![](https://sp-ao.shortpixel.ai/client/q_lossy,ret_img,w_728,h_90/https://180post.com/wp-content/uploads/2019/09/3WhatsApp-Image-2023-01-20-at-09.30.57.jpg)
![نبيل الخوري](https://sp-ao.shortpixel.ai/client/q_lossy,ret_img,w_144,h_144/https://180post.com/wp-content/uploads/2025/02/WhatsApp-Image-2025-02-10-at-15.50.57_22badb34-160x160.jpg)
في ظل الواقع اللبناني وتناقضاته، كان على الحكومات اللبنانية المتعاقبة، منذ اتفاق الطائف (1989)، أن تتكيّف مع وجود المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي التي فرضت نفسها كمكوّن غير رسمي للسياسة الدفاعية. فكيف تجسّد هذا التكيّف في خطابات قسم رؤساء الجمهورية والبيانات الوزارية منذ اتفاق الطائف وحتى عهد الرئيس ميشال عون وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة؟ وإلى أي مدى كانت تضفي طابعاً من الشرعية على المقاومة؟
بعد الطائف.. وقبل التحرير
في خطاب القسم[1]، في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، أكد أول رئيس للجمهورية بعد اتفاق الطائف، الشهيد رينيه معوض، على الطابع الملح لمهمة “إزالة الاحتلال (الإسرائيلي) عن الجنوب، بتنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي”، خصوصاً القرار 425 القاضي بالانسحاب الاسرائيلي الفوري وغير المشروط من الأراضي اللبنانية. بيد أن معوّض لم يأتِ على ذكر مجموعات المقاومة المسلحة ودورها.
بعد استشهاد الرئيس معوض، خلفه الرئيس الياس الهراوي (1989-1998)، الذي شدّد في خطاب القسم[2]، في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1989، على خيار تحرير الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي، لكنه اكتفى بالإشارة إلى أن التحرير يتم “بتطبيق القرار رقم 425 (…) وبإعادة بناء جيش وطني قادر”، من دون أي كلام معلن عن دور للمقاومة. وذلك على عكس البيان الوزاري[3] لأول حكومة في عهد الهراوي، حكومة الرئيس سليم الحص (25 تشرين الثاني/نوفمبر 1989 – 24 كانون الأول/ديسمبر 1990). فهذا البيان أكد أن “الحكومة لن تألو جهداً ولن تدخر وسعاً في العمل على تحرير الأرض من الاحتلال الإسرائيلي في الجنوب والبقاع الغربي بكل الوسائل المتاحة ولا سيما دعم المقاومة الباسلة والإصرار على المطالبة بتنفيذ القرار 425”.
أما الحكومة الثانية في عهد الهراوي، وهي حكومة الرئيس عمر كرامي (24 كانون الأول/ديسمبر 1990 – 16 أيار/مايو 1992) فقد طرحت بياناً وزارياً[4] أكد على أولوية “تحرير جنوبي لبنان والبقاع الغربي من الاحتلال الإسرائيلي، واستعادة سيادة الدولة حتى الحدود اللبنانية المعترف بها دولياً وذلك بالعمل على تنفيذ القرار رقم 425”. هذا البيان الوزاري يتبنى ويُشرّع المقاومة بتأكيده “على حق الشعب اللبناني في المقاومة الوطنية المشروعة استناداً الى شرعة الامم المتحدة”.
الحكومة الثالثة في عهد الهراوي، حكومة الرئيس رشيد الصلح، التي لم تُعمّر إلا لبضعة أشهر (16 أيار/مايو – 31 تشرين الأول/أكتوبر 1992)، حافظت على نفس التوجه العام، وأكدت، في بيانها الوزاري[5]، أنها “ستعمل لتحرير جميع الأراضي اللبنانية من الاحتلال (الإسرائيلي)”، و”تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة”، و”بسط سيادة الدولة على كافة أراضيها، وإكمال نشر الجيش اللبناني حتى الحدود المعترف بها دولياً”، مكتفيةً بالتأكيد على “حق لبنان، حكومةً وشعباً في التصدي للاحتلال، والعمل لتحرير أرضه بكل الوسائل استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان”.
