لماذا أقدمت الآن إدارة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» إرهابية؟ ما أهدافها الحقيقية وتداعياتها المحتملة؟ هذان سؤالان جوهريان فى أيّة قراءة جادة لذلك الانقلاب التاريخى على إرث العلاقات بين الجانبين.
لماذا أقدمت الآن إدارة الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب» على تصنيف جماعة «الإخوان المسلمين» إرهابية؟ ما أهدافها الحقيقية وتداعياتها المحتملة؟ هذان سؤالان جوهريان فى أيّة قراءة جادة لذلك الانقلاب التاريخى على إرث العلاقات بين الجانبين.
قبل أكثر من قرن، وفي خضم الحرب العالمية الأولى وتهاوي النفوذ العثماني، وُقّعت واحدة من أكثر الاتفاقيات تأثيرًا في تاريخ الشرق الأوسط الحديث، اتفاقية سايكس بيكو السرية عام 1916. لم تكن تلك الاتفاقية مجرد تفاهم خفي بين بريطانيا وفرنسا (وكانت روسيا القيصرية شريكتهما) لتقاسم تركة "الرجل المريض" ، بل كانت "لحظة تأسيسية لنمط من إعادة تشكيل الشرق الأوسط".
ارتبط الجدال حول العلاقة بين الدولة في المشرق وحركات المقاومة بالصراع الداخلي في مجتمعات المنطقة. لا بل أنه سؤال يعود إلى ما بعد هزيمة 1967 وسقوط أحلام العرب أمام واقع الهزيمة المدوي، ما فتح الطريق أمام الحركات الفلسطينية أولاً، وثانياً أمام صعود منظمات الإسلام السياسي والجهادي، ولو كان كلٌ من الفريقين في اتجاهٍ مختلف.
يُشكّل المسلمون السُنّة في العالم العربي أكثرية ديموغرافية وثقافية ودينية تمتد من المحيط إلى الخليج. وبرغم هذا الثقل العددي، لم تتمكن الجماعات السُنيّة في معظم الدول العربية من التحوّل إلى "مكوّن وطني شريك" ضمن دول تتسم بتعدّد الهويات والانتماءات. وبين إرث "التفوّق التاريخي" الذي ورثوه عبر قرون من الزمن، وواقع "الانكماش السياسي" الذي يعيشه الكثير منهم اليوم، يواجه السنّة ما يمكن وصفه بـ"أزمة وعيٍ سياسيٍّ غير مكتملة".
الصراع بين إسرائيل وإيران ليس مجرد مواجهة عسكرية، بل هو صراع أعمق من ذلك بكثير، وفي ضوء نتائجه، يُمكن أن تتضح قواعد الإستقرار واللااستقرار في المنطقة وتوازنات القوى التي لم تعد تقتصر على القوة العسكرية (الصلبة)، بل تشمل القوة الناعمة (كالدبلوماسية والثقافة) والقوة الذكية (التكنولوجيا).
قليلون هم الذين يُميّزون بين الدولة ونظام الحكم في مجتمعاتنا المعاصرة، حتى عند النخب الثقافية. لكن ذلك ضروري من أجل فهم ما نحن عليه وما نحن فيه، وفي أية مرحلة من التطوّر نحن، علماً أن المراحل تتداخل وتتشابك. فالقديم الذي يتم تدميره لا يختفي ليحل مكانه ما هو جديد تماماً، بل يتشابكان بتداخل القديم والحديث، وفي غالب الأحيان يكون كلاهما على درجة من التفتت والتمزق، بحيث يصاب المجتمع بالعجز وتنزل به الهزائم.
فى ١٣ من هذا الشهر، يكون قد مرّ نصف قرن من الزمن على الحرب اللبنانية، الحرب التى استمرت حوالى ١٥ عامًا، والتى انتهت مع التوصل إلى اتفاق الطائف والذى شكل مع التغييرات الدستورية التى كان وراءها ولادة الجمهورية الثانية بعد الجمهورية الأولى التى ولدت مع الاستقلال.
المجتمع المفتوح الذي يسود فيه النقاش والحوار هو مجتمع السياسة، وهو في آن معاً مجتمع الإرادة. دون هذه الإرادة يتفسّخ النظام السياسي ويصير مهلهلاً. تتفكك المرافق العامة، تتبلّد البيروقراطية، ويؤول الوضع الى دولة فاشلة كما هو الوضع في لبنان وكثير من البلدان العربية. ليس المجتمع فيها أقوى من الدولة.
على مدار قرنٍ من الزمن، وبالتزامن مع تفكك الامبراطورية العثمانية وبداية تشكل الدول الحديثة وقيام الأحزاب الحديثة، طُرحت قضية اطار عمل الأحزاب في المجال العربي، هل هو الدولة الناشئة أم الأمة المنشودة الذي حالت الإمبراطورية العثمانية دون قيامها ضمن لامركزية ما، وحالت بريطانيا وفرنسا دون قيامها، وحضرت هذه القضية في بلاد المشرق أكثر من المغرب.
نغتال التاريخ عندما نُجمّد أنفسنا في الماضي، فنعجز عن تجاوزه. نغتال التاريخ عندما نعتبر أن ليس فيه إلا مسار واحد. نُنصف التاريخ عندما ننظر إليه وفي نظرنا أن له عدة مسارات.