الخليج، مصر، تركيا.. أبرز الخاسرين من شرق أوسط نتنياهو!

دأب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على تكرار، أن الحرب التي يشنها على غزة منذ نحو عامين، لن تنتهي في غزة، وإنما ستنتهي فقط "بتغيير الشرق الأوسط" بكامله. وهذا بحسب زعمه، السبيل الوحيد لمنع تعرض إسرائيل مجدداً لهجوم مماثل لهجوم "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023. 

قرار إسرائيل باستهداف قيادات “حماس” في الدوحة في 9 أيلول/سبتمبر الجاري، هو وليد هذه الحسابات التي طمرت كل الخطوط الحمر التقليدية؛ الخطوط المتعارف عليها قبل 7 أكتوبر. ومن هذا المنظور، لا تكفي حرب الـ12 يوماً على إيران في 13 حزيران/يونيو الماضي، والتلويح بحرب أخرى، لإحداث التغيير الاستراتيجي المنشود إسرائيلياً.

أحدثت الغارة الإسرائيلية في مكان يبعد أقل من 30 ميلاً عن قاعدة القيادة المركزية الأميركية في الشرق الأوسط في العديد، صدمة ليس في قطر وحدها، بل في كل دول مجلس التعاون الخليجي التي طاولتها الشظايا، على رغم أن بعضاً من هذه الدول كانت لديها تحفظات على استقبال الدوحة لقياديي “حماس”، قبل السابع من أكتوبر وبعده.

لكن الهجوم الإسرائيلي مسّ بكامل منطقة الخليج، التي تعتبر واحة للاستقرار وجاذباً للاستثمارات من كبريات الشركات العالمية، من الغرب والشرق. وتبلغ صناديق الثروة السياسة لدول مجلس التعاون 4 تريليونات دولار، وهي الأولى عالمياً في انتاج النفط. وعلى رغم العلاقة الاستراتيجية، تجارياً وأمنياً مع أميركا، فإن الدول الخليجية أقامت في السنوات الأخيرة شراكات اقتصادية مهمة مع الصين وروسيا.

ترامب وقطر.. خيبة وأزمة ثقة

والصدمة الأكبر، هي في أن الهجوم على قطر، أتى بعد أشهر فقط على زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الدوحة من ضمن جولة خليجية إلى جانب السعودية ودولة الإمارات. في تلك الزيارة، أكد الرئيس الأميركي على العلاقة الاستراتيجية مع قطر الحليف للولايات المتحدة من خارج “الناتو”، أي في وضعية مشابهة لوضعية إسرائيل.

تأكيدات ترامب بوقوف أميركا إلى جانب قطر في حال تعرضها لاعتداء، كان المقصود به الدفاع عن هذه الدولة الخليجية في مواجهة أي هجوم إيراني على غرار ما حصل في 24 حزيران/يونيو الماضي، عندما أبلغت طهران أميركا والدوحة باعتزامها قصف قاعدة العديد قبل ساعات من وقف النار يومذاك. ولم يقصد ترامب وقتذاك حماية قطر في حال تعرضها لغارات إسرائيلية. وهذا سر خيبة الأمل القطرية والخليجية عموماً، بعدما أطفأت القوات الأميركية رادارتها لحظة الاستهداف الإسرائيلي.

لم يعد مهماً هنا، ما إذا كان ترامب على علم بالضربة مسبقاً أم علم بها وقت حدوثها أو بأنه طلب من مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف إبلاغ الدوحة بها بعد فوات الأوان. السؤال المثار الآن، هو أن أميركا لم تقم بدور الحامي لقطر، على رغم أن ترامب عاد من زيارته لها بصفقة تجارية ضخمة هي الأعلى في تاريخ شركة “بوينغ” وباستثمار 1.2 مليار دولار في الولايات المتحدة، وبطائرة ركاب رئاسية فخمة، هدية في مناسبة الزيارة.

وما جعل الأمور تسوء أكثر، هو أنه لم تمضِ ساعات على تعهد ترامب لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، بأن ما حدث “لن يتكرر”، حتى أطلق نتنياهو تهديداً جديداً خيّر فيه السلطات القطرية بين التحرك ضد قياديي “حماس” الموجودين على أراضيها أو بأن إسرائيل ستفعل ذلك.