الرئيس الشهيد رفيق الحريري شكّل ثلاث حكومات متتالية في عهد الهرواي بين عامي 1992 و1998 (31 تشرين الأول/أكتوبر 1992 – 25 أيار/مايو 1995؛ 25 أيار/مايو 1995 – 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1996؛ 7 تشرين الثاني/نوفمبر 1996 – 4 كانون الأول/ديسمبر 1998). في البيانات الوزارية الثلاثة[6]، ترددت المقولات والطروحات نفسها بشأن مسألة جنوب لبنان والاحتلال الإسرائيلي من دون ذكر المقاومة علناً. ومما ورد فيها أن الحكومة “تعتبر أن مسألة تحرير أرض الوطن لها الأولوية ضمن أهدافها الوطنية والسياسية”، وأن “الحكومة تتمسك بحق لبنان، حكومة وشعباً، في التصدي للاحتلال الإسرائيلي والعمل لتحرير الأرض اللبنانية بكل الوسائل استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان”.
تبدلت اللهجة نسبياً، بعد انتهاء عهد الهراوي وخروج الحريري من الحكومة، وبداية عهد الرئيس إميل لحود (1998-2007)، الذي كان للمقاومة والمقاومين مكانة مهمة في خطاب قسمه[7] في 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1998. إذ قال: “من على هذا المنبر، أُحيّي الصامدين والمقاومين، أحياء وشهداء، والداعمين لجيشهم بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي وإليهم أقول، إن القضية الوطنية الكبرى هي أنتم، وإزالة الاحتلال عنكم”.
البيان الوزاري[8] للحكومة الأولى في عهده، حكومة الرئيس سليم الحص (4 كانون الأول/ديسمبر 1998 – 26 تشرين الأول/أكتوبر 2000) جاهرَ علناً في “دعم المقاومة الناشطة ضد الاحتلال الإسرائيلي لغاية تنفيذ القرار 425 دون قيد أو شرط”.
ما بعد التحرير وزوال الاحتلال
بالفعل، تحقّق الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان والبقاع الغربي في 25 أيار/مايو 2000. وانقسمت القوى السياسية اللبنانية بشأن سلاح المقاومة بين أطراف تتمسك به بذريعة احتلال مزارع شبعا والقرى السبع وقرية الغجر، وأطراف تطالب بنزع السلاح وبسط سلطة الدولة على الجنوب.
في خريف العام 2000، عاد رفيق الحريري وشكّل حكومة جديدة هي ثاني حكومة في عهد إميل لحود (26 تشرين الأول/أكتوبر 2000 – 17 نيسان/أبريل 2003). وكان حينها أول بيان وزاري[9] في مرحلة ما بعد الانسحاب الإسرائيلي. اعتبر هذا البيان أن “انتصار المقاومة، مقاومة كل اللبنانيين للعدوان والاحتلال الإسرائيلي وإجبار العدو على الانسحاب والاعتراف بالهزيمة” هو “أهم الانجازات الوطنية في تاريخ لبنان”. وأكد على “أن الموقف الإسرائيلي المتمادي في العدوان على لبنان من خلال الاستمرار في احتلال مزارع شبعا واعتقال الأسرى اللبنانيين (…)”، فضلاً عن احتلال الجولان والتعنت الإسرائيلي بشأن المسألة الفلسطينية، “هو سبب التصعيد المفتوح على كل الاحتمالات في المنطقة”. لكنه عاد وأكد “أن لبنان الذي كان قدوة في المقاومة، بإمكانه أيضاً أن يكون قدوة في العمل من أجل السلام الدائم والعادل والشامل القائم على استكمال انسحاب اسرائيل من أرضه وتحرير الجولان واستعادة الشعب الفلسطيني حقوقه وفقاً لقرارات الأمم المتحدة”.
ثالث حكومة في عهد إميل لحود، ترأسها رفيق الحريري أيضاً إلى أن استقال في 26 تشرين الأول/أكتوبر 2004، في أوج صراع كبير مع سوريا، وبعد أسابيع على صدور القرار 1559 في 2 أيلول/سبتمبر 2004. وأكد البيان الوزاري[10] حينها على “الحق المشروع في المقاومة حتى تحرير كامل الأرض”، وعلى “أن الحكومة مصممة على استكمال تحرير ما بقي محتلاً من أرض لبنان وعلى تحرير أسراه وتأكيد سيادته على مياهه وحقّه في التعويض عن الأضرار والجرائم الناجمة عن الاحتلال والاعتداءات الإسرائيلية”.
