يتردد مؤخراً كلام كثير في بيروت عن تسوية أبرمها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برعاية ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، جوهرها إبتعاد الأول عن العمل السياسي لمصلحة ترتيب أوضاعه الشخصية.
يتردد مؤخراً كلام كثير في بيروت عن تسوية أبرمها زعيم تيار المستقبل سعد الحريري مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برعاية ولي عهد الإمارات محمد بن زايد، جوهرها إبتعاد الأول عن العمل السياسي لمصلحة ترتيب أوضاعه الشخصية.
يدرك اللبنانيون بالحدس واليقين والمعايشة أن نظامهم السياسي هو حاصل الطوائف وفي أساسه العائلات السياسية وورثتها. توريث شمل كل الطوائف، ماضياً وحاضراً، لكن ما شكّل علامة فارقة في الواقع اللبناني سيرة الحريرية، أباً وإبناً. الأول؛ أدخلته السعودية من باب اتفاق الطائف وسِلمه البارد. الثاني؛ نادت به وريثاً على طائفة وولياً للدم.. قبل ان تتركه في العراء!
يقول وزير خارجية لبنان الأسبق فؤاد بطرس في احدى المقابلات التلفزيونية إن أحدهم سأل وزير خارجية دولة خليجية في مطلع الحرب اللبنانية لماذا لا تتدخلون لوضع حد للحرب، فكان جواب الوزير الخليجي ان لبنان مثل شخص مرمي على ارض رخامية مليئة بالصابون فيخاف احد ان يتدخل لرفعه فيسقط الجميع معه وفوقه.
يمكن للمخيلة أن تفتح مداها إلى مستوى الصورة التي تلتقط مشهد اعتقال الرئيس حسان دياب، حين دوهم منزله بناء على مذكرة إحضاره من قبل القاضي طارق بيطار، ومع هذا المشهد، يمكن تخيل رئيس الحكومة السابق مجندلاً ومقيداً بسلاسل الجلب، لكن الصدفة أو الخطة المسبقة، حالت إحداها دون تنفيذ المهمة، فحسان دياب كان طار الى الولايات المتحدة قبل وصول القوة الأمنية إلى منزله.
غريبٌ عجيبٌ أمرُ لبنان، البلد الصغير مساحة والكبير سياسة. بقدرة قادر ووسط كل هذه الفوضى المحلية والإقليمية والدولية، أبصرت حكومة نجيب ميقاتي الثالثة النور.. وهذا هو الأساس. نعم صار للبنان وللبنانيين حكومةٌ.
لا يمكنك أن تفصل المكان عن الناس. المكانُ مُجرداً هو جغرافيا. مجرد هياكل. عندما يحضر الناس يتغير مفهوم المكان. كل حجر له حكاية. كل حكاية تستولد حكايات. يغيب الناس، تغيب الحكاية.
أكتبُ هذه المقالة وأنا أسابق الوقت. إذْ لا يمضي أسبوعٌ علينا بلا ذعرٍ كبير. فلبنان موعود بانهيارٍ وشيك. لا وقت، إذاً، للانشغال بـ"تفاهات". لا وقت لبعثرة الحروف في مواضيع "خفيفة"، على مقياس ريختر للزلازل اللبنانيّة. في مواضيع "لايت"، إذا ما قورنت بتلك التي يُتقِن حُكّامنا اجتراحها. "يُدَوْزنونها"، لتأتي على مستوى الأوجاع المبتغى إثارتها.
من يرصد التطورات الإقليمية منذ وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، حتى يومنا هذا، يستنتج أن الولايات المتحدة تسعى إلى ترميم النظام الإقليمي لإستثماره في سياق إستراتيجي مستقبلي. كيف؟
منذ تاريخ إنفجار مرفأ بيروت في مطلع آب/ أغسطس 2020، إتخذ الإحتفاء بمئوية لبنان الكبير بعداً درامياً. لا شيء على طاولة اللبنانيين إلا مبادرة فرنسية بتغطية دولية وإقليمية يقودها رئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. هل ما زالت فرنسا "الأم الحنون" للبنان وتحديداً للموارنة؟
إنتقل اللبنانيون من حالة الإنكار التاريخية الى حالة الإنفصام بين الطبقة الحاكمة وعامة الناس، وفي داخل كل فرد لبناني وكل طائفة.