وعود ترامب الذهبية.. تتلاشى

لم يقضِ نتنياهو على اقتراح ترامب الأخير للتهدئة في غزة، وإنما ألحق ضرراً بكل الجهود الأميركية، التي كانت تنصب على توسيع اتفاقات أبراهام لتشمل السعودية وسوريا ولبنان وأذربيجان، وعلى تأسيس تحالف إقليمي يقف سداً منيعاً في مواجهة إيران.

والمؤكد أن آمال ترامب أصيبت بمقتل في الشرق الأوسط، على غرار ما أصيبت بمقتل في أوكرانيا بعد إخفاق جهوده لوقف النار بين روسيا وأوكرانيا وزيادة احتمالات دخول “الناتو” في الحرب، عقب اختراق مسيّرات روسية الأجواء البولندية في وقت سابق من الأسبوع، بينما التأييد الداخلي للرئيس الجمهوري في تراجع مستمر بسبب انعكاسات سلبية لحروبه التجارية، في وقت يشتد العنف السياسي في الداخل، وهو الأمر الذي ترجم في اغتيال الزعيم اليميني المتطرف تشارلي كيرك برصاصة قناص خلال القائه محاضرة في جامعة يوتاه قبل أيام. كيرك هذا كان بمثابة “نبي” للجيل الشاب المؤمن بتفوق العرق الأبيض، واضطلع بدور كبير في تجيير أصوات هؤلاء لترامب في انتخابات 2024.

من الدوحة إلى وارسو ويوتاه، مرّ ترامب بأسبوع عصيب، كانت سياساته الخارجية والتجارية والإيديولوجية تنهار من حوله، على رغم مضي تسعة أشهر على عودته إلى البيت الأبيض، والوعود البرّاقة التي قطعها بإدخال أميركا في العصر الذهبي.

خيبة الأمل برد الفعل الأميركي، لا تعني أن دول الخليج ستتحول عن تحالفها مع الولايات المتحدة، لكن ثمة الكثير من التساؤلات التي يطرحها قادة مجلس التعاون، حول المدى الذي يمكن أن يذهب إليه نتنياهو في فرض نفسه شرطياً للإقليم، يضرب ساعة يشاء في أي مكان يشاء، من دون رادع أو وازع، بينما ترامب يؤكد أنه لم يعترض على الهدف الذي كانت تسعى إليه إسرائيل في الدوحة، وإنما اعترض على المكان فقط.

إقرأ على موقع 180  في وداع حاتم عليّ.. أحلام لم تعشْ طويلاً

جاء دور قطر.. من التالي؟

حتى الحرب الإسرائيلية على إيران في حزيران/يونيو والتي انضمت إليها الولايات المتحدة، جعلت دول الخليج تتساءل عن مستقبل الشرق الأوسط في ظل إصرار نتنياهو على مواصلة حرب غزة وتوسيعها إلى دول أخرى، وتأكيده على بسط السيادة الإسرائيلية على أجواء المنطقة، وشنه الغارات على نحو يومي في لبنان وسوريا وعلى الحوثيين في اليمن.

ويقول المدير في “معهد اتفاقات أبراهام للسلام” بإسرائيل آشر فريدمان لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية أنه ثمة قلق في دول المنطقة، من أن إسرائيل “صارت قوية جداً عسكرياً وغير مسيطر عليها، وتالياً هناك خشية من أن يؤدي ذلك إلى مزيد من الاشتعالات والإضطرابات الإقليمية”.

ها هو الدور يأتي على قطر، على رغم أن “حماس” موجودة هناك بعلم إسرائيل والولايات المتحدة، وهي تقوم بدور الوسيط في المفاوضات غير المباشرة للتوصل إلى وقف للنار في غزة. وكانت أميركا تعلم بوجود مكتب لـ”طالبان” في الدوحة حتى في ذروة حرب أفغانستان. وسبق للدوحة أن استضافت المعارضة الشيشانية بعد سيطرة موسكو على الشيشان في آواخر التسعينيات الماضية. كل ذلك، يجري قريباً من قاعدة العديد، وليس من وراء ظهر أميركا.

ماذا بعد طهران والدوحة؟ 

ليس ثمة مؤشرات، تشي بأن نتنياهو سيتوقف.. والعيون شاخصة إلى مصر وتركيا. وعلى ذمة شبكة “سي. إن. إن” الأميركية للتلفزيون، فإن القاهرة وجّهت رسالة لواشنطن تضمنت تحذيراً لإسرائيل من “عواقب وخيمة” في حال تعرضت أراضيها لهجوم إسرائيلي تحت أي عنوان كان.

