السودانُ سوريا الثانية. المشروعُ هناكَ هو إسقاطُ الدولةِ والمجتمعِ. تماماً مثلما حصَلَ في سوريا إذْ أُسْقِطَتْ سوريا كلـُّها بشعارِ إسقاطِ بشار الأسد، ووراءَ سوريا تتسارعُ مشاريعُ إسقاطِ لبنان وكلِّ بلادِ الشام والرافديْن.
السودانُ سوريا الثانية. المشروعُ هناكَ هو إسقاطُ الدولةِ والمجتمعِ. تماماً مثلما حصَلَ في سوريا إذْ أُسْقِطَتْ سوريا كلـُّها بشعارِ إسقاطِ بشار الأسد، ووراءَ سوريا تتسارعُ مشاريعُ إسقاطِ لبنان وكلِّ بلادِ الشام والرافديْن.
شهدت الحركة الإسلامية وتنظيماتها السياسية في السودان العديد من الانشقاقات والمسميات منذ تكوينها الباكر في عهد الرشيد طاهر بكر وعلي طالب الله إلى عهد الدكتور حسن الترابي وقيادته للحركة الاسلامية عبر "جبهة الميثاق"، واستقلالها عن تنظيم الإخوان المسلمين في مصر بقيادة حسن البنا وسيد قطب؛ إلى أن تقوقعت الحركة الإسلامية حول نفسها تحت لافتة "الجبهة الإسلامية القومية" استعداداً للانقضاض على الحكومة في عهد الصادق المهدي وهو ما حدث في الثلاثين من يونيو/حزيران 1989.
بعد حوالي الشهرين على الحرب غير المسبوقة في الخرطوم وما تعرض له المواطنون من جرائم قتل، واختطاف، وتعذيب، واغتصاب، وانتهاك للحرمات، ونهب وسرقات، وحصار ونزوح إلى الداخل والخارج بمئات الآلاف إن لم يكن بالملايين، وتدمير معظم المنشآت المدنية ومؤسسات الدولة، فإنه يصعب العثور على شخص واحد من مواطني الخرطوم يرفض تحقيق انتصار حاسم للجيش على قوات الدعم السريع (ق د س) المتمردة سوى القائد العام للجيش نفسه، الفريق أول عبد الفتاح البرهان!
خلال العام الماضي، تركز اهتمام العالم على الحرب الروسية الأوكرانية والتصعيد بين الولايات المتحدة والصين بشأن تايوان؛ وهي نقاط اشتعال من شأنها أن تؤدي إلى مواجهة مباشرة بين القوى الكبرى أو حتى إلى حرب نووية. لكن القتال الدائر في السودان أيضاً حدثٌ من شأنه أن يُشعل موجة حروب مدمرة وحقبة جديدة من عدم الاستقرار والفتن في إفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، بحسب "فورين أفيرز"(*).
اندلعت الحرب في السودان في 15 نيسان/أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية التي يقودها قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي يتولی رئاسة مجلس السيادة الانتقالي؛ و"قوات الدعم السريع" بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو المعروف بـ"حميدتي" الذي يشغل منصب نائب رئيس المجلس المذكور؛ والعنوان الصارخ لهذه الحرب "السلطة" ـ "الثروة" ـ "إسرائيل".
إلى جانب الخصائص المحلية للصراع في السودان، لن يستغرق الوقت كثيراً حتى تبدأ الجوانب الإقليمية والدولية بالظهور، شأنها شأن الحروب السابقة التي مرّ بها هذا البلد وغيره من البلدان، وتأثرت بالخارج وتأثر الخارج بها.
تضع المواجهة بين عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" وحدة السودان ومكانة المناطق الطرفية على المحك.. الصحفية المتخصّصة في العالم العربي وبلدان شرق أفريقيا غوينايال لونوار كتبت تقريراً بالفرنسية في موقع "أوريان 21"، حول مجريات الوضع السوداني، ترجمه الزميل حميد العربي من أسرة الموقع نفسه إلى العربية.
محمد حمدان دقلو، أو "حميدتي" أي (المحبب) وهو لقبه المفضل. عمره دون الخمسين بسنتين، لكنه عمر بحيوات كثيرة: المتشرد، راعي الإبل، تاجر الماشية، المُهرّب، المقاتل، قائد الميليشيا المخيفة، الجنرال، السياسي، الثري، نائب الرئيس، والطامح الآن للقب الرئيس صاحب الثروة الخيالية، أو في أسوأ الأحوال أن يضيف إلى حيواته حياة المعتقل السياسي أو ربما "الشهيد"!
عرف السودان حروباً كثيرة منذ إستقلاله عن بريطانيا عام 1956. لكن الحرب التي تفجرت في 15 نيسان/أبريل الجاري بين الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو "حميدتي"، تختلف إلى حدٍ كبيرٍ عن سابقاتها، شكلاً ومضموناً.. وربما على صعيد النتائج التي ستسفر عنها.
حصل السودانيون على اسم بلادهم من لون بشرتهم وعرفت الأرض التي يقطنونها وامتداداتها من شرق القارة وحتى غربها في كتابات الرحالة والجغرافيين العرب باسم (بلاد السودان). إبان الفترة الاستعمارية كان هناك السودان الفرنسي الذي عرف باسم مالي بعد الاستقلال.. والسودان الإنجليزي المصري الذي هو جمهورية السودان الحالية وجمهورية جنوب السودان الناشئة.