أبعد من الحراك الشعبي المستمر منذ خمسين يوما، وأبعد من إستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأزمة تسمية رئيس الحكومة المقبل، ثمة أزمة حكم مستعصية في لبنان، يحاول الجميع تجاهلها أو القفز عنها من خلال توصيفات مواربة.
أبعد من الحراك الشعبي المستمر منذ خمسين يوما، وأبعد من إستقالة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وأزمة تسمية رئيس الحكومة المقبل، ثمة أزمة حكم مستعصية في لبنان، يحاول الجميع تجاهلها أو القفز عنها من خلال توصيفات مواربة.
لقبُ "الجسر" ينطبق تماما على المرشّح الأوفر حظا لتولي رئاسة الحكومة سمير الخطيب بعد الاستشارات النيابية التي حدّد موعدها الإثنين المقبل، في حال حظي بدعم رئيس الحكومة المستقيل سعد الحريري للعبور من مرحلة التكليف الى التأليف. لماذا؟
تراوح الأزمة السياسية في لبنان مكانها حتى الآن، وباتت الخيارات محدودة في ما يخص تسمية رئيس جديد للحكومة خلفا لرئيس الوزراء المستقيل سعد الحريري، وكل واحد منها يحمل في طياته أما فرصا أو تحديات..
يلعبُ الرئيس سعد الحريري حاليا أخطر لعبة في حياته السياسية. لعبة لا يستطيع ربحها بالكامل لأن في ذلك إنقلاباً ممنوعاً على موازين القوى على مستوى المنطقة وليس فقط لبنان، ولا يُمكنه خسارتها، نظرا لاحتمال ابتعاده عن ممارسة السياسة لسنوات طويلة.
لم يدم موال محمد الصفدي أكثر من 48 ساعة. نام الرجل ليلتين رئيسا للحكومة. لم يجد الرجل نصيرا له في نهاية تلك الرحلة الريفية القصيرة، إلا زوجته الوزيرة المستقيلة وميشال عون وجبران باسيل. في توقيت ما، لا بد من التقاعد من السياسة.. مهما طالت أو قصرت رحلة السفر فيها
حصلت على مرّ الأزمان ظواهر غريبة في العالم، أدرجها العلم في خانة الأحداث الغامضة بعد أن عجز عن إيجاد تفسير لها، أبرزها: المعادن ذو الأخاديد في جنوب أفريقيا، والمطر الأحمر في الهند، وطاعون الرقص في ستراسبوغ، والهمهمة في بلدة تاوس المكسيكية، إضافةً إلى الحجارة السيّارة، والتأثير الوهمي للأدوية وغيرها. حدثٌ جديدٌ مريب أدخله لبنان، هذه المرّة، إلى "لائحة الغوامض"، وسيبقى هذا الحدث هناك، إذا لم يفسّره صانعوه (بصدق) للّبنانيّين : مَنْ اقترح اسم محمد أحمد الصفدي مرشَّحاً توافقياً لرئاسة الحكومة المنتظرة على وقع حشود الساحات والتظاهرات وقطْع الطرقات؟
أما وأن إسم محمد الصفدي هو الإسم الوحيد المتداول حتى الآن لرئاسة الحكومة المقبلة، فإن مرحلة ما بعد تفاهم الرئيس اللبناني ميشال عون ورئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري، بشراكتهما الكاملة مع رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، على الصفدي، محكومة بخارطة طريق تتخللها تعرجات وتعقيدات كثيرة.
لا يختلف إثنان على أن الأزمة الاقتصادية والاجتماعية بلغت حدودا لا قدرة للطبقة الوسطى على تحملها فكيف بالفقراء وذوي الدخل المحدود. كنا قبل شهر أمام شارع منتفض ضد الطبقة السياسية برمتها. أما اليوم، فقد أصبحنا أمام شارع هو عبارة عن شوارع يختلط فيها السياسي بالاجتماعي. خير دليل على ذلك، الانتفاضة المتزامنة لشوارع تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري والحزب التقدمي الإشتراكي بزعامة وليد جنبلاط والقوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع والجماعة الإسلامية (إخوان لبنان). شوارع جاهزة وجدت في مقابلة الرئيس اللبناني ميشال عون، ليلة 12 تشرين/نوفمبر الجاري، ذريعة، برغم اعتقادي أن المقابلة بتوقيتها وشكلها ومضمونها كانت غير موفقة.
دشّن اللقاء الثلاثي الذي عقد هذه الليلة بين رئيس الوزراء اللبناني المستقيل سعد الحريري والمعاون السياسي لرئيس البرلمان اللبناني علي حسن خليل والمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل مرحلة سياسية جديدة في التعامل مع الملف الحكومي، وبالتالي محاولة إيجاد ضوابط للوضع الإقتصادي والمالي المتأزم، فضلا عن محاولة إحداث صدمة إيجابية للحراك الشعبي الذي سينهي شهره الأول في السابع عشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي.
أعطى متابعون لزيارة مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في الخارجية الفرنسية كريستوف فارنو، إلى العاصمة اللبنانية توصيفا ديبلوماسياً بالقول: "إنها أقل من جولة إستطلاعية".