
في هذا البلد العظيم الذي اسمه لبنان؛ من «قانون الفجوة» إلى «قانون الانتظام المالي» لم يتغيّر سوى العنوان، فيما المسار الإجرائي نفسه يُعيدنا إلى حيث توقّف طرح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
في هذا البلد العظيم الذي اسمه لبنان؛ من «قانون الفجوة» إلى «قانون الانتظام المالي» لم يتغيّر سوى العنوان، فيما المسار الإجرائي نفسه يُعيدنا إلى حيث توقّف طرح حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
حسناً فعل القاضي الإداري كارل عيراني بإلزامه وزارة المال في 24 تموز/يوليو 2023 بتسليم تقرير التدقيق الجنائي الذي أنجزته شركة "ألفاريز". لولا عيراني، لما انفضحت الخبايا التي وثّقها التقرير وتم رميه في الأدراج بعنوان "سري". ولولاه أيضاً، لما سقط رياض سلامة.. بشراكة مع مدعي عام التمييز بالإنابة القاضي جمال الحجار الذي استدرجه كشاهد فقط لا غير.
أما وقد تم التجديد لمجلس إدارة جمعية المصارف في لبنان، هناك سؤال يوجه إلى عشرات المصرفيين الشرفاء الأكفاء: لماذا تقبلون الاستمرار في هكذا جمعية، وتحت رقابة هكذا بنك مركزي، وفي رئاسة وإدارة هكذا بنوك؟ ماذا تنتظرون لتقديم استقالاتكم لتكون المقدمة الطبيعية لتحرير القطاع المصرفي من أيدي منتحلي صفة مصرفيين وشركائهم من السياسيين وكبار التجار ولتشكلوا النواة الصلبة لإعادة بناء القطاع المصرفي؟
بالأمس، كان لبنان على موعد مع حدث مهم وخطر جداً. ملف التحقيق مع حاكم مصرف لبنان المركزي، رياض سلامة، بدأ يشق طريقه الصحيح نحو القضاء، وذلك بعد طول مماطلة وتسويف من قبل بعض القُضاة المتواطئين وسلطة سياسية كابحة ومانعة لأي تقدّم أو تسهيل لهكذا خطوات.
نقترب من مرور 5 أشهر على توقيع الاتفاق المبدئي مع صندوق النقد الدولي، ولبنان مثتاقل الخطى في تنفيذ الشروط المسبقة الواردة في الاتفاق. ما يشي حتماً بعدم الإلتزام بموعد أيلول/سبتمبر المقبل الذي حدّده الصندوق للنظر في تقييم التقدم الحاصل، والبناء عليه بشأن تقرير أو عدم تقرير الخطوة اللاحقة الخاصة بتحضير الاتفاق النهائي، وبدء صرف قرض 3 مليارات دولار.
يؤجل لبنان ساعة الحقيقة الإقتصادية والمالية والمصرفية منذ سنوات طويلة. أما التأجيل الحرج الفاضح فبدأ منذ 3 سنوات تقريباً، مع الإطلالة الحادة والمفجعة تدريجياً لتداعيات الأزمة اعتباراً من أواخر صيف 2019. بعد 3 سنوات، لا جديد جدياً في ظل مراوحة انتحارية مقصودة، وتحديداً على صعيد الأزمة المصرفية.
منذ أسابيع يتكرر على محطة تلفزيونية إعلان موضوع لجمعية المصارف، فحواه أن المصارف ضرورية للاقتصاد اللبناني. أخطر ما في الإعلان تهديد بأن زوال المصارف، أو انهيارها، فيه زوال للبنان. ما أُهين اللبنانيون بقدر ما تقصّد الإعلان إهانتهم. وقد تجاوزت المصارف حدود التهذيب بفظاظة وقحة واحتقار للمجتمع بأسلوب غير مسبوق.
المال في لبنان، سواء بالدولار أو بالليرة أو بأي عملة أخرى، هو سلعة. تنفرد عن غيرها أنها تودع في المصرف ويصير صاحب الإيداع دائناً والمصرف مديناً. كل الودائع في المصارف سندات ائتمان. يُحتم القانون أن يؤدي المُستدين بموجب سند ائتمان الدين غب الطلب وإلا فإن مصيره السجن فوراً بموجب القانون.
تمخض النقاش المحتدم حول صيغة مشروع القانون المقترح لضبط التحويلات والسحوبات (كابيتال كونترول) في الأيام القليلة الماضية عن خلاصة واحدة: ما من أحد في لبنان يريد سقوط كرة نار الأزمة في حضنه. لا السياسيين، ولا المصرفيين والتجار والمنتجين، ولا المودعين.. ولا أحد!
يبدأ اليوم وفد من صندوق النقد الدولي جولة ثانية من المناقشات مع حكومة نجيب ميقاتي بشأن برنامج إصلاحي مرتبط بقرض إنقاذي من الصندوق. وتطمح الحكومة إلى خطب ود الصندوق هذه المرة للحصول على "إطراء" ما، حتى لو لم يحصل خرق يشكل فرقاً في أي من الملفات الإصلاحية المطروحة.