“الإعصار الترامبي” يضرب الأمم المتحدة.. في لبنان

تتميز أول مئة يوم من ولاية دونالد ترامب الرئاسية الثانية بطابعها الزلزالي، إذ أنها ستترك بصمتها على المشهد الدولي بأسره لعقود من الزمن. وفي هذا التقرير سنتناول ما يتعلق بالأثر على الأمم المتحدة حصراً.

وصل “الإعصار الترامبي” إلى منظمة الأمم المتحدة التي تعاني أصلاً من عجز حاد في موازنتها، فجاء قرار ترامب بوقف دفع اشتراكات بلاده للمنظمة الدولية ليفاقم من هذا العجز وليضع المنظمة أمام منعطف تاريخي يتطلب منها إعادة هيكلة بنيتها الإدارية والتنظيمية بصورة جذرية، وذلك للمرة الأولى منذ انشائها في العام 1945. وبطبيعة الحال فإن المؤسسات التابعة للأمم المتحدة التي تعمل في لبنان تمرُ حالياً بواقع صعب للغاية، وأبرزها قوات الطوارىء الدولية العاملة في لبنان (اليونيفيل) الموجودة في جنوب لبنان منذ صدور القرار الدولي الرقم 425 إثر الإجتياح الإسرائيلي للبنان في مارس/آذار 1978. وتُعتبر “اليونيفيل” أكبر رب عمل في جنوب لبنان بعد الدولة اللبنانية، وأمامها استحقاق تمديد ولايتها لمدة سنة جديدة في نهاية آب/أغسطس المقبل، الأمر الذي يواجه للمرة الأولى مخاطر جدية، ربطاً بالتمويل والمهام.

يُشكل اشتراك الولايات المتحدة الأميركية في الأمم المتحدة حوالي 28 في المئة من اجمالي موازنة المنظمة الدولية البالغة 3.72 مليار دولار (للعام 2025)؛ والتي تُوظّف ما يزيد عن 134 ألف موظف في كل أنحاء العالم. أما عدد العاملين في المنظمات والهيئات التابعة للأمم المتحدة في لبنان فيقارب الستة آلاف موظف بين أجنبي ولبناني. ويبلغ عدد الموظفين المدنيين في “اليونيفيل” حوالي 590 موظفاً لبنانياً و280 موظفاً أجنبياً بالإضافة إلى نحو 10500 جندي من 49 دولة. وتبلغ الموازنة التشغيلية السنوية لقوات “اليونيفيل” حوالي 486 مليون دولار لا تتضمن رواتب الجنود من الدول الأوروبية الذين يتقاضون رواتبهم من دولهم.

رسالة الأمين العام للأمم المتحدة

ومع قرار الولايات المتحدة الأميركية القاضي بتجميد دفع اشتراكاتها للأمم المتحدة ومطالبتها المنظمة الدولية باطلاق عملية اصلاح واسعة لهيكلها التنظيمي، بدأ المسؤولون في نيويورك البحث عن سبل تخفيف النفقات، وبينها الغاء بعض المهام والعمليات العسكرية الخارجية وتخفيض عدد الموظفين ودمج بعض الوظائف وصولاً إلى التفكير بنقل مقر المنظمة الدولية من نيويورك إلى إفريقيا وتحديداً إلى مدينة عنتيبي الأوغندية.

أما في لبنان، فقد انطلقت عملية إعادة هيكلة عمل مؤسسات الأمم المتحدة بوتيرة سريعة، وثمة همس عن وجود اتجاه لتخفيض عديد “اليونيفيل” إلى حوالي ستة آلاف جندي ومحاولة التعويض عن هذا التخفيض باللجوء إلى المراقبة الجوية التي تعتمد على المسيرات والمروحيات أو عبر نشر كاميرات مراقبة في مناطق واسعة من الجنوب اللبناني.

أما أولى خطوات إعادة الهيكلة في الشق المدني، فإنها ستكون في توحيد الشق الإداري لكل هيئات ومنظمات الأمم المتحدة، ومن ضمنها “اليونيفيل”، في هيئة واحدة يكون مقرها في مبنى “الاسكوا” في بيروت. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى التخلص من قرابة مئة وظيفة عمل في “اليونيفيل” يشغلها لبنانيون في أقسام الموارد البشرية والنقل والمشتريات والإدارة المالية كمرحلة أولى، وسيرتفع العدد إلى أكثر بكثير من مئة وظيفة إذا ما أضيف إليه الموظفون في باقي هيئات الأمم المتحدة ومنظماتها العاملة في الجنوب وفي مختلف المناطق اللبنانية. هذا الأمر أثار حالة من الهلع لدى الموظفين اللبنانيين في “اليونيفيل” وفي باقي المنظمات الدولية العاملة في الجنوب، وهم بغالبيتهم من أبناء القرى الجنوبية اللبنانية ويشكل دخلهم دعماً ثابتاً لعائلاتهم للبقاء في قراهم.

