تركيا تستثمر “قانون قيصر”: ترسيخ الاحتلال

بدأت الفصائل التابعة لتركيا في الشمال السوري قبل أيام حملة لاعتماد الليرة التركية بدلاً من الليرة السورية. لا يعتبر هذا المشروع التركي جديداً، فمنذ سنوات عدة تكرر الحديث عنه، وبدأ تنفيذه بشكل تدريجي، ليأتي قانون العقوبات الأميركي الجديد على سوريا "قانون قيصر" بمثابة فرصة سانحة لإطلاقه بشكل متكامل، واستكمال أركان الاحتلال التركي وترسيخه اقتصادياً.

بشكل متزامن بين مناطق “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة”) في إدلب، ومناطق سيطرة الفصائل المسلحة التابعة لتركيا (“غصن الزيتون”، “درع الفرات”، “نبع السلام”) في الشمال والشمال الشرقي من سوريا، بدأت القوى التي تسيطر على هذه المناطق اعتماد الليرة التركية بدلاً عن الليرة السورية، بذريعة التدهور الأخير الذي أصاب العملة السورية، برغم تعافيها النسبي خلال اليومين الماضيين.

وأعلنت كل من “الحكومة المؤقتة” التي تنشط في مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، و”حكومة الإنقاذ” التي تقودها “جبهة النصرة” البدء بمشروع اعتماد الليرة التركية في التعاملات اليومية، وبدء ضخ الليرة التركية بشكل تدريجي في السوق، بالتزامن مع وصول شحنات من القطع التركي من الفئات الصغيرة إلى تلك المناطق.

وخلال السنوات الماضية، حافظت الليرة السورية على مكانة متقدمة في التعاملات اليومية للسوريين الذين يعيشون في تلك المناطق، رغم استمرار عمليات ضخ الليرة التركية سواء عن طريق الرواتب التي تدفعها تركيا للمقاتلين في الفصائل السورية التابعة لها، أو عن طريق دفع ثمن مواد يتم استجرارها من سوريا إلى تركيا بالعملة التركية، أبرزها الحبوب، في حين كانت “جبهة النصرة” تعتمد على الدولار في تنفيذ مجموعة كبيرة من معاملاتها إضافة إلى العملة السورية.

إدلب.. على خطى سابقاتها

زار وزير الداخلية التركي سليمان صويلو مناطق في ريف حلب في شهر أيار/مايو الماضي، ومحافظة إدلب قبل أسبوع. وبرغم من تقديم الزيارة على أنها “إنسانية”ن وتهدف إلى متابعة مناطق النازحين السوريين ودور الإيواء المؤقتة، إلا أنها حملت رسائل مباشرة بشأن تحويل ملف إدلب بشكل تدريجي إلى اهتمامات ومتابعات وزارة الداخلية التركية.

تم تحويل ملف مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” و”نبع السلام” إلى وزارة الداخلية  والبلديات التركية في خطوة تهدف إلى ترسيخ الاحتلال التركي.

وتطابق هذه الخطوة ما قامت به تركيا خلال الأعوام الماضية في مناطق “غصن الزيتون” و”درع الفرات” و”نبع السلام”، حيث تم تحويل ملف هذه المناطق إلى وزارة الداخلية، وكذلك إلى البلديات التركية، في خطوة تهدف إلى ترسيخ الاحتلال التركي.

وأقامت تركيا في تلك المناطق مجموعة كبيرة من الفروع التابعة للمؤسسات الحكومية التركية، من بينها فرع لمؤسسة “البريد” في مدينة جرابلس، بجانب فرض اللغة التركية لغة رسمية في المدارس التعليمية التي رفعت عليها الأعلام التركية، وتصدرت جدرانها صور الرئيس التركي رجب طيب إدروغان.

كذلك، قامت تركيا بإتباع مناطق في الشمال السوري إلى ولايات تركية بشكل مباشر، وقامت بتعيين “ولاة” ومدراء أمن وقيادات درك في كل من إعزاز وجرابلس ومارع.

وتتابع تركيا بشكل مستمر عمليات نقل جنود وآليات عسكرية إلى إدلب، وإقامة نقاط جديدة، ليصل عدد النقاط التركية حتى الآن إلى أكثر من 60 نقطة ينتشر فيها آلاف الجنود، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي بينها منظومات من طراز “MIMi-23 Hawk” أميركية الصنع.

ونشر حساب الرئاسة التركية على “تويتر” يوم الأربعاء الماضي تسجيلاً مصوراً حمل عنوان “لماذا إدلب مهمة بالنسبة لتركيا؟”، حيث أكد التسجيل إصرار تركيا على متابعة نشاطها في إدلب وتحويلها إلى “منطقة آمنة دائمة”.

ومنذ توقيع البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية “سوتشي” في الخامس من شهر آذار/مارس الماضي بعد معارك عنيفة بين الجيش السوري من جهة والجيش التركي والفصائل المسلحة من جهة أخرى، بدأت تركيا تنفيذ سلسلة من الإجراءات الميدانية والعسكرية تهدف إلى ترسيخ وجودها في إدلب التي تضم عشرات الفصائل “الجهادية”، عن طريق تلميع صورة “جبهة النصرة” القوة العسكرية الأكبر بين الفصائل “الجهادية” في إدلب وتوثيق علاقة أنقرة بها.

وألقت تركيا فشلها في تطبيق التزاماتها في فتح طريق “M4” الذي يصل اللاذقية بحلب عبر إدلب على جماعات “راديكالية” من دون أن تسميها، ضمن عمليات ضغط متواصلة تمارسها أنقرة لكسب المزيد من الوقت لترسيخ وجودها واستكمال عمليات الفرز وإعادة تشكيل الفصائل المسلحة على غرار مناطق “درع الفرات” و”غصن الزيتون” و”نبع السلام”، بالتزامن مع استمرار عمليات إرسال مقاتلين سوريين إلى ليبيا.

تتريك بالقمح

القمح أيضاً، بات وسيلة جديدة بدأت تركيا تتبعها لضمان ضخ الليرة التركية لاعتمادها في التعاملات اليومية في الشمال السوري، حيث أعلنت “مؤسسة الحبوب التركية” شراء كامل محصول الحبوب (قمح وشعير) في منطقتي تل أبيض ورأس العين، عن طريق افتتاح فرع للمؤسسة في الداخل السوري، على أن يتم دفع ثمن هذه المحاصيل بالليرة التركية.

وفي مدينة الراعي الحدودية مع تركيا، أعلنت الفصائل المسلحة عن البدء في استلام محصول العدس أيضاً لنقله إلى تركيا، على أن يتم دفع ثمنه هو الآخر بالليرة التركية.

وتتزامن الخطوة التركية الجديدة مع خطوة مشابهة تقوم بها “قسد” في الشرق السوري حيث منعت المزارعين من بيع محصولهم من القمح في مناطق سيطرتهم للحكومة السورية، وقامت بتحديد أسعار القمح بالدولار، الأمر الذي يمثل خطوة نحو “الدولرة” في الشرق السوري، ما يعزز بمجمله محاولات التقسيم السياسية بأدوات اقتصادية سواء في الشرق الذي تسيطر عليه “قسد” والولايات المتحدة الأميركية، أو الشمال الذي تسيطر عليه أنقرة وتحاول ترسيخ وجودها فيه مستغلة قرب تطبيق قانون العقوبات الأميركي الجديد (قيصر).

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  تفاهم الرياض وطهران ليس بديلاً لتفاهمات محلية
علاء حلبي

صحافي سوري

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  للفرحين بالعقوبات.. أصابتكم ولم تصب حزب الله