تحاول روسيا جاهدة التنصل من مسؤوليتها في الحيلولة دون بلوغ قطار فيينا محطته الأخيرة بإعادة إحياء الاتفاق النووي الايراني.
تحاول روسيا جاهدة التنصل من مسؤوليتها في الحيلولة دون بلوغ قطار فيينا محطته الأخيرة بإعادة إحياء الاتفاق النووي الايراني.
في السرديات الغربية أن الفضل في إسقاط الإتحاد السوفياتي يُعزى إلى الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، لأنه هو من وصف الإتحاد بـ"إمبراطورية الشر" وأطلق "حرب النجوم" ليكسر قاعدة "الردع النووي المتبادل" وزوّد "المجاهدين" الأفغان بصواريخ "ستينغر" التي أحدثت فارقاً في الحرب، وجعلت موسكو تفكر في الإنسحاب، ومن ثم حصل الإنهيار.
لم تشمل العقوبات الأميركية والأوروبية تحديداً مدفوعات الطاقة الروسية وصادراتها من المعادن للغرب. الولايات المتحدة وحدها فقط حظّرت استيراد الغاز والنفط الروسي. علماً أنها لا تستخدم الغاز الروسي، و7% فقط من حاجتها من الزيوت تستورده من روسيا.
قد تشبه الصدمةُ التي تلقّتها أسواق النفط منذ بدء العملية العسكرية الرّوسية في أوكرانيا، صدمةَ العام 1973 حين تضاعفت أسعار النفط أربع مرات بسبب الحصار الذي فرضته ست دول عربية على الغرب وأوقفت تصدير النفط إلى حلفاء إسرائيل وأولهم الولايات المتحدة. لكن المفارقة اليوم، أن الغرب - أو جزءاً منه - يفرض على نفسه الحصار من خلال التوقف عن استيراد النفط أو الغاز أو كليهما من روسيا!
عنصران إثنان يعتمد عليهما الغرب في الدفاع عن نظامه العالمي الذي أرساه مع سقوط جدار برلين: الأول، فرض حصار إقتصادي ومالي لا سابق له حول روسيا وعزلها عن بقية العالم، والثاني، دعم أوكرانيا بالسلاح النوعي من دون التورط مباشرة بالحرب، حتى لا يضطر إلى إرسال قوات برية ونشوب مواجهة تفضي إلى "حروب لا تنتهي " أو إلى حرب عالمية ثالثة.
مع إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أصبح الإتفاق النووي أكثر تشابكاً من ذي قبل؛ في ظلّ نظام جيوسياسي جديد ناشئ. ثمة آمال بأن الصفقة المرتقبة ستسمح لإيران في أن تحل مكان روسيا لناحية توفير إمدادات الطاقة للغرب. "لكنها آمال سابقة لأوانها"، لأسباب عدّة، يشرحها الصحافي الإيراني كوروش زيباري في هذا التقرير في موقع "آسيا تايمز"(*).
لا تؤيد الصين غزو روسيا لأوكرانيا، لكنها لا تدينه لا بل تتكبد عناء توفير بعض التبريرات لموسكو وترفض منطق العقوبات الغربية المفروضة عليها. أما الالتفاف على تلك العقوبات فدونه كلفة باهظة ليست بكين في وارد دفعها.
منذ العام 2014، حين فرض الغرب حزمة عقوبات على أفراد وشركات ومؤسسات عامة روسية على خلفية ضم شبه جزيرة القرم، لا يُضيّع مسؤول حكومي روسي فرصة للتأكيد على تبني "دفاعات اقتصادية" كفيلة بتحصين بنية روسيا المالية والنقدية والاقتصادية من أي استهداف جديد. فما هي هذه الدفاعات وهل ستصمد؟
في الأيام التي سبقت الحرب الروسية الأوكرانية، أعلنت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون فرض عقوبات اقتصادية صارمة على روسيا. وعلَّقت ألمانيا موافقتها على خط أنابيب "نورد ستريم 2"، المصمم لتوصيل الغاز الروسي إلى ألمانيا ومنها إلى أوروبا. السؤال الآن ما إذا كانت روسيا سترد، وكيف، وسط مخاوف متزايدة من أن يكون ردها مؤلماً: قطع إمداداتها من الغاز الطبيعي عن جميع أنحاء أوروبا، خصوصاً عن البلدان الأكثر اعتماداً على هذا المورد.
في لقاء مع صحيفة "نيويورك تايمز"، اعتبر الخبير في قضايا الطاقة دانييل يرغن، أن المخرج الوحيد للحؤول دون أزمة طاقة مُزمنة هو "تسوية كُبرى مع روسيا، ودخول إيران سوق النفط، والضغط على السعودية من أجل زيادة الإنتاج"، مُلمحاً إلى أن فلاديمير بوتين اختار التوقيت المناسب لغزو أوكرانيا حيث سوق الطاقة "مشدود على آخره".