الشرق الأوسط “المزعج” لأوباما: داعش عاصفة في فنجان! (5)

Avatar18018/01/2021
في هذه الحلقة، وهي الخامسة، من كتاب “أميركا القيم والمصلحة، نصف قرن من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط”، يقارب سفير لبنان الأسبق في واشنطن الدكتور عبدالله بوحبيب، نظرة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى عدد من ملفات الشرق الأوسط، وفي صلبها نظرته إلى سيطرة تنظيم داعش على أجزاء من أراضي العراق وسوريا في العام 2014.

«هذه هي لحظة التجاوب مع الدعوة الى فجر جديد في الشرق الاوسط».

كان هذا المرشح الديموقراطي، باراك اوباما، مخاطباً جمهوراً المانياً في برلين بلغ مئتي الف شخص صيف 2008 خلال حملة الانتخابات الرئاسية الاميركية.

شبّ اوباما في منطقة حوض المحيط الباسيفيكي ما بين ولايتي هاوي وواشنطن، مع جدّيه لوالدته، وقضى اربع سنوات من طفولته في اندونيسيا. اراد تحويل انتباه اميركا الى منطقة محيط الباسيفيكي، الى آسيا التي تمثل له المستقبل. افريقيا واميركا اللاتينية، في نظره، يستحقان اهتماماً اميركياً اكبر بكثير مما تتلقاه حالياً. اوروبا مصدر الاستقرار العالمي، لكنها ويا للاسف لا تتحرّك في كثير من الاحيان من دون قيادة اميركية. كان ذلك يزعجه. اما الشرق الاوسط فهو منطقة يجب تجنبها. ستكون قريباً – والفضل لثورة الطاقة في الولايات المتحدة – دون اهمية بالنسبة الى الاقتصاد الاميركي.

رغم نظرته هذه الى الوضع الدولي، قضت ادارة اوباما وقتاً طويلاً في معالجة القضايا التقليدية للشرق الاوسط، وتلك التي برزت خلال ثماني سنوات من اقامته في البيت الابيض. ما كان يمتعض منه انه كلما اراد صرف تركيزه عن الشرق الاوسط، تقع فيه احداث تلزمه العودة الى مشاكله.

في بداية عهده ظن ان في امكانه المساعدة في تغيير الصورة المزعجة عن الشرق الاوسط في العالم. كان يطمح الى اقناع المسلمين بدرس جذور التعاسة عندهم وتقييمها. اراد اثارة حوار يمكن ان يخلق مساحة للمسلمين لمعالجة المشاكل الحقيقية التي يواجهونها. مشاكل الحوكمة. لكنه فشل في تحقيق ذلك لأن الانظمة العربية ترى التغيير يضر بمصالحها.

في لقاءات خاصة مع قادة العالم، شدّد اوباما على «ان لا حل شاملاً للارهاب الاسلامي حتى يتصالح الاسلام مع الحداثة، ويخضع لبعض الاصلاحات التي غيّرت المسيحية قبل قرون».

بيبي.. نعم أنا أفهم

يذكر الصحافي الأميركي جيفري غولدبرغ في مقاله عن السياسة الخارجية للرئيس أوباما (نشرها في مجلة “الأطلنتيك”) ان ليون بانيتا، وزير الدفاع في الولاية الثانية، كشف له عن تساؤل اوباما مرة عن السبب الكامن «في محافظة الولايات المتحدة على ما يعرف بالتفوق العسكري النوعي لاسرائيل، الذي يمنحها الحصول على انظمة اسلحة اكثر تطوراً من تلك التي يتلقاها حلفاء اميركا العرب». اضاف بانيتا: «تساءل الرئيس اوباما ايضاً وبقساوة في كثير من الاحيان عن الدور الذي يلعبه حلفاء اميركا المسلمون السنّة العرب في اثارة الارهاب المناهض للولايات المتحدة».

من الواضح ان الرئيس الاميركي كان ينزعج ويغضب من ان السياسة الخارجية التقليدية تدفعه الى التعامل مع السعودية كحليف. قرّر في وقت مبكر من ولايته الاولى، رغم الانتقادات الكبيرة والقاسية، التواصل مع عدو اميركا اللدود في الشرق الاوسط ايران. اثبت الاتفاق النووي الذي ابرمه معها انه لا يكره المخاطرة. راهن على الامن الدولي وإرثه الخاص، على ان احدى كبرى الدول الراعية للارهاب في العالم سوف تلتزم اتفاق الحد من برنامجها النووي.

