انفصل المتشددون، المعارضون للقطيعة المعلنة في عام 2016 مع القاعدة، من تلقاء أنفسهم، لتشكيل فصيل منافس اسمه “حرّاس الدين”، الذي سرعان ما قضت عليه المسيرات الأمريكية. وتم استبعاد عناصر عقائدية أخرى، من بينهم رجال دين مصريون، حتى أن أحدهم اختُطف بعد أن لجأ إلى الفصائل المنافسة في الجيش الوطني السوري الذي ترعاه تركيا.

ويثقل كاهل الشرع أكثر من غيرهم القادة المحليون الأقوياء والذين يحتلون أعلى المناصب العسكرية في التنظيم. نذكر منهم أمير القلمون (الحدود الشرقية للبنان) أبو مالك التلي، الذي كوّن غنيمة حرب ضخمة بفضل التهريب وخطف واحتجاز الرهائن. تم نقل أهم ملازمي التلي خارج فرقته، قبل أن يترك بنفسه التنظيم ويتم وضعه وراء القضبان عام 2020. وقد تم اعتقاله بقيادة أبو ماريا القحطاني، زعيم المقاتلين المتأتيين من محافظة دير الزور الشرقية، والذي سُجن بدوره في 2023 في إطار حملة تطهير واسعة استهدفت 700 عضو من هيئة تحرير الشام، اتُهموا بالتجسس لصالح دول غربية. واغتيل القحطاني من قبل عضو من تنظيم الدولة الاسلامية – بحسب الرواية الرسمية.

وتم إقصاء كوادر هامة أخرى من السلطة العسكرية عن طريق ترقيات في إدارة إدلب المدنية، منها إدارة تصريف المراكز الحدودية. من بين هؤلاء، الأخوان قتيبة وحذيفة البدوي، اللذان يرأسان اليوم الجمارك السورية. وتم تعيين آخرين على رأس شركات احتكارية كانت تشتغل في القطاع المتمرد، على غرار أمير حلب عبد الرحمان سلامة، الذي أصبح رجل أعمال في مجال البناء. وفي 2020، تم تعويض “الجيوش” المحلية التي كانت هيكل هيئة تحرير الشام بستة عشر لواء مرقم، بينما تم تعيين مرهف أبو قصرة، وهو شخصية ودودة لكن ليست بتلك الأهمية، رئيس أركان التنظيم. وصار أبو قصرة، بعد سقوط النظام، وزير الدفاع. وجدير بالذكر أن حافظ الأسد قد أعطى خلال فترة حكمه نفس المنصب لمصطفى طلاس، ذي الشخصية الخادعة و التأثير المحدود في الجيش – بنفس قدر إمكانيته المحدودة في تنظيم انقلاب ضد الأسد.

إقرأ على موقع 180  "حرب غزة" بين قُدرات إسرائيل.. وتبعيتها للولايات المتحدة!

فرق تسد

نلاحظ وجود أجانب في رتب عالية داخل الجيش السوري الجديد. فثلاثة من أصل ستة جنرالات الكتائب الأوائل الذين تم تعيينهم في بداية 2025 أجانب بالفعل، وهم على التوالي أردني وتركي وأويغوري. يمكن تفسير ذلك أيضا في ضوء توجّس الشرع من التهديدات الداخلية. وتتعزز هذه الفرضية بحقيقة أن اثنين من هؤلاء الجنرالات الأجانب قد وُضعا على رأس وحدات هامة لحماية النظام الجديد، وهي الحرس الجمهوري وفرقة دمشق. وبما أنهم محرومون من الجذور الاجتماعية في سوريا و“غير مرغوب فيهم” في بلدانهم الأصلية، فإن الأجانب يعتمدون بشكل كبير، من أجل بقائهم، على استعداد السلطات السورية — وبالتالي الشرع — لذلك. وقد يشكلون في هذا الصدد مرادفا معاصرا للحرس القوقازي (الشركسي والشيشاني) الذي استعانت به المملكة الأردنية المجاورة منذ تأسيسها.

وبالمثل، يبدو أن قرار تكليف بعض الفِرق (في إدلب ودرعا والبادية، أي الصحراء الوسطى)، والمحافظات (حلب وريف دمشق)، والوظائف الأمنية في المناطق الحساسة (مثل الساحل الغربي للبلاد) لقادة من فصائل كانت معادية سابقاً، مثل “أحرار الشام”، و“صقور الشام” أو “الجبهة الشامية”، يهدف إلى تجنب التركّز المفرط للمسؤوليات بين أيدي قادة هيئة تحرير الشام.

بينما كانت أجهزة الجيش في ظل النظام السابق (المخابرات العسكرية والجوية) متورطة بعمق في مهام القمع الداخلي، حتى في وقت السلم، انكبّ الشرع قبل الاستيلاء على دمشق بوقت طويل على بناء مؤسسة أمنية “مدنية”، بمعنى أن هيكلها القيادي منفصل بوضوح عن الجناح العسكري لهيئة تحرير الشام. هكذا وُلدت إدارة الأمن العام في عام 2020 تحت إشراف أنس خطاب، المذكور سابقاً. وفي آذار/مارس 2024، تم فصلها رسمياً عن هيئة تحرير الشام لتصبح وكالة تابعة لحكومة الإنقاذ السورية، وهي السلطة التنفيذية المدنية المكلفة بإدارة منطقة إدلب المتمردة. وأصبح أعضاؤها، الذين يمكن التعرف عليهم من خلال زيهم الأسود، المسؤولين الرئيسيين عن حفظ النظام في المناطق التي تمت السيطرة عليها حديثا منذ كانون الأول/ديسمبر 2024.

إن التطرف الأيديولوجي المستقبلي للنظام ليس السيناريو الأكثر احتمالا، ولئن لم يكن مستحيلا. يُظهر المسار السياسي للرئيس الحالي أنه غالبا ما يعتبر أن الجناح العقائدي في منظمته تهديد يجب أن يحمي نفسه منه. ومع ذلك، فإن مفهومه الشخصي للغاية للسلطة هو على الأرجح نبأ سيء للسوريين، الذين يطمحون أولا إلى رؤية بلادهم تخرج من عهد الاستبداد.

(*) المصدر: “أوريان 21

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  ترامب وسوريا.. أربع سنوات من الارتجال والتناقضات