إسرائيل إلى أيام قتالية، تصعيد أم حرب مع لبنان؟

يزداد الحديث في إسرائيل، بأن ما يقوم به جيشها على جبهة الشمال مع لبنان لن يؤدي إلى القضاء على حزب الله، برغم الإشادات التي تتلقاها المؤسسة العسكرية والأمنية عما تم انجازه من سنة ونيف حتى الآن؛ بدليل قلب قواعد الردع على الجبهة الشمالية رأساً على عقب، وتوفير مناخ آمن لعودة سكان الشمال، الذين عاد منهم، إلى الآن، ما يزيد عن 70%، وينتظر أن تعود البقية الباقية في حد أقصاه مطلع العام الجديد.

من هذه الزاوية، يتكرر السؤال: هل ما تقوم به إسرائيل يشي بتحقيق الأهداف أم تذهب نحو تصعيد متدحرج يتحول إلى أيام قتالية قابلة لأن تتحول إلى حرب بكل معنى الكلمة؟

يقول المراسل العسكري لصحيفة “معاريف”، آفي أشكينازي، إن “الاستخبارات الإسرائيلية تملك رؤية شبه كاملة بشأن نشاط حزب الله، إذ أصبح الحزب شفافاً أمامها. وإن وقف إطلاق النار في غزة يمنح إسرائيل إمكان تحويل مواردها العسكرية والاستخبارية إلى الجبهة الشمالية، وزيادة وتيرة الضربات الجوية ضد أهداف لبنانية، مع تشديد الرقابة على تنفيذ التفاهمات الأمنية مع الحكومة اللبنانية”. ويضيف الكاتب “حالياً، حزب الله محشور في الزاوية، وظهره إلى الحائط؛ فمن جهة، تعمل الحكومة اللبنانية، برعاية أميركية، على نزع سلاحه، ومن جهة أُخرى، وضعه يتدهور وسط الرأي العام اللبناني، بما في ذلك داخل الطائفة الشيعية نفسها”، ويشير إلى “الانخفاض الحاد في أسعار الشقق في ضاحية بيروت (الجنوبية)، خوفاً من أن يعاود الجيش الإسرائيلي مهاجمة حزب الله في معقله هناك”.

ويناقض أشكينازي في نهاية مقالته نفسه، في مسألة تقييمه لحزب الله، بقوله “تدرك المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أن حزب الله يمكن أن يقدم على خطوة تهزّ المنطقة كلها وتقوّض النظام الذي تحاول الولايات المتحدة بناءه هنا؛ فربما يحاول مهاجمة خط المواقع في مزارع شبعا (جبل دوف)، أو السعي لاحتلال بلدات كأفيفيم أو يرؤون أو حنيتا، أو تنفيذ إطلاق صواريخ نحو العمق الإسرائيلي، وخصوصاً ضد منشآت استراتيجية”.

“الكذبة اللبنانية”

بدوره، مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، ورئيس جهاز الاستخبارات (أمَان) الأسبق، تامير هايمان، وفي مقالة له، في موقع قناة “N12″، يشيد بما تقوم به السلطة اللبنانية من أجل نزع سلاح حزب الله، بحيث “أن القيادة اللبنانية توفّر، فعلياً، فرصة تاريخية لإسرائيل. الرئيس جوزاف عون ورئيس الحكومة نواف سلام هما شخصيتان تاريخيتان، وهما أول مَن يعلن، بصراحة، عن الرغبة في نزع سلاح حزب الله. وهما يحثّان الجيش اللبناني على تقديم خطة عملية للتنفيذ. يحدث هذا، إلى حد كبير، بفضل ضُعف حزب الله الناجم عن إنجازات الجيش الإسرائيلي”. وسرعان ما يستدرك الكاتب، ويشير إلى ما يفرمل هذه الرغبة عند السلطة اللبنانية، بقوله “تخيّم فوق هذه الرغبة تهديدات حقيقية تمسّ وجود لبنان نفسه. إنه تهديد خطِر، وفي ضوئه، تحدَّد جميع نشاطات الدولة؛ طبعاً، المقصود هنا الحرب الأهلية. فالصدمة التاريخية التي دمرت لبنان من الأساس، والمأساة التي يكفي مجرد خطرٍ ضئيل لاحتمال تكرارها لردع أيّ تحرُّك، تجعلان أي خطوة محفوفة بالمخاطر. لذلك، نسمع تصريحات بارزة، لكن صفراً من الأفعال على الأرض. فكل احتكاك بحزب الله يُعتبر خطراً استراتيجياً”.

