باريس مرتاحة لإدارة بايدن: التحاور مع طهران نووياً والتضييق عليها سورياً
French President's councellor Emmanuel Macron talks on a mobile phone as he arrives to attend a meeting at the OECD headquarters in Paris on October 29, 2012. AFP PHOTO POOL BERTRAND LANGLOIS (Photo credit should read BERTRAND LANGLOIS/AFP via Getty Images)

مضى حوالي الشهر على دخول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض. فما هو تقويم باريس الأولي لمسار العلاقات الفرنسية – الأميركية بعد تسلم الإدارة الديمقراطية الجديدة مهامها الرسمية؟ وما هي مقاربات الجانبين لملفات إيران وسوريا ولبنان؟

“الإرتياح” سمة ظاهرة يُعبّر عنها المعنيون بملف العلاقات الفرنسية – الأميركية، برغم القلق الظاهر إزاء إحتمال زيادة المخاطر على صعيد الوضع الجيوسياسي الدولي وحال عدم الاستقرار على الصعيد الاستراتيجي بفعل اغتنام بعض القوى الدولية (روسيا) والإقليمية (تركيا) رغبة الولايات المتحدة بفك ارتباطها بالازمات الخارجية عموماً إضافة الى  تفاعل الازمتين الصحية (كوفيدـ19) والاقتصادية اللتين تعصفان بالعالم كله.

وبرغم التوجه الاوروبي عموماً والفرنسي خصوصاً نحو تعزيز عملية بناء السيادة الاوروبية المشتركة، إقتصادياً وصحياً وتكنولوجياً وعسكرياً، فان باريس تسعى الى تفعيل الشراكة الاستراتيجية مع واشنطن خصوصا بعد خروج دونالد ترامب ووصول جو بايدن إلى البيت الأبيض. ما يُشجع على هذا التوجه الفرنسي هو “التغيير الجذري”الذي طرأ على صعيد التعامل الثنائي مع الولايات المتحدة، أكان لجهة “المعرفة الشخصية” بالمعنيين بالملفات الخارجية وسهولة التواصل معهم او على صعيد “التناغم الفكري” حيال عدد كبير من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الحليفين القديمين الفرنسي – الاميركي.

وتأخذ باريس في الاعتبار ان تجدد إهتمام إدارة بايدن بالحليف الاوروبي وتعزيز العلاقات مع دول الاتحاد، بعكس سياسة ادارة ترامب القائمة على شعار “أميركا أولاً”، لا يعني تخلي بايدن عن التوجه الاستراتيجي لاستعادة الولايات المتحدة “دورها الريادي والقيادي” في العالم.

ولكن بعيداً عن تدعيم الشراكة الاطلسية بين الشريكين الاوروبي والاميركي وتعزيز التعاون بينهما على صعيد القضايا الحيوية الدولية (المناخ، التجارة الدولية، العلاقات مع الصين.. إلخ)، ما هي الحال بالنسبة إلى الأزمات التي تهم منطقة الشرق الاوسط وشعوبها؟

أولاً، الملف الايراني، ويأتي في أولويات الإهتمام الاميركي – الفرنسي على الصعيد الإقليمي. وبرغم فشل محاولة جلوس الإيرانيين والأميركيين حول طاولة (5+1) حتى الآن، يبدو ان هناك “ارادة جدية” في “ايجاد طريق” توصل الى مخرج للازمة المحيطة بالاتفاق النووي مع طهران “الذي ابقي قيد التنفس الاصطناعي لمدة اربعة اعوام”. ولا تخفي الاوساط المطلعة على مجريات هذا الملف ان هناك “تجاذبات وعقبات داخلية ومواقف مترددة” في كل من واشنطن وطهران ينبغي تجاوزها. والسؤال المطروح هل سيكون بالامكان رسم هذا الطريق قبل الانتخابات الايرانية المقبلة في حزيران/يونيو المقبل أم لا؟.

اذا كانت القوى الغربية تسلم بالوجود العسكري الروسي في سوريا، الا انها تريد الحد من الوجود الايراني وجعله يقتصر على تقديم الدعم للنظام عبر خبراء ومستشارين ومساعدات لوجستية إيرانية. وبذلك يتم التضييق على النفوذ الايراني غربياً واحتوائه روسياً

في غضون ذلك، يبدو ان باريس لا ترغب في لعب “دور منفرد” كوسيط بين واشنطن وطهران، بل تفضل ان يتم هذا العمل عبر”تحرك ثلاثي فرنسي – الماني – بريطاني”. وهي ترى ان مثل هذا التحرك الثلاثي الموحد يمتلك “قوة اقناع”، ومن شأنه أيضاً ان يحمل رسالة حازمة إلى طهران للحؤول دون الذهاب في التصعيد، وفي الوقت نفسه تقديم مشورة ونصائح إلى واشنطن لايجاد الطريق الملائم للتوصل الى اتفاق جديد.

في السياق ذاته، ترددت معلومات أن مفاوضات بعيدةً عن الأضواء حصل بين الاميركيين والايرانيين فور صدور نتائج الإنتخابات الرئاسية الأميركية، أي أن بايدن لم ينتظر موعد تسلمه مهامه رسميا. وحسب المعلومات إياها، حصلت هذه المفاوضات في مدينة اوروبية وقد تحققت خلالها اكثر من خطوة متقدمة بين الجانبين، علما ان هذا الحوار بين الجانبين انطلق من عند المرحلة الاخيرة التي كان بلغها الاتفاق النووي قبل دخول ترامب الى البيت الأبيض، أي من لحظة إنتهاء ولاية الرئيس الأسبق باراك أوباما.

