جدعون ليفي: لا حق أخلاقياً لإسرائيل باستخدام كلمة “إنساني”!

Avatar18011/07/2025
"لو كان مردخاي أنيليفيتش، قائد منظمة المقاتلين اليهود في غيتو وارسو، حياً اليوم، لَمات خجلاً وعاراً لدى سماعه خطة وزير الدفاع، المدعومة من رئيس الحكومة، بشأن إقامة "مدينة إنسانية" في جنوب قطاع غزة. ما كان أنيليفيتش ليصدّق أنه بعد 80 عاماً على "الهولوكوست"، يمكن لأحد أن يجرؤ على طرح فكرة شيطانية كهذه".

بهذه العبارة يستهل جدعون ليفي، الكاتب الإسرائيلي مقالته في صحيفة “هآرتس”، في معرض انتقاد السياسات التي تقودها حكومة بنيامين نتنياهو في غزة منذ سنة وتسعة أشهر. ويضيف الكاتب:

“ولو علِم (والد وزير الدفاع يسرائيل كاتس) بأن المقصود حكومة دولة يهودية قامت على أنقاض غيتو وارسو، لَما عرف كيف يتصرف. وعندما يتبين له أن صاحب الفكرة، يسرائيل كاتس، هو ابن لناجيَين من المحرقة، مئير كاتس وملكة (نيرا) من عائلة دويتش، اللذين فقدا معظم أفراد أسرتهما في معسكرات الإبادة – لن يصدّق. ماذا كانا سيقولان عندما يعلمان بما آل إليه نجلهما.

لوعلِم أنيليفيتش بحجم اللامبالاة والتقاعس اللذين أثارتهما هذه الفكرة في إسرائيل، وإلى حد ما، في العالم، وحتى في ألمانيا، لَمات مرة ثانية، هذه المرة من الحسرة.

فكرة الغيتو وحدها كافية لدق ناقوس الخطر. على ما يبدو، تتصرف إسرائيل، كأنها تخطط لإبادة جماعية وتهجير قسري. وإن لم تكن تخطط لذلك، فقد تنجرّ نحوهما بسرعة، من دون وعي

دولة اليهود تقيم “غيتو”؛ إنه تعبير مروّع. يكفي أن تطرح الفكرة لتبدو كأنها مشروعة – وكأن السؤال هو عمَّن يؤيد معسكر الاعتقال، ومَن يعارضه، كي تقصّر الطريق نحو فكرة أكثر رعباً: معسكر إبادة لمن لا يجتازون اختبارات “الفرز” على مدخل الغيتو. في جميع الأحوال، إسرائيل تقتل سكان غزة قتلاً جماعياً؛ فلماذا لا “تبسّط” العملية وتوفّر أرواح الجنود الأعزاء؟ قد يقترح أحدهم محرقة متنقلة تُقام على أنقاض خان يونس، حيث سيكون الدخول إليها، مثل الغيتو المجاور في رفح، “طوعياً”. من المؤكد أنه طوعيٌ – كما هي الحال في “المدينة الإنسانية”. أمّا الخروج من المعسكرَين فلن يكون طوعياً. هذا ما اقترحه الوزير.

إن الإبادة الجماعية، بطبيعتها، لا تولد فجأة. لا يستيقظ المرء في الصباح ليجد نفسه قد انتقل من الديموقراطية إلى “أوشفيتز”، ومن الإدارة المدنية إلى الغيستابو. العملية تجري بالتدريج. فبعد مرحلة نزع الصفة الإنسانية، التي مرّ بها اليهود في ألمانيا، والفلسطينيون في غزة والضفة منذ وقت طويل، ومرحلة الشيطنة التي مرّت بها الأمّتان، تأتي مرحلة الترهيب: لا يوجد أبرياء في غزة، و7 أكتوبر هو تهديد وجودي للدولة، قد يتكرر في أي لحظة. حينها، تأتي مرحلة الحاجة إلى “إجلاء السكان”، حتى قبل أن يفكر أحد في الإبادة.

نحن في خضم هذه المرحلة، المرحلة الأخيرة ما قبل الإبادة الجماعية. ألمانيا هجّرت اليهود إلى الشرق، وكذلك بدأت إبادة الأرمن بالترحيل، وكان يُطلق عليها أيضاً اسم “الإخلاء”. والآن، يتحدثون عن إجلاء السكان إلى جنوب القطاع.

طوال سنوات، تجنبتُ أي مقارنة بالهولوكوست. كل مقارنة من هذا النوع ستغفل الحقيقة وتضرّ بالعدالة. لم تكن إسرائيل دولة نازية مطلقاً، وإذا لم تكن إسرائيل دولة نازية، فلا بد من أن تكون دولة أخلاقية. لكننا لسنا بحاجة إلى هولوكوست لكي نُصدَم، يمكن أن نُصدَم مما هو أقل من ذلك كثيراً، على سبيل المثال، مما تفعله إسرائيل في قطاع غزة. لكن لا شيء حضّرَنا لفكرة “المدينة الإنسانية”.

لم يعُد لإسرائيل الحق الأخلاقي في استخدام كلمة “إنساني”. فمَن جعل قطاع غزة على ما هو عليه، كمقبرة جماعية وأنقاض، ويتعامل مع الأمر بلا مبالاة، فقدَ كل علاقة له بالإنسانية. مَن يرى فقط الرهائن الإسرائيليين في القطاع، ولا يرى أن الجيش الإسرائيلي يقتل كل ست ساعات عدداً من الفلسطينيين يعادل عدد الرهائن الأحياء، فقد خسر إنسانيته.

إذا لم تكن الأشهر الـ21 الماضية كافية، مقتل الرضّع، والأطفال، والنساء، والصحافيين، والأطباء، وجميع الأبرياء، فإن فكرة الغيتو وحدها كافية لدق ناقوس الخطر. على ما يبدو، تتصرف إسرائيل، كأنها تخطط لإبادة جماعية وتهجير قسري. وإن لم تكن تخطط لذلك، فقد تنجرّ نحوهما بسرعة، من دون وعي”. (المصدر: ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  من الكيبوتسات إلى الصواريخ: المفارقة التاريخية بين جلال آل أحمد والثورة الإيرانية
Avatar

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  "بروجيكت سنديكيت": لأميركا مصلحة بتقصير أمد حرب أوكرانيا