منظمة الأمم المتحدة باتت بعد ثمانين عاما من تأسيسها عبارة عن جسم تنظيمي مترهل يحتاج إلى اعادة ترشيق ولكن الوضع اللبناني لا سيما بعد العدوان “الإسرائيلي” الأخير من شأنه أن يُحوّل أي خلل في عملية إعادة هيكلة المنظمة الدولية في لبنان إلى كارثة اجتماعية ومجزرة اقتصادية بحق مئات الموظفين اللبنانيين وعائلاتهم وهم الذين خدموا المنظمة الدولية بكل أمانة واخلاص في أحلك الظروف

وقد عقدت قيادة اتحاد الموظفين اللبنانيين في “اليونيفيل” عدة لقاءات تشاورية لدرس الموضوع لكنها وجدت نفسها عاجزة عن الاتفاق على خطة عمل لمواجهة المجزرة الوظائفية المرتقبة.

ويتساءل الموظفون اللبنانيون في “اليونيفيل” وفي غيرها من منظمات الأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان عن سبب التركيز على الوظائف التي يشغلها لبنانيون في تخفيض الكلفة في وقت يخرج فيه لبنان وبالأخص جنوبه من حرب مدمرة أطاحت بكل ميادين الانتاج فيه، ناهيك عن الدمار الشامل الذي لحق بمنازل هؤلاء الموظفين شأنهم في ذلك شأن أهالي القرى الحدودية، فيما أن كلفة الموظف الأجنبي تصل إلى نحو ثلاثة أضعاف كلفة الموظف اللبناني، ولبنان دولة تمتلك كفاءات علمية في مختلف ميادين العمل، الأمر الذي يُسهّل للموظف اللبناني ملء أي شغور في الوظائف المطلوبة في مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها، وهنا يطرح التساؤل عن سبب التوجه إلى التخلص من قرابة مئة موظف لبناني في “اليونيفيل” وحدها إضافة إلى مئات آخرين في باقي مؤسسات الأمم المتحدة في لبنان طالما أن التخلص من 35 موظفاً أجنبياً يمكن أن يخدم الهدف نفسه الذي تسعى اليه المنظمة الدولية من دون أن يتأثر حسن سير العمل. فالموظف الاجنبي يتمتع براتب أعلى من راتب الموظف اللبناني ولديه منافع وظيفية لا يمتلكها الأخير ومن ضمنها المنح الدراسية بنسبة 80% لأبناء الموظفين (بمعزل عن المدرسة أو الجامعة التي يدرس فيها حتى لو كانت من كبريات جامعات العالم وأكثرها كلفة) وبدلات سكن للبعض منهم وبدلات تنقل.. إلخ.

إقرأ على موقع 180  "الكتاب الذّي تتمنّى لو قرأهُ أبواك".. للمُعالجِة فيليبا بيري

وفي النقاشات التي دارت في اجتماعات قيادات اتحادات الموظفين اللبنانيين العاملين في مؤسسات الأمم المتحدة ومنظماتها بدأ المجتمعون في كل اتحاد على حدا كما في اللقاءات التنسيقية فيما بينهم مناقشة خطة عمل لمواجهة الأخطار المحدقة بهم وبفكرة التوجه بنداء إلى رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وإلى رئيس الحكومة نواف سلام للتدخل حماية لوظائفهم، غير أن الأمر بقي خلف الأبواب الموصدة حتى الآن وبعيداً عن الإعلام. ولكن الجهة الرسمية اللبنانية صاحبة الشأن والأكثر تأثيراً في هذا الأمر هي وزارة الخارجية اللبنانية التي لا تزال غائبة عن السمع وتعطي تصاريح العمل للموظفين الدوليين من دون أي تدقيق، ومن دون أن تحرك ساكناً.

مما لا شك فيه أن منظمة الأمم المتحدة باتت بعد ثمانين عاما من تأسيسها عبارة عن جسم تنظيمي مترهل يحتاج إلى اعادة ترشيق ولكن الوضع اللبناني لا سيما بعد العدوان “الإسرائيلي” الأخير من شأنه أن يُحوّل أي خلل في عملية إعادة هيكلة المنظمة الدولية في لبنان إلى كارثة اجتماعية ومجزرة اقتصادية بحق مئات الموظفين اللبنانيين وعائلاتهم وهم الذين خدموا المنظمة الدولية بكل أمانة واخلاص في أحلك الظروف. لذلك فإن التحرك السريع للدولة اللبنانية من رئاسة جمهورية ورئاسة مجلس نيابي ورئاسة حكومة إلى وزارة الخارجية يُمكن ان يساهم في الحد من الخسائر والأضرار التي ستلحق بهؤلاء اللبنانيين.

Print Friendly, PDF & Email
سلطان سليمان

صحافي لبناني؛ كان يُوقّع مقالاته باسم "ماهر أبي نادر" لضرورات عمله

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الحوثي يُقارع أمريكا في "الأحمر".. الدخول إلى "ملعب الكبار"!