بين إيران وأميركا.. دول الخليج الحلقة الأضعف!

أثارت عملية اغتيال محسن فخري زاده، الذي اتهمت إيران اسرائيل بالوقوف وراءها، العديد من الأسئلة، أهمها كيف سترد طهران على مقتل شخصية رئيسية في برنامجها النووي. 

المتهورون في ايران يرسمون بالفعل صوراً مروّعة لهجمات الصواريخ على إسرائيل. ومع ذلك، وفي إطار المواجهة غير المتكافئة بين إيران والولايات المتحدة (يُنظر إلى إسرائيل في الجمهورية الإسلامية في المقام الأول على أنها أداة للسياسة الأميركية) لا يمكن أن تصبح اسرائيل هدفاً مباشراً للانتقام.

في المقابل، يمكن لطهران أن تعتبر كافة حلفاء الولايات المتحدة وشركائها أهدافاً محتملة. في هذه الحالة، فإن دول مجلس التعاون الخليجي هي الأكثر ضعفاً. وليس من قبيل الصدفة أن الإمارات، وبالرغم من كل الديناميات الإيجابية لعلاقاتها مع إسرائيل، سارعت إلى إدانة مقتل العالم النووي، ونأت بنفسها عن الإسرائيليين والأميركيين.

الإمارات العربية المتحدة لديها ما تخشاه. منذ مطلع الصيف الماضي، استأنفت إيران، من خلال وكلائها في منطقة الخليج العربي، الهجمات النشطة على البنية التحتية الاقتصادية لأقرب جيران الإمارات، أي السعودية.

كانت الأهداف الأساسية للهجمات هي منشآت إنتاج النفط ومعالجته. في تشرين الثاني/نوفمبر وحده، تم تنفيذ ثلاثة أعمال: قام الحوثيون اليمنيون المدعومون من إيران بتدمير البنية التحتية لمصفاة تكرير قيد الإنشاء في جازان (11 تشرين الثاني/نوفمبر) ونفذوا هجوماً صاروخياً على منشأة لتخزين النفط في جدة (23 تشرين الثاني/نوفمبر)، وألحقوا أضراراً (على الأرجح من خلال لغم بحري) بناقلة نفط  قرب مرفأ الشقيق (25 تشرين الثاني/نوفمبر).

بالرغم من الأضرار الطفيفة، كان الهدف من تلك الهجمات أن تكون طلقة تحذير، للدلالة على قدرة الحوثيين، بدعم إيراني، على إصابة أهداف في عمق شبه الجزيرة العربية.

كل هذا كان يهدف إلى التذكير بضربات العام الماضي على البنية التحتية النفطية لشركة “أرامكو” السعودية في بقيق وخريص، حين حُرمت الرياض، على مدى قصير، من القدرة على إنتاج ما يصل إلى 5.7 ملايين برميل يومياً.

لم يتم اختيار التوقيت عن طريق الصدفة: تكثفت الهجمات على خلفية اتصالات النشطة بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، فضلاً عن التكهنات بشأن الخطوات المحتملة المناهضة لإيران من جانب إدارة دونالد ترامب المنتهية ولايتها.

من خلال هذه الأساليب، تحاول طهران إجبار المملكة العربية السعودية، ومعها بعض دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، على رفض دعم الإجراءات المعادية لإيران من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل.

بالإضافة إلى ذلك، تُظهر إيران للأميركيين أن شركاءهم تحت تهديد السلاح. من الملفت للانتباه أن طهران تستخدم تكتيكات “إرهاب البنية التحتية”، فمنذ نهاية الحرب الإيرانية-العراقية وحتى عام 2019 تقريباً، اكتفت ايران بالتهديد بإيجاد مشاكل لتصدير النفط من الشرق الأوسط (مظهرة بشكل أساسي قدرتها على إغلاق مضيق هرمز). لم تستطع طهران ولم ترغب في تنفيذ هذه التهديدات عملياً أو مهاجمة البنية التحتية لجيرانها (وإن كان ذلك بالوكالة).

من ناحية أخرى، كان يتم تصدير النفط الإيراني عبر مضيق هرمز. وكان العديد من المشترين يهتمون باستدامة واردات الهيدروكربونات من الخليج العربي، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي، باعتبارها مستهلكاً كبيراً للنفط منذ الثمانينيات، تولت وظيفة حامي دول مجلس التعاون الخليجي.

حدثت التغييرات التي جعلت من الممكن إعادة النظر في هذا الوضع، كما هي الحال في كثير من الأحيان، بعيداً عن الشرق الأوسط: عصر النفط الصخري في الولايات المتحدة، والذي بدأ في العقد الأول من القرن الحالي لم يحول أميركا فقط إلى أحد مصدّري هذه المادة الخام، ولكن وأدى إلى فائض مستقر إلى حد ما في الأسواق العالمية.

