ظريف على طريق الرئاسة.. وجسوره الإصلاحية آمنة؟

برغم تسريب التسجيل الصوتي لمحمد جواد ظريف بكل ما تضمنه من عناوين إشكالية، كالعلاقة بين السلطة السياسية (الحكومة) ومؤسسة الحرس الثوري، وبرغم ردود الفعل، إلا أن ذلك لا يمنع من القول إن هذه الشخصية الإيرانية تمثل رقمًا لا يُستهان به في الانتخابات الرئاسية الإيرانية.

ما أن إنتشر التسجيل الصوتي لمحمد جواد ظريف كالنار في الهشيم، حتى سارع عدد من المعلقين للقول إن ظريف الذي إستثمر فيه الإصلاحيون للانتخابات الرئاسية المقبلة، بهدف خلق موجة كبيرة لصالح مرشحهم في صناديق الإقتراع، إنتهى إلى غير رجعة وصار عبئًا على الإصلاحيين أنفسهم، غير أن هذا الأمر يحتاج إلى تدقيق، إستناداً إلى معطيات وأرقام.

صحيح أن الفريق الإصلاحي كانت عينه وما تزال على المحادثات المصيرية في فيننا وعلى إمكان حصول نجاح تفاوضي كبير، لمصلحة رفع الجزء الأكبر من العقوبات الأميركية والغربية عن إيران، الأمر الذي يمكن إستثماره في صناديق الإقتراع في الثامن عشر من حزيران/ يونيو المقبل، الا أن تسريب التسجيل الصوتي لوزير الخارجية، بتوقيته ومضمونه، جعل البعض يطلق عليه حكمه النهائي: “نهاية ظريف الانتخابية”.

ويقول أحد المعلقين إن ظريف تورط بالدخول إلى ميدان كان مصمماً بعناية كبيرة. فمقابل حرفيته العالية في الشأن الدبلوماسي والعلاقات الدولية، أظهر إفتقاره إلى كيفية إتقان لعبة السياسة الداخلية المتشعبة والمعقدة، وهذا الأمر كان عنصراً مساعداً لمصممي مشروع “نهاية جواد ظريف”.

كثرت التعليقات وردود الفعل في إيران وخارجها على تصريحات ظريف، ولكن بعد أن أوضحت القيادة الإيرانية موقفها، من الأفضل الحكم على مستقبل ظريف في ضوء “الحكم السياسي” المُخفف الذي صدر بحقه، فعلى الرغم من الحزم الذي تميز به موقف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، إلا أن إنتقاده لم يكن حادًا إلى حيث يؤدي إلى حرق محمد جواد ظريف في الساحة السياسية الايرانية. لقد تعمد المرشد أن لا يسمي ظريف بالإسم، لكنه إستخدم كلمة “بعض المسؤولين” في حديثه عن التسجيل الصوتي المسرب لوزير الخارجية الايراني. من الواضح تمامًا أن السيد خامنئي لا يريد المس بظريف وفريقه في وزارة الخارجية في عز إنخراطهم في معركة الاتفاق النووي. يقول السيد الخامنئي إن “التصريحات الاخيرة لبعض المسؤولين التي تم نشرها عبر وسائل اعلام مناوئة للجمهورية الاسلامية هی تكرار للتصريحات العدائية التي يطلقها الأعداء والأميركيون”. واكد ان السياسة الخارجية في جميع بلدان العالم “يتم تحديدها من قبل الجهات العليا وليس وزارة الخارجية”؛ منوهًا في الوقت نفسه أن وزارة الخارجية “تساهم في اتخاذ القرارات لكنها ليست صاحبة القرار وانما تتولى مسؤولية التنفيذ”.

لقد تعمد المرشد الأعلى في رده غير المباشر على ظريف تجاهل محادثات فيينا النووية ومحادثات بغداد (السعودية ـ الإيرانية) بالإسم، وهذا يدل على أن القيادة الإيرانية تعي تمامًا حساسية اللحظة والمكان والظرف الإقليمي والدولي ولا تريد لقضية هامشية أن تصيب بشظاياها قضايا جوهرية مثل المحادثات الجارية في فيينا أو أن تقلل من ثقل الوفود الايرانية المفاوضة بقيادة ظريف والتي تحظى بثقة القيادة الإيرانية.