تعكس البيانات الوزارية توافقاً رسمياً لبنانياً بشأن كيفية الدفاع عن الأراضي اللبنانية. هذا التوافق كان ملحاً قبل انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي في العام 2000. لكن بعد هذا الانسحاب وبعد سلسلة من الأحداث في لبنان، اتسعت دائرة النقاش والجدل في هذا الصدد، مع أن البيانات الوزارية تضفي طابعاً من الشرعية على المقاومة، سواء كان التعبير عن ذلك علناً أو ضمناً
بعد استقالة الحريري تولى الرئيس عمر كرامي رئاسة رابع حكومة (26 تشرين الأول/أكتوبر 2004 – 19 نيسان/أبريل 2005) في عهد لحود. وقد سقطت هذه الحكومة على وقع زلزال اغتيال رفيق الحريري في 14 شباط/فبراير 2005. وأثنى بيانها الوزاري[11] على “الشراكة المتينة الثابتة” بين سوريا ولبنان “في مواجهة العدو الإسرائيلي وفي إدارة الصراع معه واعتماد المقاومة لمواجهة العدوان وتحرير الأرض”.
ما بعد اغتيال الحريري
اغتيال الحريري شكّل نقطة تحولّ في تاريخ لبنان وسرّع في انسحاب الجيش السوري من لبنان ونهاية زمن الوصاية. وفرضت الظروف المأساوية تغييراً حكومياً. فاستقال كرامي، وترأس الرئيس نجيب ميقاتي خامس حكومة في عهد لحود، لفترة انتقالية قصيرة (19 نيسان/أبريل – 19 تموز/يوليو 2005). كانت المهمة الأساسية لحكومة ميقاتي الإشراف على الانتخابات النيابية التي جرت في تلك الفترة. أما بيانها الوزاري[12] فكرّر المتلازمة نفسها المتعلقة بالتأكيد على تمسك الحكومة “بما ورد في الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، بما في ذلك حق الشعوب بتقرير مصيرها والدفاع عن استقلالها وسيادتها ووحدة أراضيها وبالحق المشروع في مقاومة الاحتلال”. وأكد أن “الحكومة تعتبر أن المقاومة اللبنانية وسلاحها هما تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في الدفاع عن أرضه وكرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الإسرائيلية من أجل استكمال تحرير الأرض اللبنانية”.
حتى بعد الانسحاب السوري في 27 نيسان/أبريل 2005 وانتصار قوى “14 آذار” في الانتخابات بفضل “التحالف الرباعي”، لم تقدم حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، سادس حكومة في عهد لحود، على إعادة النظر في موقف البيانات الوزارية من مسألة الحفاظ على سلاح المقاومة، على عكس ما كان يروم إليه القرار 1559. وقد وصف بيانها الوزاري[13] نفسه بأنه “بيان الحفاظ على مقاومتنا الباسلة، بيان الحوار الهادىء حول الخيارات المتاحة لنا جميعاً في نطاق معادلة عربية نضالية تواجه إسرائيل واحتلالاتها وأطماعها وتحصّن لبنان، في الوقت ذاته”، مكررة ما سبق وورد في البيان الوزاري لحكومة ميقاتي، باعتبارها أن “الحكومة تعتبر أن المقاومة اللبنانية هي تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الإسرائيلية، والعمل على استكمال تحرير الأرض اللبنانية”.
7 أيار و”الثلاثية”
انتهت ولاية الرئيس إميل لحود في خريف العام 2007. وبعد فراغ رئاسي لبضعة أشهر، وقعت أحداث 7 أيار/مايو 2008 على خلفية صراع حاد بين الحكومة اللبنانية وحزب الله واحتدام الاستقطاب حول مسألة نزع شبكة الإتصالات الخاصة بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير. سرعان ما انتهت هذه الأحداث بتسوية أوصلت إلى الرئاسة قائد الجيش العماد ميشال سليمان (2008-2014)، الذي اعتبر في خطاب القسم[14] في 25 أيار/مايو 2008، أن “بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الإسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازماً مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الإستراتيجية. فلا تُستهلك إنجازاتها في صراعات داخلية، ونحفظ بالتالي قيمها وموقعها الوطني”.