بدا متفائلاً باندلاع الربيع العربي في اواخر عام 2010. راح يتحدث عن مستقبل مشرق للشرق الاوسط. اقترب في موقفه هذا من تبنّي ما يسمى «اجندة الحرّية» لسلفه جورج بوش الابن، المرتكزة على زرع القيم الديموقراطية في الشرق الاوسط. ساوى اوباما بين المتظاهرين في تونس وميدان التحرير في القاهرة وبين تظاهرات الاستقلال في بوسطن قبل اكثر من قرنين من الزمن. لكن امله خاب عندما تخلى الربيع العربي عن وعوده التي ظهرت في البداية، وعاد العنف والوحشية يجتاحان الشرق الاوسط.

الا ان خيبة امله في قادة الشرق الاوسط انفسهم كانت اكبر، وخصوصاً حيال ما يتعلق ببنيامين نتنياهو. اعتقد اوباما ان في امكان نتنياهو تحقيق حل الدولتين الذي من شأنه حماية وضع اسرائيل كبلد ديموقراطي ذي غالبية يهودية، لكنه كان متخاذلاً جداً وضعيفاً سياسياً للقيام بذلك. لم يكن لدى اوباما الكثير من الصبر على نتنياهو وسواه من قادة الشرق الاوسط الذين شككوا في فهمه المنطقة.

في احد اجتماعاته معه، اطلق رئيس الوزراء الاسرائيلي نوعاً من المحاضرة حول المخاطر الوحشية في المنطقة التي يعيش فيها، ما اشعر الرئيس الاميركي بأن محدّثه يتكلم بغرور وغطرسة، ويتجنّب الخوض في موضوع مفاوضات السلام. قاطعه اوباما قائلاً: «بيبي (كنية بنيامين)، عليك ان تفهم شيئاً. انا اميركي من اصل افريقي وأم عزباء، وانا اعيش هنا في هذا البيت. اعيش في البيت الأبيض لأنني تمكنت من ان أُنتخب رئيساً للولايات المتحدة. انت تعتقد انني لا افهم في ما تتحدث عنه؟ نعم انني افهم».

احبطه بشدة كذلك قادة آخرون في الشرق الاوسط. في اول عهده، رأى في الرئيس التركي رجب طيب اردوغان قائداً مسلماً معتدلاً من شأنه سد الفجوة بين الشرق والغرب. الا انه بات يعتبره لاحقاً فاشلاً وغير ديموقراطي.

على هامش قمة حلف الاطلسي في بريطانيا عام 2014، انفرد بملك الاردن عبدالله الثاني، الحليف المعتمد على الولايات المتحدة دائماً، وقال له انه سمع عن تشكيكه امام اصدقائه في الكونغرس في قيادة الرئيس الاميركي لبلاده. وقال موجهاً كلامه اليه: «اذا كانت لديك شكاوى، عليك ان ترفعها مباشرة اليّ».

طبعاً نفى الملك الخبر.

داعش.. عاصفة في فنجان

بعد انهيار الربيع العربي، اصبحت رؤية اوباما قاتمة بازاء ما يمكن الولايات المتحدة تحقيقه في الشرق الاوسط. جعله فشل الربيع العربي يدرك المدى الذي يمكن الفوضى ان تبعد الشعوب والدول عن اولوياتها الاساسية. نقل غولدبرغ عن جون برينان، مستشار الرئيس لمكافحة الارهاب في ولايته الاولى ومدير وكالة الاستخبارات المركزية في الثانية، قوله له: «اعترف الرئيس خلال فترة الربيع العربي بأن الشرق الاوسط يستهلك الوقت الطويل من ادارته». من دون اي نتيجة ايجابية. كذلك، بات مقتنعاً بأن الشرق الاوسط لا يُصّدر النفط فحسب، انما ايضاً الارهاب. لذلك من الصعب لأي قوة ان تصلحه او ان تساعد بلدانه في الوصول الى الاستقرار».