كان الرد الصادر عن ظريف محسوبًا ودقيقًا ومناسبًا. لم يتراجع ظريف عن آرائه في السياسة الخارجية، بل أعلن أنه يخضع لقرارات القيادة الإيرانية، وبهذه الصياغة المتقنة جدًا، أبقى رئيس الديبلوماسية الإيرانية جميع الجسور خلفه آمنة

وفي السياق نفسه، كان الرد الصادر عن ظريف محسوبًا ودقيقًا ومناسبًا. لم يتراجع ظريف عن آرائه في السياسة الخارجية، بل أعلن أنه يخضع لقرارات القيادة الإيرانية، وبهذه الصياغة المتقنة جدًا، أبقى رئيس الديبلوماسية الإيرانية جميع الجسور خلفه آمنة. قال ظريف عبر مدونته على “إنستغرام” إنه يأسف “لسرقة ونشر شريط صوتي احتوى بعض وجهات نظره الشخصية التي سجلها لنقل الخبرات بصدقية ومن دون نية للنشر، ومن ثم جرى استغلالها بصورة انتقائية من قبل المعادين للبلاد والشعب والثورة”. في موازاة ذلك، حاول ظريف التعبير عن أسفه العميق لما حصل، وذلك في رسالة فاضت بالعواطف الانسانية قام بتوجيهها إلى زينب نجلة اللواء الراحل قاسم سليماني. قال ظريف لزينب إن التسريب “جرح المشاعر الصادقة لمحبي الشهيد البارز اللواء قاسم سليماني وعائلته خصوصا ابنته زينب التي تعز عليّ كأولادي”. وأضاف “لقد سامحتُ كل من أعتقد أنه اتهمني وآمل أن يسامحني أيضا شعب إيران العظيم، وكل محبي السردار (لقب الضباط الكبار في الحرس)، وخصوصا عائلة سليماني النبيلة”.

الرد المدروس لظريف، هنا وهناك، أبرز مجددًا قدرة وزير الخارجية على تحويل الأزمة إلى فرصة. أيضًا أبرز عقلانيته وواقعيته وعدم غلوه أو تشدده في مواقفه، والدليل على ذلك صدى تلك التصريحات في القواعد الإصلاحية التي تفاعلت بحرارة مع مواقفه، ما يعني أن ورقة ظريف في الانتخابات الإيرانية المقبلة لم تحترق بعد، بعكس ما يردد العديد من المراقبين في الداخل والخارج.

لا تزال القيادة الإيرانية تعتقد أن فريق ظريف يجب أن يواصل المهمة التاريخية الملقاة على عاتقه بإجراء محادثات نووية وإقليمية ستترك تأثيرها على مستقبل إيران ربما لعقود من الزمن، وخير دليل على هذا الاستنتاج إلغاء مشروع استجواب ظريف من على جدول أعمال مجلس الشورى (البرلمان) الذي تسيطر عليه اغلبية مطلقة من المحافظين. لذلك، إذا اختتمت محادثات فيينا بنجاح ورفعت معظم العقوبات الاقتصادية عن ايران، فإن ظريف لن يخسر فرصة خوض غمار الانتخابات الرئاسية المقبلة، إذا قرر تقديم ترشيحه، وهو الأمر الذي ستظهر معالمه الأسبوع المقبل (الإثنين موعد فتح باب التسجيل في الإنتخابات ولخمسة أيام)، ومن ثم تأتي مرحلة تصفية أسماء المرشحين في مجلس صيانة الدستور.

إقرأ على موقع 180  أرمينيا.. الخطأ القاتل

يبقى السؤال هل يتوحد الإصلاحيون والمعتدلون ويجمعون على ظريف مرشحًا وحيدًا لهم في السباق الرئاسي؟

إذا حدث ذلك، فإن مجلس صيانة الدستور لا يستطيع بسهولة أن يرفض أهلية ظريف للانتخابات الرئاسية، خصوصًا وأن القيادة الإيرانية تمحضه ثقتها الكبيرة في المفاوضات النووية منذ العام 2013 تاريخ تعيينه في منصبه الحالي، علما أنها ثاني أطول ولاية في وزارة الخارجية منذ تاريخ الثورة الإيرانية، وسبقه إلى تحقيق رقم قياسي الدكتور على أكبر ولايتي (16 سنة وزيرا للخارجية) ويأتي من بعد ظريف كمال خرازي (8 سنوات).

وتشير آخر استطلاعات الرأي التي أجرتها الجمعية الوطنية لجبهة الإصلاحات في ايران، الأحد الماضي، إلى أن ظريف فاز بأكبر عدد من الأصوات وأصبح أول مرشح للتيار الاصلاحي حيث تقدم على أشخاص مثل اسحاق جهانغيري النائب الأول للرئيس الإيراني ومحسن هاشمي رفسنجاني رئيس مجالس بلدية طهران.

هناك معادلة ثابتة في الانتخابات الإيرانية. إذا تجاوزت نسبة الإقبال 70%، يفوز الإصلاحيون فيها. ويبدو أن ظريف ما زال بإمكانه زيادة مشاركة الناخبين في الانتخابات المقبلة، إذ لا يزال يتمتع بقاعدة قوية بين التيارات الإصلاحية. أيام قليلة ويظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود على صعيد المرشحين ومن بعدها لننتظر الثامن عشر من حزيران/ يونيو حيث سيكون لإيران رئيسها الجديد.

 

 

 

 

 

 

 

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  السلطة في مواجهة الثورة "كالقابض على الماء"!