لبنان Archives - Page 11 of 277 - 180Post

800-45.jpg

مع كلّ جولة توترٍ على الحدود الجنوبيّة، تعود واشنطن إلى المسرح اللبنانيّ. فيتساءل مراقبون: هل تسعى الولايات المتّحدة فعلاً إلى فتح قناة تفاوضٍ مباشرةٍ بين بيروت وتل أبيب، أم أنّها تكتفي بإدارة النّار من بعيدٍ لتبقى المُمْسِكَةَ بخيوط اللّعبة الإقليميّة؟ السّؤال لم يعد افتراضياً، بل صار جزءاً من ديناميّةٍ متشابكةٍ تجمع بين ملفَّي الغاز والحدود من جهةٍ، وملفّ الحرب والسّلام من جهةٍ أخرى.

750-12.jpg

لم يكن تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب على خط وقف العدوان "الإسرائيلي" ضد غزة فقط لانقاذ حليفه بنيامين نتنياهو من شر أعماله، بل نتاج قناعة بأن مشروع "محور المقاومة" في المنطقة قد تضرّر كثيراً ويحتاج إلى سنوات طويلة لترميم وضعه، وهذا كاف بالنسبة إلى ترامب في ظل صراعه المفتوح مع الصين.

1032620491_0_0_2040_1326_600x0_80_0_0_bf627c62ae4e0b202675f2f62014d5f0.jpg

ظهرت "المقاومة الإسلاميّة- حزب الله" في لبنان إبان الاجتياح الأميركي-الصهيوني سنة 1982، من ضمن قوى مقاومة أخرى للاحتلال، ونتيجة عجز معظم أحزاب جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة، أو تقاعس قياداتها، عن الاستمرار بالقتال والتصدّي للعدو. توقّفت قوى عديدة عن القتال مع تراجع الاحتلال الصهيوني جنوباً، إذ كانت، نظراً لبنيتها وقدراتها المحدودة، عاجزة عن ملاحقة العدو بعد انسحابه من مناطق ثقلها الشعبي.

90909090909.jpg

في النقاش الدائر اليوم حول مسألة التفاوض بين لبنان وإسرائيل ومن خلال متابعة طريقة مقاربة وإدارة هذا الملف من قبل الأحزاب والقيادات السياسية في لبنان، أستعيد المحاضر وجلسات الحوار الطويلة التي قرأت عنها وعملت عليها خلال تحضيري لأطروحة الدكتوراه منذ سنوات عدة، والتي كانت تتناول مؤتمرات الحوار في الفترة الممتدة بين العامين ١٩٧٥ و١٩٨٩ عند توقيع اتفاق الطائف.

Al-Hamidiyah_Souq-2-750x430-1.jpg

منذ أن انهار النظام السوري قبل نحو سنة، لم يعد المشهد السياسي محصورًا في معادلة سلطة ومعارضة، بل انفتح على امتحانٍ وجودي يطال معنى الدولة نفسها: كيف تُدار فسيفساء من الطوائف والقوميات واللغات من دون أن تتحوّل إلى وقود انتقام أو إلى حدودٍ مُسيّسة متنازَعة؟

8000.jpg

في ظل التحوّلات العميقة التي تشهدها المنطقة، وما يرافقها من قممٍ وتحالفاتٍ ورسمٍ لخرائط جديدة، تعود دولٌ إلى الساحة السياسية بقوة، فيما تتربّع أخرى على عرش زعامة الإقليم لتقود مسار التغيير. الشرق الأوسط يقلب أوراقه من جديد، ويفرض نفسه كنقطة ارتكاز في زمن العولمة الاقتصادية والتحولات الجيوسياسية. لكن يبقى السؤال الجوهري: أين يقف لبنان وسط هذه المتغيرات؟ وما موقعه في خريطة التحالفات المقبلة؟

750-10.jpg

على مدار عقود، غادر اللبنانيون وطنهم حاملين معهم ذكرياتهم وهويتهم الوطنية، ساعين إلى فرص للعيش والعمل في أصقاع الأرض المختلفة، من المدن الكبرى إلى أصغر القرى العالمية التي احتضنتهم. ما بدأ كرحلة فردية أو عائلية تحول مع مرور الوقت إلى شبكة مترابطة عالمياً، قوة خفية تعيد لبنان إلى قلب العالم، وتمنحه قدرة على الصمود برغم كل الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

800-38.jpg

لا تبنى الاستراتيجيات الوطنية على خلفية انفعالية أو انتقامية أو تشفياً من فريق وطني ضد آخر. بل على الاستراتيجية أن تكون محايدة وموضوعية بالمعنى المصلحي العام. فالدولة العادلة هي الدولة التي تكون محايدة تجاه مواطنيها، بمعنى عدم الانحياز لفئة دون الأخرى، وعدم تجسيد مصلحة فئة دون أخرى، أو أفراد دون آخرين. ما يجعلها قادرة على المساواة بين مواطنيها في حقوقهم وواجباتهم.

800-37.jpg

في ظلّ تهاوي الأنظمة الإقليمية القديمة، وتشكّل تحالفاتٍ جديدةٍ، في قلب هذه العاصفة الجيوسياسيّة، يقف لبنان كسفينةٍ تتقاذفها أمواجٌ عاتيةٌ. إنّه المشهد الأكثر تعقيداً في منطقةٍ متغيّرةٍ، دولةٌ تمتلك كلّ مقوّمات النّجاح، لكنّها حبيسة صراعاتها الدّاخلية وتداخلاتها الإقليميّة. السّؤال الذي يفرض نفسه اليوم ليس إنْ كان لبنان سيتغيّر، بل كيف سيغيّر نفسه لينجو من العاصفة ويبني مستقبلاً يليق بشعبه.

800-33.jpg

بعيداً عن شغل ومشاغلة "فرقة حسب الله" الاعلاميّة في لبنان وعلى بعض الفضائيات العربيّة؛ وبعيداً عن فلسفة "نحن هزمنا، فلماذا لا نستسلم؟"؛ أو فلسفة "لا بدّ للقاعد أن يُفتيَ للمجاهد!"؛ أو فلسفة "لنسلّم سلاحنا بلا تحرير وبلا ضمانات جدّيّة، لعلّ الغرب الدّاعم لإسرائيل أصلاً يبعث لنا ببعض الدنانير"؛ أو فلسفة "نحن تحت الاستعمار، ومع ذلك فلنبنِ (دولة) ولو كانت بلا سيادة حقيقيّة"؛ أو فلسفة "لماذا لا نطبّق تجربة الرّئيس أبو مازن، على لبنان؟"... بعيداً عن كلّ هذا الضّجيج الذي يُحاول التّشويش على من بقي يطوف من بين الحجيج، فلنتوقّف عند عوامل تجعلنا نعتقد أنّ الحديث عن "هزيمة" في هذه اللّحظة ليس واقعيّاً بالفعل.