فوجىء الرئيس الاميركي باحتلال تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) شمال العراق. احد التقارير الاستخبارية التي قرأ وقتذاك وصف قوة داعش بأنها «عاصفة في فنجان». لم تتوقع واشنطن تمكن التنظيم المتطرّف من احتلال شمال العراق من دون اي مقاومة، والاستيلاء على معدات اميركية كانت في حوزة الجيش العراقي الذي انهار إما بسبب الخيانة او انعدام جهوزيته. فوجىء وكبار المسؤولين الاميركيين بالانهيار السريع للجيش العراقي، مع ان الانقسام المذهبي في الجيش لم يفاجئهم وكانوا يدركون مدى تأثير الوضع الحكومي المذهبي على وحدة القوات العراقية المسلحة (…).

إقرأ على موقع 180  لبنان في قلب "حرب السفن".. و"الأحضان"!

لم يكن أوباما متحمساً لارسال قوات بلاده لمحاربة تنظيم داعش عندما احتل شمال العراق. تم الانسحاب الاميركي من العراق في اواخر عام 2011، بحسب الاتفاق الذي ابرمه عام 2008 سلفه بوش الابن ورئيس حكومة العراق نوري المالكي. حاول اوباما تعديله لابقاء عشرة آلاف جندي اميركي في العراق، الا ان الحكومة العراقية رفضت العرض. افصح السياسي العراقي احمد الجلبي عن ذلك قبل اسابيع من الاعلان الرسمي، في ندوة في «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية» في بيروت في 25 ايلول/ سبتمبر 2011. بدا سعيداً وفخوراً لان العراق سيكون محرّراً من الوجود العسكري الاجنبي.

كان تنظيم الدولة الاسلامية في العراق احتل عام 2007 جزءاً كبيراً من شمال ذلك البلد، ما حمل بوش الابن على ارسال امدادات عسكرية، نجحت في استعادة الشمال وتسليمه الى القوات العراقية. اصبح نشاط الدولة الاسلامية بعد ذلك سرّياً، وانتقل الى سوريا بعد انطلاق الحرب الداخلية فيها عام 2011، واستولى على قرى ومدن في الشمال الشرقي منها، المنطقة المحاذية لشمال العراق، وسيطر على مدينة الرقة السورية، واتخذها عاصمة له ومنطلقاً لاستعادة سيطرته على شمال العراق. اصبح بعد ذلك «الدولة الاسلامية في العراق والشام»، او داعش.

كان العراق خالياً من القوات الاميركية والدولية التي دخلت اليه عام 2003، عندما احتل داعش شماله في حزيران/ يونيو 2014 واستولى عليه كاملاً. طبعاً، كانت انظمة الشرق الاوسط تتوقع عودة اميركية سريعة، مشابهة لما قام به بوش الابن عام 2007 للقضاء على التنظيم. لكن اوباما تمهل في اتخاذ القرار. سببان على الاقل لرفضه ارسال قوات اميركية الى العراق:

أولهما، اعتباره ان على القوات العراقية تحرير اراضي بلادها. سبق ان تولت القوات الاميركية التحرير وخرجت، الا ان داعش عاد قوياً.

ثانيهما، تمشياً مع فلسفته في ادارة الحكم ونظرته الى الشرق الاوسط، لم يرَ الرئيس تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام (داعش) يشكل تهديداً وجودياً للولايات المتحدة او ايّ من حلفائها في المنطقة او في اوروبا. لذا، لم يجد حاجة الى ارسال قوات اميركية لمحاربته وتحرير شمال العراق.

اجرت الادارة الاميركية محادثات اقليمية، ومع الزعامات العراقية المختلفة، اصر بعدها الاميركيون على اجراء تغيير في رئاسة الحكومة، وتشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة لكل شرائح المجتمع. كان ذلك ايضاً مطلباً دولياً واقليمياً. بعد رفض دام اسابيع، قبل المالكي بالتخلي عن رئاسة الحكومة في آب/ أغسطس 2014 نتيجة تلك الضغوط الدولية الكبيرة، وتولى حيدر العبادي تأليف حكومة عراقية جامعة في ايلول/ سبتمبر.