ويخلص الجنرال الإسرائيلي إلى أنه “سيفوت الوقت، وتنكشف الكذبة اللبنانية أمام الواقع. سيعود الوضع السابق، ويبقى حزب الله مسلحاً، لكنه لن يطيح حكومة لبنان، وتبقى بقية الأطراف في توازُن قائم على تسويات من تحت الطاولة، من دون حكومة فاعلة. هذا “النظام” سيصبح مجدداً الكذبة المنظّمة للبنان، وستتلاشى الفرصة التاريخية في تغيير الواقع، وإلى غير رجعة”.

تقاطع خطوط.. غير كافٍ

في الواقع، إسرائيل تعمل على خطّين؛ الأول؛ يتمثل في ممارسة “حرية الحركة” في لبنان، وهو ما يُعرف بـ”التعقب الساخن”، وزادت في الأسبوع الأخير من وتيرة الاستهداف، والهدف، كما يقول رئيس حكومتها، بنيامين نتنياهو، “إحباط التهديدات وهي في طور التشكُل” أو استناداً لما صرح به نتنياهو قبلاً “نحن نضرب حزب الله كلما رفع رأسه”. “التعقب الساخن” القائم في لبنان منذ توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في 27 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، تُنفذه إسرائيل بإشراف أميركي مباشر. الثاني؛ يرتكز على ما تقوم به الحكومة اللبنانية، سواء بما أصدرت من قرارات في جلستي 5 و7 آب/أغسطس الماضي، لجهة حصرية السلاح بيد الأجهزة العسكرية والأمنية اللبنانية، أو بما يقوم به الجيش اللبناني من إجراءات عملانية جنوب الليطاني، تنفيذاً للخطة التي وضعها بتكليف من الحكومة اللبنانية.

هذان الخطّان تواكبهما “بروباغندا” إعلامية مكثفة وحركة موفدين عرب وأجانب، تندرج في خانة التهويل والتهليل لحرب مفتوحة على لبنان، على وقع المناورة التي أجراها الجيش الإسرائيلي مؤخراً في الشمال، والتي تحاكي خطة تجدد الحرب مع لبنان إذا لم يقدم حزب الله على تسليم سلاحه. ويقول الكاتب في “يديعوت” حاييم غولوفنيتش إن الترابط بين جبهتي لبنان وغزة “لم يكن يوماً أكثر إحكاماً مما هو عليه الآن. والفشل في نزع سلاح حزب الله سيُربك المشهد ويقضي نهائياً تقريباً على فرصة تنفيذ خطوة مشابهة في غزة”.

أي نموذج تتبع إسرائيل؟

وثمة قناعة عند جهات ديبلوماسية أنه إذا كانت إسرائيل لا تملك زحدها حق اتخاذ القرار السياسي والعسكري في المدى الحيوي لأمنها القومي في الضفة وقطاع غزة، فهل يدها مطلقة لكي تشن الحرب ضد لبنان وألا يُمكن أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصالح الولايات المتحدة في لبنان والشرق الأوسط؟

إقرأ على موقع 180  ديفيد هيل يُهادن حزب الله ويُعوّم سلامة.. وأولويته الجيش

 ثمة فوهة أمل بأن لا تتدحرج الأمور إلى حرب مفتوحة مع لبنان، لأسباب تتعلق باستحالة تحقيق الأهداف، وعدم تقبل العالم لإبادة أخرى في لبنان، والرغبة الاسرائيلية بعدم معاودة أزمة سكان الشمال. أضف إليها تساؤل موضوعي في معرض تبادل “النمذجة” بين غزة ولبنان، لماذا دائماً الحديث عن نقل نموذج غزة “الإبادي” إلى لبنان؟ وليس ثمة حديث عن نقل نموذج غزة لجهة احتفاظ حركة “حماس” بالسلاح برغم الدخول في المرحلة الثانية من خطة “ترامب” وسط إصرار أميركي على نجاح الخطة رغماً عن أنف نتنياهو وحكومته المتطرفة. ولماذا لا يرى “المطبلون” للحرب، بأن الإسرائيليين باتوا على قناعة بأن من لم يستطع نزع سلاح “حماس” بعد سنتين متواصلتين من الإبادة الإنسانية بأبشع أشكالها، لن يستطيع نزع سلاح حزب الله؟

رداً على هؤلاء يقول مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تامير هايمان: “إن حزب الله، في جوهره، تنظيم مقاوم، وغايته الأساسية الصراع والمواجهة. لذلك، إن فكرة أنه يمكن أن يوجد الحزب من دون سلاح تمثل تناقضاً داخلياً ومفارقة مستحيلة”.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  إيران.. هل هو الحجاب ونقطة على السطر؟