اتفاق غزة: هدنة هشة وشرق أوسط على حافة الانفجار

اتفاق غزة هش، ولا أفق سياسيًا يُعوَّل عليه. هذه حقيقة تتبدّى في تفاصيله وتطوراته الميدانية كافة. تفجيره وارد، وتفجير المنطقة كلها ليس مستبعدًا. فالخرق المتكرر لوقف إطلاق النار أثار إحباطًا أمريكيًا معلنًا، خشية انهياره الكامل.

في زيارة نائب الرئيس «جى. دي. فانس» ووزير الخارجية «ماركو روبيو» إلى تل أبيب، كانت الرسالة واحدة: «لا تخرقوا الاتفاق».
الرسالة نفسها كررها المبعوث الرئاسي «ستيف ويتكوف» وصهر الرئيس «جاريد كوشنر»، اللذان يتابعان التفاصيل عن قرب.
وبنوعٍ من الإلحاح، أكد الأمريكيون أن الاتفاق لا يزال صامدًا من الجانبين.

وبرغم ذلك، أقرّ الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الأولى مشروع قانون يقضي بضمّ الضفة الغربية إلى الدولة العبرية.
كان ذلك تدميرًا متعمّدًا لأي اتفاق أو أي سلامٍ يحاول الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» فرضه تمكينًا لإسرائيل في حسابات المنطقة.
ولم تكن مصادفةً أن يحدث هذا التطور الخطير أثناء وجود «فانس» في إسرائيل؛ فقد أراد الإسرائيليون الإيحاء بأن واشنطن مطلعة وشريكة في كل خطوة.

ليس الآن!

لا تمانع إدارة «ترامب» في مبدأ الضمّ والتوسع، إذ سبق للرئيس الأمريكي أن تعهّد بدعمه أثناء ولايته الأولى، لكنها أبدت انزعاجها من الإقدام عليه دون تشاور مسبق أو تقديرٍ لتداعياته.
ووصف «فانس» الخطوة بأنها «قرار غبي»، قاصدًا توقيتها لا مضمونها.
أما «ترامب»، فقال بصياغةٍ حادة: «لا يمكنكم فعل ذلك الآن».

كرجل صفقات، أدرك «ترامب» أن تبعات الضمّ تنسف كل صفقةٍ ماثلة.
قال: «لن يحدث ذلك، لأنني وعدت الدول العربية. لقد حظينا بدعمٍ عربي كبير، وإسرائيل ستفقد كل الدعم الأمريكي إذا ضمّت الضفة».

ولم يكن ممكنًا لإسرائيل أن تتجاهل تحذيراته، التي تعني فعليًا رفع الغطاء السياسي والعسكري عنها بما يفوق قدرتها على الاحتمال.
أذعن «نتنياهو» لما أراده «ترامب»، وعلّق الإجراءات زاعمًا أنها مجرد مناورة من المعارضة الإسرائيلية لا مشروع جديًّا من حلفائه في الائتلاف الحاكم.

في توقيتها وأسبابها، استهدفت خطة «ترامب» إنقاذ إسرائيل من أن تتحوّل إلى دولةٍ منبوذة ومعزولة، وفتح المجال أمامها لتحقق بالمفاوضات ما فشلت في تحقيقه بالحرب.
هنا تحديدًا يتجلّى «الغباء» الذي قصده نائب الرئيس: الاعتراض على أي مشاركة تركية أو مصرية في القوات الدولية المقترحة لحفظ الأمن في غزة أثناء المرحلة الانتقالية.

يشمل الاعتراض، وفق التصريحات اليمينية الإسرائيلية، كل دولةٍ تعترف بحق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم أو في إقامة دولةٍ مستقلة ذات سيادة على الأراضي المحتلة منذ 4 يونيو/حزيران 1967.
الترجمة المباشرة لذلك: استبعاد الأغلبية الساحقة من دول العالم.

فهم لا يريدون قوات حفظ سلام، بل قوات احتلالٍ بديلة تُحقق الأهداف الإسرائيلية بأقلّ التكاليف.
وهكذا يتصادم مساران رئيسيان:
الأول، مسار الضمّ والتوسع الإقليمي تحت سقف «إسرائيل الكبرى»؛
والثاني، مسار التطبيع وتوسيع «الاتفاقيات الإبراهيمية» لتشمل المملكة العربية السعودية، التي تشترط مسارًا موثوقًا يقود إلى قيام دولة فلسطينية.

إحدى المسارات المحتملة هي توسيع دوائر الاشتباك على جبهتي إيران ولبنان. فالعودة إلى الحرب مع إيران خيارٌ ماثل لتخفيف الضغط عن «نتنياهو» ولمنع تفكك الائتلاف اليميني الحاكم. أما واشنطن فتميل إلى تعديل الوسائل لا الأهداف: تقويض المشروع النووي الإيراني وتحجيم قدراته الصاروخية

«نتنياهو» يتبنى المسار الأول، و«ترامب» يميل إلى الثاني.
كلاهما، مع ذلك، لا يعترف فعليًا بالدولة الفلسطينية.

خلاف على الوسائل وليس الجوهر

إحدى المسارات المحتملة هي توسيع دوائر الاشتباك على جبهتي إيران ولبنان. فالعودة إلى الحرب مع إيران خيارٌ ماثل لتخفيف الضغط عن «نتنياهو» ولمنع تفكك الائتلاف اليميني الحاكم.
أما واشنطن فتميل إلى تعديل الوسائل لا الأهداف: تقويض المشروع النووي الإيراني وتحجيم قدراته الصاروخية.

وتتبنّى إدارة «ترامب» توجهًا جديدًا لدمج طهران في ترتيبات الشرق الأوسط الجديد، أي إعادتها إلى الدور الذي أدّته في عهد الشاه كـ«شرطيٍّ لحماية المصالح الأمريكية في المنطقة».

الخلافات الأمريكية الإسرائيلية، إذن، ليست في الجوهر بل في الوسائل.
نقطة البداية الأمريكية هي تثبيت وقف إطلاق النار في غزة، لكنه من فرط هشاشته عرضةٌ لانفجارٍ جديد.

وحسب تعبير المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان «توم براك»، فإن اتفاق غزة «هدنة ينبغي أن تتحوّل إلى مشروعٍ إقليمي لإعادة بناء الشرق الأوسط».
هكذا قال، ببساطةٍ تكشف النوايا بأقل عددٍ من الكلمات المتفجرة.

ولا تمانع إسرائيل في المشروع شريطة أن يستجيب بالكامل لمطالبها: نزع سلاح المقاومتين الفلسطينية واللبنانية، والتوسع في التطبيع المجاني دون دفع أي فواتير سياسية.
الحسم بالسلاح وحده.

وفي الوقت نفسه، شنّت إسرائيل هجومًا جويًا على منطقتي البقاع وشمال شرق لبنان بذريعة استهداف بنى عسكرية لحزب الله ومنعه من تطوير قدراته الصاروخية الدقيقة.
لم يكن هناك دور أمريكي يحدّ من هذا الخرق الفاضح لوقف إطلاق النار.

أخطر ما في كل هذه المسارات المتصادمة، غياب إجابةٍ عربية واحدة، واضحة ومتماسكة، على أسئلتها الضاغطة.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  خفايا النقاط الخمس.. والخطة اللبنانية المفقودة
عبدالله السناوي

كاتب عربي من مصر

Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  حلب.. عاصمة سوريا الاقتصادية تنتظر "الفرج"