اتفقت واشنطن مع الحكومة العراقية الجديدة على ان تساعدها في اعادة تدريب القوات المسلحة، وتعزيز ذلك بحوالى الف جندي اميركي، الى توفير المعدات اللازمة والذخيرة، ودعم القوات الجوية الاميركية والحليفة – اوروبية وعربية – الجيش العراقي في حربه على داعش. اعتبر اوباما القضاء عليه يستغرق حوالى ثلاث سنوات نظراً الى حاجة الجيش العراقي الى تدريب واستكمال جهوزية يتطلب بدوره وقتاً طويلاً. وصل عديد القوات الاميركية في العراق الى نحو 3500 عند انتهاء عهد اوباما في 20 كانون الثاني/ يناير 2017.

من ناحية اخرى، لاحظ الاميركيون ان وجود داعش في سوريا شكّل مصدر امداد لمقاتليه في العراق، ما يعني ان التغلب عليه في العراق يحتّم محاربته في سوريا. كان عليهم عندئذ فتح جبهة جديدة من خلالها. نجحوا بعد محاولات عسيرة في ارساء حلف بين اكراد شمال سوريا والقبائل العربية السنّية في تلك المنطقة. لم يكن الحلف متوازناً. المقاتلون الاكراد اكثر عدداً وتنظيماً. بينما كانت القبائل العربية السورية تهدف الى هزم داعش، راح الاكراد السوريون يعملون على اقامة دولة مستقلة وإلا فمنطقة حكم ذاتي. لم يدم الحلف طويلاً وسيطرت القوات الكردية، التي عرفت لاحقاً بقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، على المنطقة بمساعدة جوية وبرية اميركية. بات الاميركيون يرون الاكراد السوريين حلفاء لهم، خصوصاً وان العرب الذين درّبتهم المخابرات الاميركية في الاردن لم يصمدوا الى جانبهم طويلاً، وإنضم القسم الاكبر منهم الى المنظمات الإسلامية المتطرّفة.

سقوط داعش

حرّر الجيش العراقي الموصل، العاصمة العراقية لداعش، بمساعدة اميركية جوية في تموز/ يوليو 2017،أي بعد  ثلاث سنوات وثلاثة أسابيع من احتلالها. حاول اوباما اتمام التحرير قبل انتهاء عهده، لكنه لم يفلح. حرّرت قوات سوريا الديموقراطية، اي الميليشيا الكردية، بمساعدة اميركية جوية وبرّية، مدينة الرقة، العاصمة السورية لداعش في تشرين الاول/ أكتوبر 2017. وكانت سقطت في يد المعارضة السورية المسلحة عام 2013.

لا بد من التنويه ان لايران دوراً اساسياً في التغلب على داعش. مدت الاكراد العراقيين بالسلاح، بينما تقاعست في البداية واشنطن واوروبا حينما كان التنظيم المتطرّف في اوج قوته يتوسع شرقاً وفي اتجاه الاقليم الكردي. ساعدت ايران في اعداد وتدريب وتسليح قوات الحشد الشعبي الشيعية العراقية التي كان لها دور مهم في تحرير العراق من داعش.

اعتبر كثيرون في مؤسسات السياسة الخارجية في واشنطن ان معالجة الرئيس الاميركي مشاكل العراق وسوريا يُعجل في التراجع الاميركي عن الشرق الاوسط. يورد جيفري غولدبرغ ان نائب مستشار الامن القومي بن رودز قال له: «للرئيس اوباما وجهة نظر معاكسة لذلك. وهي أن التوسّع المفرط في الشرق الاوسط سيضر في نهاية المطاف باقتصادنا، ويضر بقدرتنا على البحث عن فرص اخرى والتعامل مع التحديات الاخرى في الشرق الاوسط وحول العالم. الاهم، انه يعرّض حياة رجال القوات العسكرية الاميركية ونسائها للخطر لاسباب ليست في مصلحة الامن القومي الاميركي مباشرة، ولا في مصلحة حلفائنا واصدقائنا في تلك المنطقة».

اضاف رودز، منتقداً مواقف مؤسسات السياسة الخارجية في واشنطن: «لدى السعوديين والاماراتيين اقوى اساليب الضغط فعالية في واشنطن. ما اريد قوله انهم مسؤولون عن تسويق صورة الضعيف للرئيس اوباما في تعاطيه مع الشرق الاوسط. لقد وضعونا في الحضيض في هذه المدينة».

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  هل ينهي "كورونا" حكم اردوغان؟