يشهد على هذه الدبلوماسية الجديدة علاقات ترامب مع كل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية وكذلك مع حلفائه الغربيين إذ ينتقل الخطاب من الانفراج أو التطور الواعد إلى الصدام المتصاعد، والعكس أيضا.
أشرنا إلى هذا الأمر مع الصدمة الدبلوماسية التى أطلقها ترامب فى الإعلان عن مقترحه (المكون من ٢٨ نقطة) لتسوية الحرب الروسية الأوكرانية. الحرب التى ستكمل عامها الرابع بعد أشهر ثلاثة.
«المقترح الترامبى» يقوم على أفكار تعتبر صادمة مسقطاً «بعض المسلمات» التى اعتبرت أساساً لأى تسوية مستقبلاً وأهمها وحدة الأراضى الأوكرانية.
من هذه المسلمات التى أسقطت الاعتراف بشبه جزيرة القرم ومنطقتى لوغانسك ودونيتسك كأراض روسية بحكم الأمر الواقع، والتأكيد على عدم تغيير هذه الترتيبات بالقوة.
من النقاط الأساسية أيضاً التى حملها مشروع ترامب، وهذه كانت من النقاط المطروحة سابقاً: عدم انضمام أوكرانيا إلى منظمة حلف شمال الأطلسى (الناتو) وعدم نشر قوات للحلف فى أوكرانيا مع الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى، (بالطبع عندما تستوفى شروط الانضمام).
ولا بد من الإشارة إلى أن مشروع هذه التسوية كان نتيجة حوار أو مفاوضات دامت ثلاثة أيام في نهاية الشهر الماضى بين مستشار الرئيس الأمريكى ستيف ويتكوف وصهره جاريد كوشنر من جهة واحدة، والمستشار الخاص للرئيس فلاديمير بوتين، كيريل دميترييف من جهة أخرى فى ميامى.
صفقة المقترح التوافقى لاقت انتقادات عديدة من وجوه معروفة وبارزة فى المؤسسة السياسية الأمريكية.
وذهبت بعض هذه الانتقادات للقول إن مبادرة التسوية هى فى حقيقة الأمر مشروع روسى يحمله الرئيس الأمريكى.
يندرج ذلك بالطبع كرد طبيعى على ما أشرنا إليه فى البداية بدبلوماسية الصدمات الترامبية والتى تعكس الأولويات كما يراها المقيم فى البيت الأبيض.
بالطبع هنالك انتظار للقاء قمة أمريكية ــ أوكرانية يجرى التحضير لها برغم الصدمة التى شابت الموقف الأوكرانى، ولو بقى مقيدًا حتى الآن حفاظًا على المصلحة الكبرى فى عدم قطع حبل العلاقات مع الحليف الاستراتيجى.
البعض يرى أن ما ذهب إليه المشروع الأمريكى من حيث «الهدايا» التى قُدّمت لموسكو قد يشكل مادة لجذب بوتين للتفاوض من جهة وكييف من جهة أخرى من خلال رفع الثمن التى على الأخيرة دفعه إذا استمرت فى موقف متعنت ورافض للتفاوض مراهنة على دعم غربى منهك لأوروبا حتى ولو أرادت الأخيرة توفيره ولكنها غير قادرة على الاستمرار فيه
الرد الأوروبى كان متوقعاً فى تفاجئه وصدمته بالموقف الأمريكى الذى اعتبر بمثابة تهديد لمصالح أوروبا والحلف الأطلسى، ودفع ذلك إلى عقد قمة أوروبية من الدول المشاركة على هامش «قمة العشرين» في جوهانسبورغ للتشاور والرد الدبلوماسى على الموقف الأمريكى باعتبار «أن هنالك عناصر أساسية فى المقترح الأمريكى تقع ضمن مسئولية الاتحاد الأوروبى».
خسارة أوكرانيا ستُغير وجه أوروبا، كما يرى أكثر من مسئول أوروبى.
ولكن حرب أوكرانيا التى تبدو أنها مفتوحة فى الزمان صارت حرباً منهكة لأوروبا وتستنزف طاقاتها فى مختلف المجالات فى وقت تعيش فيه القارة القديمة أزمات اقتصادية وسياسية متعددة ومتشابكة ومختلفة القوة حسب وضع كل بلد أوروبى.
خلاصة الأمر أن المقترح الأمريكى أعاد أولوية المفاوضات إلى الطاولة مجددًا كبديل عن الاستمرار فى حرب الاستنزاف المكلفة والحاملة لكل احتمالات التصعيد والمجهولة النتائج والتداعيات القريبة والبعيدة على أوروبا، بشكل خاص، وعلى التوازنات فى «المسرح» الاستراتيجى الأوروبى.
البعض يرى أن ما ذهب إليه المشروع الأمريكى من حيث «الهدايا» التى قُدّمت لموسكو قد يشكل مادة لجذب بوتين للتفاوض من جهة وكييف من جهة أخرى من خلال رفع الثمن التى على الأخيرة دفعه إذا استمرت فى موقف متعنت ورافض للتفاوض مراهنة على دعم غربى منهك لأوروبا حتى ولو أرادت الأخيرة توفيره ولكنها غير قادرة على الاستمرار فيه وبخاصة إذا ما تباطأ أو تراجع الدعم الأمريكى موقفاً وموجبات مادية.
إنه مشروع لإعادة إحياء المفاوضات المطلوبة بين الطرفين عبر سياسة العصا والجزرة، وهى مفاوضات تفتح الباب للتوصل إلى تسويات ليس بالأمر السهل الوصول إليها ولكنها ممكنة إذا جاءت ضمن سلة متكاملة ومتوازنة تأتى نتيجة مسار تفاوضى تسووي. مسار يكون البديل الفعلى والواقعى الوحيد عن حرب مكلفة ومتوحشة فى الزمان كما أشرنا وربما فى المكان أيضاً كما صرنا نسمع أو نقرأ عن سيناريوهات تصعيدية توسعية غير مستبعدة يمكن انزلاق الحرب المستمرة إليها.
(*) بالتزامن مع “الشروق“