عاد السنيورة وتولى تشكيل أولى حكومات (11 تموز/يوليو 2008 – 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2009) عهد ميشال سليمان. أما البيان الوزاري[15] لهذه الحكومة فتضمن صيغة جديدة وغير مسبوقة في كيفية إضفائها طابعاً شرعياً على سلاح المقاومة، بتأكيده على “حق لبنان بشعبه وجيشه ومقاومته في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسّك بحقّه في مياهه، وذلك بكافة الوسائل المشروعة والمتاحة”، مع أن البيان الوزاري يؤكد على “التزام الحكومة بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بمندرجاته كافة”، و”العمل على وضع إستراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه يتفق عليها في الحوار الذي سيدعو إليه فخامة رئيس الجمهورية بمشاركة الجامعة العربية وذلك بعد نيل الحكومة الثقة في المجلس النيابي”.
بعد انتخابات 2009، ترأس الرئيس سعد الدين الحريري، اعتباراً من 9 تشرين الثاني/نوفمبر، ثاني حكومة في عهد سليمان، وذلك حتى اعتبار حكومته مستقيلة في 13 حزيران/يونيو 2011. وفي البيان الوزاري[16]، تكررت الثلاثية نفسها، إذ “تؤكد الحكومة على حق لبنان، بشعبه وجيشه ومقاومته، في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من قرية الغجر، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداء والتمسك بحقه في مياهه، وذلك بالوسائل المشروعة والمتاحة كافة”. كما “تؤكد التزامها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 بمندرجاته كلها. كما تؤكد العمل لتوحيد موقف اللبنانيين من خلال الاتفاق على استراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه تقرّ في الحوار الوطني”.
حكومة الرئيس نجيب ميقاتي (13 حزيران/يونيو 2011 – 12 شباط/فبراير 2014 ) في عهد ميشال سليمان، أكدت في بيانها الوزاري[17] “العمل على انهاء الاحتلال الاسرائيلي لما تبقى من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الممارسات العدوانية وعمليات التجسس الإسرائيلية التي تنتهك سيادة لبنان واستقلاله وسلامة أراضيه. وهي تتمسك بحق لبنان، شعباً وجيشاً ومقاومة، في تحرير واسترجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا اللبنانية والجزء اللبناني من بلدة الغجر، والدفاع عن لبنان ضد أي اعتداء يتعرض له وذلك بكل الوسائل المشروعة والمتاحة. كما تتمسك بحق لبنان في مياهه وثروته النفطية وتثبيت حدوده البحرية”. في المقابل، تعهدت الحكومة بـ”العمل لتوحيد موقف اللبنانيين على استراتيجية وطنية شاملة لحماية لبنان والدفاع عنه، موضع متابعة الحكومة التي تأمل من خلال الحوار الوطني استكمال البحث فيه”، ناهيك بتأكيد “التزامها تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 بكل مندرجاته”.
غياب “الثلاثية”
قبل انتهاء ولاية سليمان في ربيع 2014، تشكلت حكومة الرئيس تمَام سلام (15 شباط/فبراير 2014 – 18 كانون الأول/ديسمبر 2016)، واستمرت في ظل عامين من الفراغ الرئاسي. الجدير بالذكر أن البيان الوزاري[18] لهذه الحكومة لم يُكرّر مقولة “الشعب والجيش والمقاومة”، بل أكد أن الحكومة “ستسعى إلى إقامة أفضل الصلات مع هيئات الشرعية الدولية واحترام قراراتها والالتزام بتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701، للمساعدة على بسط السيادة اللبنانية على كامل أراضي البلاد، والتزام مواثيق الأمم المتحدة، وجامعة الدول العربية”، متحدثاً عن “واجب الدولة وسعيها لتحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التشديد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة”.
الرئيس ميشال عون، جدّد خلال عهده (2016 – 2022) شرعية المقاومة، إذ قال في خطاب القسم[19] في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2016: “أما في الصراع مع اسرائيل، فإننا لن نألو جهداً ولن نوفر مقاومةً، في سبيل تحرير ما تبقّى من أراضٍ لبنانية محتلّة، وحماية وطننا من عدوٍّ لما يزل يطمع بأرضنا ومياهنا وثرواتنا الطبيعية.”