خلفية التوتر مع مصر، لا تتعلق مباشرة بلعب القاهرة دور الوساطة في وقف النار في غزة، بل تعود إلى رفض مصر نقل سكان غزة إلى أراضيها. ولوّح نتنياهو باحتمال إلغاء اتفاقية الغاز مع مصر، في حال لم تفتح مصر حدودها مع القطاع، وهدّد أيضاً بفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني، في وقت يدفع الجيش الإسرائيلي بمليون نازح من مدينة غزة جنوباً، تمهيداً لاحتلال المدينة.

والظاهر، أن عملية تغيير الشرق الأوسط الجارية حالياً، ستنجز ولو على حساب معاهدة كامب ديفيد مع مصر. ولم يكن محض صدفة ذاك التقارب الناشىء بين مصر وإيران، والذي تُوّج بوساطة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل أيام، وباستقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي ضيفه وزير خارجية إيران عباس عراقجي.

مصر، كما دول الخليج كما إيران، هي أطراف خاسرة في سياق الحروب الأبدية التي يخوضها نتنياهو، لتغيير خريطة المنطقة.

أيضاَ، ها هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي ظنّ أن نجاحه في تغيير النظام السوري سيجعله زعيماً للإقليم بلا منازع، يجد أن إسرائيل تسعى لتحجيم دوره في سوريا والإقليم. ولا يمانع نتنياهو في التعاون العسكري والأمني بين أنقرة والسلطات الجديدة في دمشق، شرط أن يبقى هذا التعاون محصوراً بالشمال السوري، وألا يتعداه إلى الوسط ودمشق والجنوب. وحتى المفاوضات الدورية التي تجري بين الجانبين السوري والإسرائيلي، تتركز على جعل الجنوب منطقة خالية من الجيش السوري ومن الأسلحة الثقيلة، وتقترح فتح “ممر إنساني” من إسرائيل إلى السويداء.

والتسريبات الإسرائيلية تتحدث عن أن إسرائيل كانت تخطط لاستهداف قيادة “حماس” في تركيا، قبل غارة الدوحة. وكما لا تشكل معاهدة كامب ديفيد ضمانة لمصر، لا تشكل عضوية أنقرة في “الناتو” وعلاقاتها الوطيدة مع أميركا، أي ضمانة بعدم مهاجمة نتنياهو للأراضي التركية.

“إسرائيل الكبرى”.. ليست مجرد شعار

الخلاصة التي توصلت إليها مجلة “الإيكونوميست” البريطانية، هي أن “إسرائيل الجامحة باتت الآن قوة إقليمية مهيمنة، وأن أميركا لم تعد قادرة على ضمان سلامة” دول الخليج.

وفي استنتاج أكثر خطورة، كتبت صحيفة “الغارديان” البريطانية، أنه “لا يمكن أن يكون الأمر أوضح من ذلك، أن إنهاء المعاناة (في غزة) لا يتوافق مع أهداف نتنياهو، وحلفائه اليمينيين المتطرفين الذين تعتمد عليهم حكومته. ولكن في مواجهة مثل هذا التعنت والازدراء ــ والأدلة المتزايدة التي تشير إلى أن هذه الأهداف تشمل إنشاء “إسرائيل الكبرى”، التي تمتد إلى ما هو أبعد من حدود عام 1967 ــ فإن رد الغرب جبان وغير كاف، إلى حد مؤلم”.

وتنقل صحيفة “الواشنطن بوست” الأميركية عن مسؤول إسرائيلي، أن الدولة العبرية ليست قلقة من التعرض لرد فعل ديبلوماسي نتيجة قصفها لقطر، معيداً إلى الأذهان أنه بعدما اغتال عملاء “الموساد” العديد من الفلسطينيين في دول أوروبية عقب عملية ميونيخ التي استهدفت رياضيين إسرائيليين خلال الألعاب الأولمبية عام 1972، فإن هذه الدول لم تغيّر علاقاتها بإسرائيل.

Print Friendly, PDF & Email
سميح صعب

كاتب وصحافي، لبنان

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
online free course
إقرأ على موقع 180  تركيا: باباجان يخلط الاوراق.. ويطيح بـ"القواعد"!