غزة المقبلة.. غزتان شرقية وغربية!

منذ الاحتفاء بوقف إطلاق النار قبل أسابيع، أرصد فى واشنطن آراء وتعليقات وكتابات وتصريحات، تشير بطرق مباشرة وغير مباشرة، إلى ضرورة التعامل مع خط الانسحاب الإسرائيلى طبقا للمرحلة الأولى من الاتفاق على أنه خط حدودى جديد بين «شرق غزة» حيث يسيطر جيش الاحتلال الإسرائيلى على ما يزيد على نصف مساحة القطاع، ويوجد بها عدة آلاف من السكان فقط، و«غرب غزة» حيث تسيطر حركة حماس على أقل قليلا من نصف مساحة القطاع، ويكتظ فيها ما يقرب من مليونى شخص.

يقول ديفيد ماى، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، وهو مركز بحثى أمريكى، إن على إسرائيل أن تتعامل مع سيناريو ديمومة حدود الخط الأصفر الفاصل بين شرق وغرب قطاع غزة طبقا للمرحلة الأولى من خطة الرئيس دونالد ترامب ذات النقاط العشرين، التى قبلت بها جميع الأطراف.
ويضيف ماى، المعروف بقربه، وقرب مؤسسته الشديد من الدوائر الإسرائيلية، أن «خطوط وقف إطلاق النار المؤقتة فى الشرق الأوسط تميل إلى أن تصبح حدودًا دائمةً، من هنا تحتاج إسرائيل إلى التخطيط لإمكانية أن يصبح الخط الأصفر حدا إقليميا طويل الأمد».

***

سبق أن كرر نائب الرئيس جي. دي. فانس، وجاريد كوشنر صهر ترامب، أنه إذا استمرت حركة حماس فى رفض نزع سلاحها، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل ستعملان على خطة لبدء إعادة بناء شرق غزة فقط. ويعد بند نزع سلاح حماس قضية بلا حل! وترى خطة ترامب قطاع غزة منزوع السلاح، وتؤكد ضرورة ألا تذهب أموال إعادة الإعمار إلى المناطق التى تسيطر عليها حماس حاليا. وبرغم موافقة حماس على خطة ترامب، فإنها اشترطت لنزع سلاحها، تسليمه لسلطة فلسطينية فى إطار توافق وطنى فلسطينى، وهو ما يبدو هدفا بعيد المنال فى الوقت الراهن مع رفض إسرائيل وأمريكا لهذا الطرح.
لم يكن مفاجئًا أن يكرر رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو أن بلاده متفقة مع الولايات المتحدة على ألا تشكل غزة أى تهديد لإسرائيل، وأن تبقى السيطرة الأمنية الكاملة بأيدى إسرائيل، حتى مع مناقشة خطط وجود قوات دولية لحفظ الأمن من دول تقبل بها إسرائيل. فى الوقت ذاته، يشكك عدد من السياسيين المقربين من إسرائيل مثل السيناتور الجمهورى ليندسى جراهام من جدوى وفعالية وجود أى قوات دولية فى غزة. وأبرز جراهام رفض الملك عبدالله الثاني وجود قوات أردنية فى غزة يكون دورها فرض السلام فى غزة. وقال الملك الأردنى: «هناك فرق بين فرض السلام وحفظه»، وأضاف: «نأمل أن تكون مهمة قوات الأمن داخل غزة هى حفظ السلام، لا فرضه، لأن أى محاولة لفرض السلام لن يرغب أحد فى المشاركة فيها».
وتدعو خطة ترامب للسلام إلى تشكيل لجنة من التكنوقراط لإدارة غزة وقوة دولية لتوفير الأمن، لكن التفاصيل لم يتم التوصل إليها بعد، فى وقت تطالب فيه دول عربية بضرورة السماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع.

