ما حدث في سوريا ربحٌ صافٍ لرجب طيب أردوغان. مشاهد عودة السوريين من تركيا إلى وطنهم بعد "فتحها المبين"، تعطي الرئيس التركي دفعًا معنويًا وسياسيًا كبيرًا داخل أسوار تركيا وكذلك خارجها.
ما حدث في سوريا ربحٌ صافٍ لرجب طيب أردوغان. مشاهد عودة السوريين من تركيا إلى وطنهم بعد "فتحها المبين"، تعطي الرئيس التركي دفعًا معنويًا وسياسيًا كبيرًا داخل أسوار تركيا وكذلك خارجها.
في أعقاب الإطباق المذهل والسريع على السلطة في سوريا على يد تحالف من الإسلاميين بقيادة "جبهة تحرير الشام" والإعلان عن تعيين رئيس حكومة انتقالية، كثُرت أسئلة المحللين والخبراء والصحافيين، لكن بدل الانشغال في تفاصيل هذا الحدث، ربما يجدر بنا التوقف عند الدلالات العميقة لهذا التحول على مختلف الأصعدة. كما ينبغي التحلي بالجرأة لمحاولة استشراف ما قد يحمله المستقبل لسوريا والمنطقة.
بعد 54 عاماً من إمساكه بالسلطة، سقط حكم حزب البعث في سوريا، في غضون عشرة أيام، ومن دون أية مقاومة، وذلك تتويجاً لمسار دشّنته المجموعات السورية المسلحة فور دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في لبنان فجر 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.
تسارعت الأحداث بشكلٍ كبير في سوريا بعد لحظات من إعلان وقف إطلاق النار المؤقت في لبنان. لقد انطلقت عملية عسكرية كبيرة من الشمال أدّت إلى سقوط حلب، عاصمة سوريا الثانية خلال يومين، دون قتالٍ كبير. تلتها سريعاً حماة. وفي حين حصلت مواجهة في حمص، انطلقت عمليّة أخرى من الجنوب وصلت إلى دمشق. كي يتمّ الإعلان بعد ساعات عن سقوط حمص ومن ثمّ فرار بشار الأسد إلى موسكو.
التبدل الاستراتيجي السريع في سوريا يخلق تبدلاً في السياسة والأدوار. ما كان يصح قبل التقدم المذهل لـ"هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً قبل فك ارتباطها بتنظيم "القاعدة" في 2016) وفصائل أخرى ترعاها تركيا، وصولاً إلى إمساكها بالسلطة، لم يعد يصح بعده.
في أيار/مايو من العام الجاري، تسرّبت وثائق من مكتب بنيامين نتنياهو تكشف النقاب عن تصوّر هذا الأخير لمستقبل غزة: "خطة غزة 2035.. من الأزمة إلى الإزدهار". بعد حوالي ثلاثة أشهر، أي في آب/أغسطس، صادق نتنياهو على مضمون ما تمّ تسريبه في مقابلة أجرتها معه مجلة "التايم" الأميركية.
بعد هدوء استمر نحو أربعة أعوام، يؤكد الهجوم المفاجىء الذي شنته "هيئة تحرير الشام" ("جبهة النصرة" سابقاً) وفصائل من المعارضة السورية الموالية لتركيا في محافظتي حلب وإدلب السوريتين، أن ثمة لاعبين داخليين وإقليميين يريدون الاستثمار في التحولات التي أفرزتها الحرب الإسرائيلية على لبنان، والضربات التي تعرض لها "حزب الله" ومن خلفه إيران في الشهرين الماضيين.
هو سباق مكشوف بالنار والدماء والدموع والتدمير يُطلق صافرته المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، فيما يحاول الجانبان اللبناني والإسرائيلي ممارسة لعبة لي الأذرعة في ربع الساعة الأخير، قبيل التوصل إلى وقف النار بين لبنان وإسرائيل.
تتصاعد وتيرة التصريحات حول التصعيد العسكري المحتمل في مناطق شمال غرب سوريا مع استمرار الغارات والهجمات، وسط حالة من القلق على مصير الهدوء النسبي الذي حقّقته التفاهمات الدولية في سوتشي ومحادثات أستانا.
مع نجاح دونالد ترامب الساحق في العودة إلى رئاسة الولايات المتحدة بعد غياب أربعة أعوام، بدأت رهانات كل الفواعل الدولية والإقليمية في منطقة غربي آسيا بإعادة ترتيب أوراقها وطموحاتها من جديد فيما يتعلق بالمستقبل السياسي لسوريا، في سباق مع الزمن قبل أن يتضح الشكل والمضمون للسياسات التي سيتبعها فريق الرئيس الأميركي المتجدد والجديد، الأمر الذي يدفع إلى استشراف المسار السوري العام من حيث المكاسب والمخاطر المحتملة في محاولة لاستكناه التغييرات المحتملة.