كل ذلك جعل واشنطن تعيد النظر في التزاماتها تجاه شركائها في الخليج العربي، وبقية مستهلكي النفط، للتفاعل بشكل أقل إيلاماً مع الأزمات السياسية الناشئة في المنطقة.

بحلول عام 2018، لم يصب الذعر المستهلكين حين سمعوا عن صدمات الإنتاج الناجمة عن المخاطر السياسية في الشرق الأوسط، أو حتى خارجه.

الجدير بالذكر أنه في الفترة 2018-2019، لم يكن لعدم استقرار إنتاج النفط في ليبيا، ولا الاختفاء الفعلي لإيران وفنزويلا من السوق، تأثير دائم على الأسعار (في أحسن الأحوال، حالت هذه الأحداث دون حدوث مزيد من الانخفاض الحاد في الأسعار). حتى الهجوم على البنية التحتية لإنتاج النفط والتكرير في المملكة العربية السعودية لم يكن له سوى تأثير قصير المدى على السوق، على الرغم من أن كمية النفط التي فقدتها السوق بضربة واحدة لم يسبق لها مثيل تاريخيًا منذ عام 1973.

بعد اغتيال سليماني تبيّن للخليجيين أن الولايات المتحدة لديها “خط أحمر” لن تسمح للإيرانيين بعبوره. ومع ذلك، فإن هذا الخط الأحمر هو حياة مواطن أميركي، وليس سعوديًا أو أي شخص آخر في المنطقة

الملفت للانتباه، أنه بعد هجمات العام الماضي على منشآت “أرامكو السعودية” لم تمتنع السلطات الأميركية عن أية إجراءات انتقامية ضد إيران فحسب، بل حاولت أيضاً حث منتجي النفط على اقتناص اللحظة وزيادة حصتهم في السوق بسبب خسائر المملكة العربية السعودية.

إقرأ على موقع 180  إنتخاب رئيسي.. مُجدداً الأميركيون لم يتعلموا من أخطائهم!

في 20 أيلول/سبتمبر عام 2019، وفي تعليقه على الرد الأميركي المحتمل على الهجمات، قال رئيس الأركان العامة المشتركة في الولايات المتحدة جوزيف دانفورد أنه حتى الزيادة الكبيرة في عدد الجنود الأميركيين في الشرق الأوسط وتوفير أسلحة جديدة للسعودية لن يضمنا بشكل كامل أمن التحتية النفطية في الخليج. وأوضح أن الولايات المتحدة تحتفظ بالمسؤولية الأساسية عن حماية المنشآت النفطية السعودية في الرياض فحسب.

بعد هذا الرد المتواضع من واشنطن، شعرت دول مجلس التعاون الخليجي بالاحباط، حين اغتيال الأميركيون قائد قوة القدس في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني. مرد الاحباط هو أن الخطوة الأميركية جاءت لمجرّد مقتل مقاول مدني أميركي في هجوم صاروخي على قاعدة K-1 الجوية في محافظة كركوك من قبل أتباع إيران.

أظهر هذا لمجلس التعاون الخليجي أن الولايات المتحدة لديها “خط أحمر” لن تسمح للإيرانيين بعبوره. ومع ذلك، فإن هذا الخط الأحمر هو حياة مواطن أميركي، وليس سعوديًا أو أي شخص آخر في المنطقة.

بعبارة أخرى، لا يعني النهج الأميركي العدواني تجاه إيران بالضرورة استعداداً للدفاع عن دول مجلس التعاون الخليجي.

لقد حرر هذا النهج الأميركي أيدي إيران، ما جعل الملكيات العربية هدفاً مثالياً للانتقام والتلاعب. أدى الفائض النفطي، الذي ضاعفه التأثير السلبي لفيروس كورونا على الطلب، إلى انخفاض كبير في دخل أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ما أجبرهم على الكفاح من أجل حصص السوق في وقت لم يعد فيه العالم الخارجي مهتماً بأمن إمدادات النفط من المنطقة.

في هذه الحالة، فإن أي تهديد للبنية التحتية النفطية سيشعر به العرب بشكل مؤلم للغاية كتهديد كمصدر دخلهم الرئيسي. وجدت طهران نفسها في وضع أكثر فائدة. بالإضافة إلى حقيقة أنه بحلول عام 2020، كانت إيران تعمل بنشاط على تطوير البنية التحتية التي تسمح لإمدادات النفط بتجاوز مضيق هرمز، وبالتالي الالتفاق على العقوبات الأميركية، فقد أصبحت قادرة تماماً على ممارسة الضغط على الملكيات العربية، وإجبارها على احتواء أو على الأقل عدم دعم الأميركيين في تحرّكهم ضدها، مع إدراكها في الوقت ذاته ضرورة عدم تجاوز الخط الذي ستظل الولايات المتحدة مضطرة للتدخل بعده.

(*) نيكولاي كوزانوف – “كومرسانت”

Print Friendly, PDF & Email
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  نتنياهو يخوض حرب تغيير الشرق الأوسط.. من البوابة اللبنانية!