خلاصات الحرب الإسرائيلية الإيرانية.. والدرع الإقليمي المطلوب!

مرةً أخرى نقع في خطأ الخلط بين النتيجة والسبب. نقع واعين، غير آسفين ولا معتذرين، حجتُنا أن المرحلة محل البحث أو الرأي لا تتحمل ضغطاً آخرَ ولو كان عاطفياً أو إنسانياً.

لم يستشرنا أحد، أقصد يستشير بلدي وبني قومي. فجأة وجدنا أنفسنا نتصرف تصرفات المجبر على المشاركة في صنع هذا المستقبل الذي هو من ابتكارهم، ابتكار أصحاب الأسطورة والخيال والقوة، أيها أقوى. هي أيضا تصرفات المجبر على المساهمة في خنق الحاضر ومن شواهده بقايا من النظام الإقليمي العربي المزود بقومية عربية وتجارب عمل إقليمي استمر غير ثابت الخطوات لمدة تزيد عن ثمانين عاماً.

***

المرحلة، أقصد بها الفترات الأخيرة في حياة منظومة الانحدار؛ هذا الانحدار الذي لم يفلت منه في الفترة الأخيرة طرف أو آخر من أطراف الصراع الدائر في الشرق الأوسط. لهذه المرحلة أسبابها وعلاماتها التي تُميّزها عن كل المراحل التي مرّ بها الإقليم. يُميّزها بشكل خاص عمق ما سوف تخلفه من آثار.

أتحدث هنا عن تدهور، بمعنى تفاقم حال، الانحدار في الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية. كثيرة هي المظاهر والآثار على امتداد نصف قرن أو ما يزيد. لن ننساق وراء مذاهب في نظرية العلاقات الدولية تفسر الاهتمام بانحدار الغرب باعتبار أنه نقيض الصعود الصيني. قد يكون، ولكن يجب أن نفسره، كما فسر المؤرخون انحدار امبراطوريات في الغرب والشرق باعتباره مرحلة حتمية في دورة صعود وانحدار وتفسخ لدوافع ذاتية وحقيقية.

لم أجد نفسي معترضاً بشدة على الرأي الشائع في الإعلام الغربي قبل غيره والقائل بأن حال الولايات المتحدة الراهنة، وأقصد معظم سلوكياتها الداخلية والخارجية تنبئ بانحدار ربما كان غير مسبوق في صورتها الدولية. لا أستطيع إلا أن أنتقد وبشدة الكثير من المواقف والسياسات الخارجية الأمريكية، ولكني أختار بوجه خاص، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أسلوب صنع القرارات في وجود صحفيين وإعلاميين وكاميرات التصوير. أنتقد، أيضاً، وكثيرون غيري، الاستغراق في حب الذات والاعتماد على سياسيين مخلصين للرئيس شخصياً لإدارة دواليب الحكم وأكثرهم بخبرة وتجارب قليلة. ننتقد كذلك وينتقدون التقلب في المواقف والكره الشديد لزعماء دول الغرب والنظرة الدونية لكافة حكام عالم الجنوب.

نتوقع حملات إحراج ومصالحة ومصاهرة وحملات “دينية” تقارب بين بعض الممارسات والنصوص كما حدث مع كنيسة روما، كلها وغيرها يستفيد من حال سلوكيات معظم دول المنطقة خلال حرب الأيام الـ12؛ حملات تنتهي بوضع إقليمي يستطيع معه الرئيس الأمريكي وحواريوه الاستناد عليه للضغط على منظمي جائزة نوبل لتكون من نصيبه، بينما سيكون المستفيد الفعلي دولة إسرائيل

أعرف أن الأسلوب المسرحي في إدارة شئون الدولة وبخاصة شئونها الخارجية أثمر استهانة واضحة بأداء أمريكا. أذكر مثلاً الدعوة الرئاسية إلى شعب طهران لإخلائها، أو فرحة الرئيس الأمريكي المبالغ فيها بالأموال التي حصل عليها من دول في الجنوب وصمت الأجهزة التشريعية والرقابية إزاءها، أذكر أيضاً سقوط هيبة المكتب البيضاوي، رمز الهيمنة الإمبراطورية، وبخاصة بعد أن صار ساحة لمهرج يتراقص فيها ويداعب ابنه ويتدخل للإضرار بمصالح دولة جنوب إفريقيا. هذا الأداء الذي أفرز، أو ساهم مع غيره من أسباب انحدار الغرب بصفة عامة وأمريكا بصفة خاصة في إفراز، فوضى دولية، استثمرها مغامرون في الشرق الأوسط وإفريقيا، أفرز أيضا تراخياً، وفي معظم الأحيان شللاً، في معظم مؤسسات الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية مثل جامعة الدول العربية.

***

أعود لأوجز مجمل تصوري لحالنا وحال المنطقة في اليوم السابق على إعلان قيام شرق أوسط جديد.

انتهت حرب الاثني عشر يوماً بين إيران وإسرائيل مخلفة علامات واضحة لحال الدولتين والنظام الإقليمي. بعض هذه العلامات كانت من صنع دولة عظمى تعاني من أسباب انحدار.. ومن صنع الفاعلين الأساسيين وأقصد كلاً من إيران وإسرائيل ومن صنع صمت أو غياب أكثر أو أهم اللاعبين في منظومة العمل العربي.

