قال سعد الحريري كلمته، في ذكرى إستشهاد والده، ومشى، لكن إلى أين؟ حتماً إلى الدرب الذي يصل في نهايته إلى نعيم السلطة. درب يختصر رحلة الحريرية، من رفيق الحريري إلى سعد الحريري.
قال سعد الحريري كلمته، في ذكرى إستشهاد والده، ومشى، لكن إلى أين؟ حتماً إلى الدرب الذي يصل في نهايته إلى نعيم السلطة. درب يختصر رحلة الحريرية، من رفيق الحريري إلى سعد الحريري.
كلّما مادت الأرض بسعد الحريري، يطفو إسم شقيقه بهاء. منذ إنتفاضة 17 تشرين الأول/أكتوبر، عاد إسم الإبن الأكبر لرفيق الحريري إلى الواجهة. ماكينة إعلاميّة ـ سياسية تُغذّي الإسم "عن بُعدْ" إلى حد توصيفه من قبل البعض بأنّه "المُنقذ"، بالإضافة إلى شائعة وصوله إلى بيروت وتناقل حديثٍ عن لسانه يهاجم فيه شقيقه الأصغر منه. في المقابل، هناك من يقلل من أهمية هذا المواطن "المتعدد الجنسيات"، على قاعدة "أننا لسنا سعوديين وليس هو أحد أفراد العائلة الحاكمة في السعودية"!
حدثان خلال الاشهر الماضية كان لهما أثر على دينامية صراع النفوذ بين اميركا وايران في لبنان: انتفاضة شعبية مستمرة على الطبقة السياسية المدعومة بشكل رئيسي من واشنطن وطهران والقرار الاميركي بقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني. النتيجة كانت ارباك لسياسة البلدين حيال لبنان وخلط اوراق نتج عنه استقالة حكومة سعد الحريري وتشكيل حكومة حسان دياب. بعد هدوء عاصفة التوتر الاميركي-الايراني، الى اين تذهب دينامية صراع النفوذ بين واشنطن وطهران في لبنان؟
يشكل خروج سعد الحريري من رئاسة الحكومة نقطة الذروة في المسار التراجعي للتيار الازرق، ويمكن معه الاعلان عن دخول الحريرية السياسية حالة فقدان الوزن أو التلاشي في إنتظار بديل طال غيابه.
لا شيء يدل على أن مسار التأليف الحكومي في لبنان يواجه مطبات خارجية. على العكس، كل المعطيات الخارجية تشي بتأليف سلس على طريقة التكليف الذي أفضى إلى إختيار حسان دياب لتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة. حتى أن ما صدر عن الحبر الأعظم في الفاتيكان كان عنصر تحفيز، إذ أن البابا فرنسيس دعا إلى إيجاد مخرج للأزمة في لبنان "بلد التعايش بإنسجام"، لكن ماذا عن مطبات الداخل؟
منذ ان تعرفت على الرئيس الشهيد رفيق الحريري عام 1980، في الرياض، لمست انه صاحب رؤية ترى ان مصلحة لبنان الاقتصادية والسياسية تقتضي ربط مصالحه بالسعودية ودول الخليج العربية. رؤية تماهت مع "محبة" سعودية وخليجية خاصة للبنان، فالرياض كانت ترغب بمن يريح رأسها من مشاكل لبنان، ووجدت في الحريري من يخفف عنها – ان لم نقل يحمل عنها – اعباء لبنان، فقدمت له كل الدعم المالي والسياسي، وخصوصا لمشاريع اعادة اعمار بيروت.
"كيف نختَار قادتَنا. نصيحة ميكافيلي للمواطنين". هذا عنوان كتاب ألّفهُ الإيطالي ماوريتسيو فيرولي، وفيه يقدم سيرة مغايرة لصاحب كتاب "الأمير"، المنظر السياسي الإيطالي نيكولو ميكافيلي.
لو قارنا مواقف وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية ديفيد هيل خلال جولته على رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري ومجلس الوزراء المستقيل سعد الحريري، لوجدنا أنه إستخدم العبارات ذاتها والمحتوى ذاته وربما الترتيب نفسه.
أما وأن حسان دياب قد كُلّف بتشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، فإن سؤال التأليف المؤجل على الأرجح، هو الأساس، ربطاً بمعطيات الداخل والخارج، المتشابكة والمعقدة.. والمتدحرجة.
حضر إلى لبنان سياسيٌ بارع يُدعى رفيق الحريري. أسند السنة رأسهم المتعب إلى كتفه العريض، ثم راحوا يمنّون أنفسهم بقامة من قماشة الكبار. لم يكن حالهم يومها أفضل من تاريخهم أو مستقبلهم. الفارق فقط أنهم ابتسموا. ظنوا أن الابتسامة بداية الضحك، وما إن يضحكوا حتى تضحك لهم ومعهم الدنيا.