حكومة عهده الأولى، برئاسة سعد الحريري، (18 كانون الأول/ديسمبر 2016 – 31 كانون الثاني/يناير 2019)، كرّرت صيغة البيان الوزاري لحكومة سلام وتماهت مع روحية خطاب قسم عون، لجهة تأكيد “التزامها بالمواثيق والقرارات الدولية كافة بما فيها قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 وعلى استمرار الدعم لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان”، ودعم المقاومة: “تؤكد الحكومة على واجب الدولة وسعيها لتحرير مزراع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر، وذلك بشتى الوسائل المشروعة. مع التأكيد على الحق للمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة”. وقد تكررت نفس هذه الصيغة في البيان الوزاري لحكومة الحريري الثانية (31 كانون الثاني/يناير 2019 – 21 كانون الثاني/يناير 2020) في عهد عون، والتي استقالت نتيجة الانتفاضة الشعبية اللبنانية في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019[20].
الحكومة الثالثة في عهد الرئيس عون ترأسها حسان دياب ثالث (21 كانون الثاني/يناير 2020 – 10 أيلول/سبتمبر 2020). بيانها الوزاري[21] لم يستعد مقولة “الشعب والجيش والمقاومة”، بل كرّر الصيغة السابقة للبيانات الوزارية لحكومتي سلفه، الحريري، لا سيما “التّأكيد على الحق للمواطنات وللمواطنين اللبنانيين في المقاومة للاحتلال الإسرائيلي ورد اعتداءاته واسترجاع الأراضي المحتلة”.
الصيغة نفسها تكررت مع حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، التي تشكلت في 10 أيلول/سبتمبر 2021، بينما كان عهد عون يشرف على نهايته. ويؤكد بيانها الوزاري[22] “التزام تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701″، و”التمسك باتفاقية الهدنة والسعي لاستكمال تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة، والدفاع عن لبنان في مواجهة أي إعتداء والتمسك بحقه في مياهه وثرواته، وذلك بشتى الوسائل المشروعة، مع التأكيد على حق المواطنين اللبنانيين في المقاومة للإحتلال الإسرائيلي ورد إعتداءاته وإسترجاع الأراضي المحتلة”.
2025.. مرحلة سياسية جديدة
من المقرر أن تعقد حكومة الرئيس نوّاف سلام، وهي الأولى في عهد الرئيس العماد جوزاف عون، اجتماعها الأول اليوم (الثلاثاء) على أن يُصار إلى تشكيل لجنة صياغة البيان الوزاري.
من المرجح أن يراعي هذا البيان طبيعة المرحلة الجديدة في لبنان والمنطقة، على غرار خطاب القسم الذي ألقاه الرئيس جوزاف عون، بعد انتخابه في 9 كانون الثاني/يناير 2025، والذي أكد فيه على “حق الدولة في احتكار حمل السلاح”، على أن تكون “دولة تستثمر في جيشها ليضبط الحدود ويساهم في تثبيتها جنوباً وترسيمها شرقاً وشمالاً وبحراً ويمنع التهريب ويحارب الإرهاب ويحفظ وحدة الأراضي اللبنانية ويطبق القرارات الدولية ويحترم اتفاق الهدنة ويمنع الاعتداءات الاسرائيلية على الأراضي اللبنانية، جيش لديه عقيدة قتالية دفاعية يحمي الشعب ويخوض الحروب وفقاً لأحكام الدستور”. خطاب القسم يشدد على محورية دور الدولة في الدفاع عن الأرض. ذلك أن السياسة الدفاعية المتكاملة التي سيدعو الرئيس عون إلى مناقشتها، ستكون، بحسب خطاب القسم، جزءاً “من استراتيجية أمن وطني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية بما يمكّن الدولة اللبنانية، أكرّر الدولة اللبنانية، من إزالة الاحتلال الإسرائيلي ورد عدوانه عن كافة الأراضي اللبنانية”[23].