أولاً؛ الأهم في صورة الحال الدولية والإقليمية على ضوء الحرب وما تخللها وأعقبها هو تفاقم الأخطار الناتجة عن استمرار حال الانحدار في القوة الكلية لأمريكا فضلاً عن وجود رئيس لها بصفات غير عادية في إدارة الأزمات والحرب. أضرب مثلاً بإعلان هذا الرئيس الطلب إلى سكان طهران إخلاء العاصمة، وفي خلفية هذا الإعلان خبر مسرب يفيد بأن الهدف من الحرب إسقاط النظام الحاكم في إيران. أضرب مثلاً ثانياً لا يقل أهمية وهو إصرار هذا الرئيس على أن يتعامل مع رؤساء دول أخرى بسخرية وإهانة مقززة أثارت التوتر في معظم عواصم العالم وبخاصة العواصم العربية. أضرب مثلاً ثالثاً وهو اقتباس النظام الأمريكي لنظام الجزية من النظام الإمبراطوري الإسلامي لتطبيقه بشكل مختلف قليلاً على دول في أوروبا والشرق الأوسط، إلى حد أن تحليلاً أو أكثر في صحافة الغرب وصف حال بعض هؤلاء الحكام بالمثير للشفقة.

على كل حال لم تحصل أمريكا نظير تدخلها سواء بالتنسيق مع إسرائيل أو بالقصف الفعلي والأعنف لمواقع التخصيب الإيرانية على سلام من أي نوع بين المتحاربين الأصليين. بل وفي الإمكان أن نحكم على العمل العسكري الأمريكي ضد إيران بالفشل مثله مثل الفشل الأمريكي المشهود في حربيها ضد فيتنام وأفغانستان. الأسوأ من هذا الاحتمال أن تكون أمريكا سمحت لإسرائيل حليفتها بأن تجرها جراً نحو حرب لا تخصها مباشرة، وكان من بين الاحتمالات المرعبة أن ينتهي الأمر بحرب عالمية. لم يتحقق هذا الاحتمال بالنظر إلى أن الصين لم تزل غير مؤهلة أو جاهزة داخلياً وأن الأوضاع الدولية تراها تتطور لتصير في مصلحتها من دون اللجوء إلى حرب.

إقرأ على موقع 180  حرب أوكرانيا.. نقترب من الشتاء النووي أم الخيار الصفري؟

***

ثانياً؛ استقر في تعليقات غربية أن إسرائيل خرجت من هذه الحرب منهزمة. المثير في الأمر والمتعلق بحال دول الشرق الأوسط في اليوم السابق على إعلان الشرق الأوسط الجديد هو أن الإعلام العربي في مجمله لم يهتم عن عمد بترسيخ هذه الحقيقة في الوعي العربي. لذلك لم يكن مفاجئاً لنا الإعلان مبكراً جداً عن خطة سلام شاملة تعتمد القصة الإبراهيمية تغطية وعقيدة وجوهراً لها. خطة تتجاوز التدرج في المجال العربي إلى الانطلاق نحو جميع دول الشرق الأوسط الجديد. أتصور أن كلا الدولتين، الأعظم دولياً والأعظم إقليمياً قررتا اقتحام الإقليم عسكرياً وسياسياً واقتصادياً بذريعة حاجة دول الشرق الأوسط، كما كشفت الحرب بين إيران وإسرائيل، حاجة المنطقة إلى “درع” يحميها من بعضها البعض. هذا الدرع، في نظر أصحاب هذا الرأي، توفره العقيدة الإبراهيمية بدليل المواقف الكاشفة التي مارستها وبإصرار الدول العربية وتركيا خلال الهجوم الشامل على إيران من جانب إسرائيل والولايات المتحدة.

نتوقع بالتالي، حملات إحراج وحملات مصالحة وحملات مصاهرة وحملات “دينية” تقارب بين بعض الممارسات والنصوص كما حدث مع كنيسة روما، كلها وغيرها يستفيد من حال سلوكيات معظم دول المنطقة خلال حرب الأيام الـ12؛ حملات تنتهي بوضع إقليمي يستطيع معه الرئيس الأمريكي وحواريوه الاستناد عليه للضغط على منظمي جائزة نوبل لتكون من نصيبه، بينما سيكون المستفيد الفعلي دولة إسرائيل التي ستتوج في اليوم التالي لحرب الإثني عشر يوماً قائدة للشرق الأوسط الجديد ومهيمنة عليه.

يقال إن في الأمر عقدة تحتاج أولاً إلى حل. لن نصل إلى اليوم التالي لحرب إسرائيل ضد إيران قبل أن تشرق شمس اليوم التالي لحرب إسرائيل ضد غزة والضفة. بمعنى آخر، هناك من ينتظر أن تتحول معظم دول الإقليم من موقف القوى السلبية إلى موقف القوى الإيجابية.

Print Friendly, PDF & Email
جميل مطر

دبلوماسي مصري سابق، كاتب متخصص في القضايا الدولية

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  بريطانيا في اليمن.. تاجر سلاح