***

لا تتوقف مواقع إخبارية وبحثية قريبة من إسرائيل داخل الولايات المتحدة عن الترويج لسردية تقسيم قطاع غزة. واستدعى موقع «جويش إنسايدر» المعنى بالشئون اليهودية الأمريكية، الذى تقترب سياساته التحريرية من مواقف الحكومة الإسرائيلية، هذه الخطة من خلال تقرير استند إلى رؤية عددٍ من الخبراء المؤيدين بشدة لفكرة التقسيم.
ذكر تقرير نشره الموقع أن «الخبراء يقولون إن المنطقة الشرقية من غزة التى يسيطر عليها الجيش الإسرائيلى يمكن أن تصبح أداة لعزل حماس وإعادة تشكيل مستقبل القطاع، حتى مع وجود عقبات كبيرة».
كان فانس قد صرح خلال زيارته لإسرائيل الشهر الماضى، بأن الفلسطينيين يجب أن يكونوا قادرين على الانتقال إلى «منطقة خالية من حماس» فى جنوب غزة «فى الشهرين المقبلين».
ورسم خبراء صورة لغزتين، موضحين أنه يمكن استخدام المنطقة التى تسيطر عليها إسرائيل استخدامًا استراتيجيًا لاجتثاث حماس والحفاظ على نفوذها إذا استؤنفت الأعمال العدائية.

***

ذكر ديفيد ماى أن إسرائيل طورت تكنولوجيا للتعرف على مقاتلى حماس ويمكنها استخدامها للسماح لغير المقاتلين بالوصول إلى المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية شرق غزة. وقال ماى لموقع «جويش إنسايدر» إن «نظام الأنفاق الذى حفرته حماس والمنتشر بكل مكان فى غزة، والذى يجتاز بلا شك الخط الأصفر ويعمل كخط لوقف إطلاق النار، يحد من قدرة إسرائيل على توفير منطقة آمنة فى الجزء الشرقى من غزة».
وأضاف ماى: «إذا وُجدت هناك مياه جارية، وصرف صحى، وكهرباء، وإنترنت، وطرق ثابتة وبنية تحتية، إذا كان هناك شىء يشبه الوظائف والفرص الاقتصادية، مع وجود طرق فحص لقبول المدنيين الوافدين إلى تلك المنطقة، يمكن أن تكون هناك طريقة تستنزف السكان ببطء من غرب غزة».
من جانبه، قال جون هانا، الخبير بالمعهد اليهودى للأمن القومى الأمريكى، وهو مركز بحثى بواشنطن، «إن شرق غزة، الذى سيكون تحت سيطرة الجيش الإسرائيلى، سيُصبح منطقة خالية من حماس، ويجتمع العالم لدعم ظهور مؤسسات سياسية واجتماعية واقتصادية جديدة مزدهرة، تزدهر فيها حياة سكان غزة العاديين».
وأضاف هانا، «على النقيض من ذلك، فإن غرب غزة الذى تسيطر عليه حماس سيُحكم عليه بالقمع والركود والبؤس المستمر. بمرور الوقت، سيصبح الشرق نقطة جذب كبيرة للغالبية العظمى من سكان غزة»، وهو ما سيؤدى إلى عزل وتقويض حكم حماس وشرعيتها، بحسبه.
وأشار تقرير «جويش إنسايدر» إلى أنه برغم كثرة التحديات، فإن إيجاد طرق لنقل الفلسطينيين إلى شرق غزة قد يسهم فى عزل حماس فى الغرب، وهى استراتيجية يمكن أن تستخدمها إسرائيل لتقويض سلطة حماس من جانب، ومن جانب آخر لجلب الدعم الدولى لإعادة الإعمار، وفى الوقت ذاته، بقاء نصف القطاع كمنطقة عازلة يمكن أن يخدم مصالح إسرائيل الأمنية أيضا إذا استؤنف القتال.

إقرأ على موقع 180  أفول اليسار.. ولو أن شيئاً واحداً بقي!

***

فى الوقت ذاته، أشار تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» عقب مشاركة عدد من صحفييها فى زيارة نظمها جيش الاحتلال إلى قطاع غزة، إلى أن الجيش الإسرائيلى يقوم بالحفر على طول خط وقف إطلاق النار داخل غزة، مع تعزيز التحصينات وتأسيس البنية التحتية التى تُسهم فى زيادة تقسيم القطاع إلى قسمين.
وقد شاهد صحفيو «وول ستريت جورنال» على طول الخط قوات إسرائيلية تُقيم مواقع جديدة محاطة بالأسلاك الشائكة والسواتر الرملية. كما أبرزت الصحيفة قول مسئولين عسكريين إسرائيليين إنهم يستعدون لاحتمال أن يظل الخط الأصفر موقفهم الدفاعى فى المستقبل المنظور.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
محمد المنشاوي

كاتب متخصص في الشؤون الأميركية، مقيم في واشنطن

Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  مصر في عين العاصفة..ما الذي يُخطّطهُ الصهاينة لها؟