وإذا كان من المستبعد اعتماد ثلاثية “شعب وجيش ومقاومة” في البيان الوزاري لحكومة نواف سلام، إلا أنه من غير المرجح التخلي بالمطلق عن ذكر حق لبنان في الدفاع عن أرضه أو حتى في مقاومة أي احتلال لأرضه، وذلك انسجاماً مع القانون الدولي. في هذه الحالة، من الممكن إضفاء طابع من الغموض على النص الذي سيتناول مسألة الدفاع والمقاومة بأسلوب يحتمل تأويلات متنوعة وربما متناقضة، وأساسه العودة إلى ما نص عليه اتفاق الطائف من جهة واتفاقية الهدنة من جهة ثانية وشرعة حقوق الإنسان من جهة ثالثة.
في المحصلة، تعكس البيانات الوزارية توافقاً رسمياً لبنانياً بشأن كيفية الدفاع عن الأراضي اللبنانية. هذا التوافق كان ملحاً قبل انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في العام 2000. لكن بعد هذا الانسحاب وبعد سلسلة من الأحداث في لبنان، اتسعت دائرة النقاش والجدل في هذا الصدد، مع أن البيانات الوزارية تضفي طابعاً من الشرعية على المقاومة، سواء كان التعبير عن ذلك علناً أو ضمناً.
(*) القسم الأكبر من هذه المقالة مستوحى من نص مداخلة ألقاها الكاتب في مؤتمر “القرار 1701 والاستراتيجية الدفاعية الوطنية”؛ نظّمته كلية العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الحكمة في 14 آذار/مارس 2024.
المصادر:
[1] خطاب القسم للرئيس رينيه معوض، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/PresidentoftheRepublic/FormerPresidents/Pages/InauguralSpeechMouawad.aspx
[2] خطاب القسم للرئيس الياس الهراوي، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/PresidentoftheRepublic/FormerPresidents/Pages/InauguralSpeechHrawi.aspx
[3] حكومة الرئيس سليم الحص، أول حكومة في عهد الرئيس الياس الهراوي، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3612
[4] حكومة الرئيس عمر كرامي، ثاني حكومة في عهد الرئيس الياس الهراوي، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3636
[5] حكومة الرئيس رشيد الصلح، الحكومة الثالثة في عهد الرئيس الياس الهراوي، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3637
[6] حكومات الرئيس رفيق الحريري، الحكومات الرابعة والخامسة والسادسة في عهد الرئيس الياس الهراوي، البيانات الوزارية، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفرة على الروابط المتتالية: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3638؛ http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3639؛ http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=4834؛
[7] خطاب القسم للرئيس العماد إميل لحود، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/President/Pages/InauguralSpeechLahoud.aspx
[8] حكومة الرئيس سليم الحص، الحكومة الأولى في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3614
[9] حكومة الرئيس رفيق الحريري، ثاني حكومة في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3631
[10] حكومة الرئيس رفيق الحريري، ثالث حكومة في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3632
[11] حكومة الرئيس عمر كرامي، رابع حكومة في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3633
[12] حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، خامس حكومة في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3634
[13] حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، سادس حكومة في عهد الرئيس إميل لحود، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3635
[14] خطاب القسم للرئيس العماد ميشال سليمان، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/President/Pages/Inaugural-speech.aspx
[15] حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أول حكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3616
[16] حكومة الرئيس سعد الحريري، ثاني حكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=3630
[17] حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ثالث حكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=4917
[18] حكومة الرئيس تمَام سلام، رابع حكومة في عهد الرئيس ميشال سليمان، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=9001
[19] خطاب القسم للرئيس العماد ميشال عون، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/news/pages/details.aspx?nid=23771
[20] حكومتا الرئيس سعد الحريري، الأولى والثانية في عهد الرئيس ميشال عون، البيانان الوزاريان، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفران على الرابطين المتتاليين: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=12191؛ http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=17227؛
[21] حكومة الرئيس حسان دياب، ثالث حكومة في عهد الرئيس ميشال عون، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لرئاسة مجلس الوزراء في الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: http://www.pcm.gov.lb/arabic/subpg.aspx?pageid=20908
[22] حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، البيان الوزاري، الموقع الإلكتروني لمجلس النواب اللبناني، متوفر على الرابط التالي: https://lp.gov.lb/ContentRecordDetails?Id=31000
[23] خطاب القسم لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، الموقع الإلكتروني لرئاسة الجمهورية اللبنانية، متوفر على الرابط التالي: https://www.presidency.gov.lb/Arabic/News/Pages/Details.aspx?nid=27354