بالأمس كان الغد، وكانت سبقته أمسيات الأمس تباعاً، فتكاثر الغد المأفول برجع زمني كنقطة صفر. كنقطة بداية يعوزها الامتداد.
من خلال تقارير النشريات الرباعية للدفاع التي تصدر عن مراكز صنع القرار الأميركية والتي تُعتبر من أهم الوثائق الرسمية، عَمَدَ مؤلف الكتاب بين أيدينا "المستقبل الأمني للقوة الأميركية في أفق عام 2025"(*) إلى تحليل محتوى هذه النشريات للأعوام 2006 و2010 و2014 بغية إستقراء التغيرات والتحولات في البيئة الأمنية الأميركية في محاور أساسية هي: إستراتيجية الدفاع، محددات حجم القوات التقليدية، بنية القوة خلال العشرية المقبلة من تاريخ إصدار كل تقرير للسنوات المشار إليها أعلاه.
"الوضع الاستراتيجي الراهن في سوريا وانعكاساته على أمن إسرائيل ومصالحها" عنوان كتاب هو السابع في سلسلة "قضايا استراتيجية: وجهات نظر إسرائيلية"، الصادرة عن مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت. يعالج الكتاب وجهة نظرة إسرائيل إزاء المتغيرات الأمنية والإستراتيجية في سوريا، بأقلام عدد من كبار الباحثين في معاهدها الإستراتيجية وصحفها، بالنظر إلى إنعكاس هذه المتغيرات على أمنها ومصالحها.
عندما قدّم أنور السادات تنازلات عسكرية كبيرة وغير ضرورية في مفاوضات فك الاشتباك مع إسرائيل إثر حرب 1973، بكى اللواء عبد الغني الجمسي (رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة خلال حرب 1973 ورئيس الأركان في 12 كانون الاول/ ديسمبر 73، أي إثر انتهاء الحرب بأسابيع عدة)، أما رئيس أركان الجيش المصري في أثناء الحرب اللواء سعد الدين الشاذلي، فقد عاش صراعاً نفسياً عنيفاً إذا ما كَتَمَ أمرَ كذب السادات على القيادة السورية، فقرّرَ "قول كلمة حق لوجه الله والوطن"..
ثمة مقاربة قد يخلص إليها قارىء كتاب "المتاهة اللبنانية – سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان (1918-1958"- تأليف رؤوفين أرليخ ، تعريب محمد بدير( 871 صفحة )، وهي تتعلق بالبنية الأخلاقية وما تنتجه من سلوكيات لطبقة سياسية لبنانية تُعلي ما من شأنه تقديم الخدمات للأجنبي، أياً كان، على مذبح المناصب، مهما كان الثمن. ثمة مقاربات أخرى تدفع بالأسئلة إلى نهاياتها: أليس بين مجموعة عوامل رَفدَت الحركة الصهيونية لتحقيق حلمها بإقامة كيان إسرائيل، ذلك التشوُّه الأخلاقي المريع لمعظم "قادتِنا" في لبنان والوطن العربي؟ ثم ماذا لو أن مقاومة كالتي نشأت في لبنان كانت لتكون موجودة قبالة الحركة الصهيونية منذ بداياتها، فهل كانت لتكون إسرائيل موجودة أصلاً؟ في الكتاب، ما يثير العجب لهذا الكم الهائل من الأسماء حاملة الألقاب، العابرة للطوائف، شاءت لها الصدفة - أو غير الصدفة - أن تكون هي الطبقة السياسية الحاكمة. أسماء تساوت بخنوعها وبثقافة التشاطر وبالكرامة المسلوبة من أجساد تتحرك بالأمر والطاعة للتنفيذ وبكيدية تثير الغثيان. أوري لوبراني، وهو منسق أنشطة الإحتلال الإسرائيلي في لبنان بعد العام 1982، في تقديمه لكتاب "المتاهة اللبنانية" يقول أنه "منذ تحوله إلى دولة سيادية يجلس لبنان على موائد الغير"!(ص12)، أما مترجم الكتاب الصحافي اللبناني محمد بدير فيقول كان رؤوفين أرليخ محقاً في تحليله لسهولة العمل في الوسط الطائفي اللبناني بإشارته إلى أن المصالح الإقتصادية "تتقدم على الأيديولوجية في المجتمع اللبناني ويمكن الحصول بسهولة على حلفاء في لبنان مقابل دفع الثمن" (ص 8). يوثق كتاب "المتاهة اللبنانية" (بلا دار نشر) بالأسماء والتواريخ والأدلة والوثائق المكتوبة والمصورة، ما قالته ألسنة هذا "المسؤول" اللبناني أو ذاك ممن تواصلت معهم الحركة الصهيونية عبر مؤسسة الوكالة اليهودية قبل قيام كيان إسرائيل وبعد حلول النكبة بالشعب الفلسطيني والعرب عموماً! يتضمن الكتاب ثلاثة أجزاء، وينضوي تحت كل جزء عدد من الفصول الرئيسة وتحتها عناوين فرعية. أما في المقدمة، فقد ذكر المؤلف: "يبحث هذا الكتاب سياسة الحركة الصهيونية ودولة إسرائيل تجاه لبنان على امتداد 40 عاماً بين عامي 1918 و 1958. خلال هذه السنوات، (...) تبلورت وسط القيادة الصهيونية والإسرائيلية تصورات أساسية تتعلق بالسياسة تجاه لبنان، كما تم تحديد الأهداف والمصالح الرئيسية في لبنان"، (ص 15)، ليصل إلى خلاصة بشأن إحتلال إسرائيل للبنان ( 1978 ثم 1982) بالقول إنه إحتلال "لا تزال تجد صعوبة في التخلص منه حتى يومنا هذا"، (ص 655).