ثانياً، الملف السوري، وقد رأت فيه أوساط فرنسية “مثالاً وترجمة لعدم الاستقرار وحالة الفوضى الدولية”. هذا الوضع سمح لدول الجوار السوري “بالتدخل في الأزمة السورية وصب الزيت على النار”، واعترفت بان غياب الحضور الاوروبي الفاعل على الارض “لم يمكن دول الاتحاد من اثبات كلمتها ولا من دفع الولايات المتحدة الى وضع ثقلها في الميزان من اجل تحقيق ميزان للقوى يساعد على الذهاب نحو الحل السياسي”.

واشارت الأوساط الفرنسية الى ان هذا الملف لا يتصدر اولويات الادارة الاميركية الحالية، الا ان الاخيرة تلقت رسالتين من نظيرتها الفرنسية يتمحوران حول الآتي: رسالة اولى مفادها أنه ينبغي عدم التغاضي عن عودة  تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) من خلال اعادة تنظيم صفوفه في غرب العراق وشرق سوريا (البادية) وبالتالي ضرورة الابقاء على حضور قوات التحالف الضاغط في كل من سوريا والعراق. الرسالة الثانية، مفادها أن جميع الفرقاء على الارض في سوريا باتوا منهكين، وان روسيا وان تمكنت من احراز نجاح عسكري الا انها لم تتمكن من تحقيق الاستقرار السياسي.

 لذلك فان الاوساط الفرنسية ترى انه ينبغي اغتنام هذه الفرصة للجلوس حول الطاولة (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الاوروبي وبعض دول المنطقة المعنية) وذلك من اجل خوض “مفاوضات اكثر جدية وفاعلية” من تلك التي تتم في جنيف وتتمحور حول المرحلة الإنتقالية، ربطاً بموعد الإنتخابات الرئاسية السورية في ايار/ مايو المقبل.

إقرأ على موقع 180  تداعيات غزة.. إعادة إحياء القضية الفلسطينية

وفي خط مواز لهذا التحرك الديبلوماسي، وصلت معلومات الى باريس ان  الادارة الاميركية الجديدة رسمت قواعد للاشتباك في سوريا مع خطوط حمراء، وخلاصتها وضع الحدود السورية المشتركة مع كل من اسرائيل والعراق بعيداً عن نفوذ ايران وحلفائها. هذا التوجه الاميركي يحظى بدعم اوروبي وتفهم روسي. واذا كانت القوى الغربية تسلم بالوجود العسكري الروسي في سوريا، الا انها تريد الحد من الوجود الايراني وجعله يقتصر على تقديم الدعم للنظام عبر خبراء ومستشارين ومساعدات لوجستية إيرانية. وبذلك يتم التضييق على النفوذ الايراني غربياً واحتوائه روسياً.

كشفت هذه الاوساط الفرنسية ان واشنطن تراجعت الى حد ما عن توجهات ادارة ترامب السابقة التي كانت تراودها مشاريع “لقلب الطاولة اللبنانية من خلال ترك هذا البلد يسقط في حال من الانهيار الكامل بشكل يتم معه التخلص من هيمنة حزب الله وتسلطه على الوضع الداخلي”

ثالثاً، الملف اللبناني. تشير الاوساط الفرنسية الى ان الادارة الاميركية الجديدة تُفرّق في توجهاتها لبنانياً بين نظرتين، الاولى، تتعلق بالموقف من حزب الله والثانية تتعلق بالازمة اللبنانية بشكل عام.

بالنسبة إلى حزب االله، فان النظرة الاميركية حياله لم تتغير عن الادارة السابقة وان أصبحت اقل تصلباً، ولكن من دون أي تفريق بين الجناحين العسكري والسياسي.

اما بالنسبة الى الأزمة اللبنانية الحالية المتعددة الوجوه، فان الامر الذي تغير هو “التأييد الواضح والصريح” من قبل ادارة بايدن للتحرك الفرنسي الذي بادر اليه الرئيس ايمانويل ماكرون منذ اكثر من ستة اشهر، أي غداة إنفجار مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020.

وكشفت هذه الاوساط الفرنسية ان واشنطن تراجعت الى حد ما عن توجهات ادارة ترامب السابقة التي كانت تراودها مشاريع “لقلب الطاولة اللبنانية من خلال ترك هذا البلد يسقط في حال من الانهيار الكامل بشكل يتم معه التخلص من هيمنة حزب الله وتسلطه على الوضع الداخلي”، ويبدو ان بعض الدول الخليجية (السعودية والامارات تحديداً) “كانت تحبذ الخيار الترامبي”.

وتقوم الاستراتيجية الفرنسية الحالية المدعومة اميركيا حيال لبنان على تفعيل مؤسسات الدولة اللبنانية من خلال المباشرة بتنفيذ الاصلاحات الاساسية المطلوبة في مختلف القطاعات الحيوية على اساس ان ذلك هو “الطريق الأصلح والافضل لتعزيز سيادة الدولة واحتواء الخارجين عن سلطتها اضافة الى ابعادها عن ضغوط التدخلات الخارجية”.

يبقى ان علامات التغيير الاكثر وضوحاً في السياسة الاميركية الجديدة حيال منطقة الشرق الاوسط ستكون، حسب هذه الاوساط الفرنسية، في كيفية التعامل مع دول الخليج العربي وفي مقدمها السعودية ودولة الامارات.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الشراكة الصينية الإيرانية تقلق واشنطن وتل أبيب