إيران: رئيسي رئيساً.. و”صيانة الدستور” يشطب الإصلاحيين!

أسقط مجلس صيانة الدستور في إيران ضلعين من مثلث المرشحين إبراهيم رئيسي، إسحاق جهانجيري وعلي لاريجاني، وبذلك قضى على الأجواء التنافسية بين المحافظين والإصلاحيين والمعتدلين ومهّد الطريق أمام فوز سهل للمرشح لوراثة حسن روحاني وهو إبراهيم رئيسي، أحد رموز فريق المحافظين.

في خطوة غير مسبوقة لم تشهد إيران مثيلاً لها منذ إنتصار الثورة الإسلامية في العام 1979 وحتى آخر إنتخابات رئاسية في العام 2017، أعلن مجلس صيانة الدستور الذي تتحكم به أكثرية تنتمي إلى فريق المحافظين أن جميع المرشحين الرئاسيين الإصلاحيين، بمن فيهم إسحاق جهانجيري، النائب الأول للرئيس الإيراني الحالي، غير مؤهلين للرئاسة.

هذا القرار الذي أعلن رسمياً اليوم (الثلاثاء)، شكّل مفاجأة للرأي العام الإيراني ولكل المهتمين بالإنتخابات الإيرانية، خاصة وأن نتائج الإنتخابات الرئاسية المقررة في 18 حزيران/ يونيو المقبل ستترك تداعياتها ليس على صعيد الإدارة الداخلية، بل أيضاً على صعيد الخيارات الإقليمية والدولية، ولا سيما ملف التفاوض الأميركي ـ الإيراني.

من هم المرشحون السبعة الذين أجاز لهم مجلس صيانة الدستور المضي في الترشيح من أصل 592 مرشحاً؟

خمسة من أصل سبعة من هؤلاء المرشحين هم من المحافظين: إبراهيم رئيسي (رئيس السلطة القضائية وكان قد نال في العام 2017 38 في المئة من الأصوات في مواجهة حسن روحاني)؛ سعيد جليلي (السكرتير السابق لمجلس الأمن القومي الإيراني وعضو مجمع مصلحة تشخيص النظام حالياً وصاحب خبرة كبيرة في الملفات الخارجية وأبرزها مفاوضات الملف النووي)؛ محسن رضائي (القائد السابق للحرس الثوري الإيراني والعسكري الوحيد المتبقي في المعركة الرئاسية)؛ علي رضا زاكاني (نائب محسوب على فريق المحافظين في مجلس الشورى) وأمير حسين قاضي زاده هاشمي (نائب محسوب على المحافظين في مجلس الشورى أيضاً).

أما الإثنان الأخيران فهما، محسن مهر علي زاده (رئيس اتحاد رياضة “الزورخانة” وعضو مجلس إدارة منطقة كيش الاقتصادية الحرة) وعبد الناصر همتي (محافظ البنك المركزي الإيراني) وهما ينتميان إلى التيار الإصلاحي، ولكنهما سجلا ترشيحهما بشكل مستقل ولم يندرج إسمهما في القائمة النهائية للمرشحين الإصلاحيين. ويشكل قرار مجلس صيانة الدستور “جائزة ترضية للإصلاحيين لإسكاتهم ومنع إعتراضهم ولكن من دون أن يعدل هذا الترشيح في نتائج الإنتخابات”، على حد تعبير أحد المقربين من الفريق الإصلاحي.

لم تقتصر الصدمة على الإصلاحيين والمعتدلين بل إنسحبت على فريق المحافظين الذين بدت بعض شخصياتهم في حالة صدمة إزاء قرار مجلس صيانة الدستور بشأن القائمة النهائية للمرشحين، ولذلك، يأمل هؤلاء بأن يتم تعديل هذه القائمة من أجل أن تكون “أكثر توازناً حتى لو إقتضى الأمر تدخل آية الله السيد علي خامنئي”

ويقول أحد رموز خصوم المحافظين إن البيئة الانتخابية تم تصميمها من قبل مجلس صيانة الدستور وفريق المحافظين بطريقة يتمكن فيها إبراهيم رئيسي (المرشح الأول للمحافظين) من الوصول بسهولة إلى شارع باستور مقر الرئاسة الإيرانية، وليس مستبعداً أن يحصل ذلك من الجولة الأولى للإنتخابات في غياب أي منافسة جدية، علما أن المرشحين الآخرين قد يبادر بعضهم إلى الإنسحاب في ما تبقى من أسابيع قليلة، وهذا الأمر من شأنه أن يوفر فوزاً سهلاً وبلا أدنى منافسة، اي ستكون الإنتخابات عبارة عن نزهة ربيعية للمحافظين.

غير أن هذه النتيجة المرتقبة سترتد سلباً على حماسة الناخب الإيراني للمشاركة في الإنتخابات، وهذه النقطة إعترف بها إبراهيم رئيسي بقوله “أنا على اتصال (مع مجلس صيانة الدستور) منذ مساء أمس (الإثنين) عندما أبلغت بنتائج المؤهلات وأجري مشاورات لجعل المشهد الانتخابي أكثر تنافسية وحتى تكون هناك مشاركة أكبر”.

ولم تقتصر الصدمة على الإصلاحيين والمعتدلين بل إنسحبت على فريق المحافظين الذين بدت بعض شخصياتهم في حالة صدمة إزاء قرار مجلس صيانة الدستور بشأن القائمة النهائية للمرشحين، ولذلك، يأمل هؤلاء بأن يتم تعديل هذه القائمة من أجل أن تكون “أكثر توازناً حتى لو إقتضى الأمر تدخل آية الله السيد علي خامنئي”، على حد تعبير أحد وجوه المحافظين.

وثمة من يقول إن الرئيس حسن روحاني كتب أيضاً رسالة إلى السيد خامنئي يناشده فيها التدخل والسماح لمرشحين من الأطياف السياسية الأخرى بالمشاركة في الترشيح للإنتخابات الرئاسية.

كان متوقعا أن يؤدي تنافس الإصلاحيين والمحافظين وخاصة في المناظرات التلفزيونية التي تسبق الإنتخابات إلى إثارة مشاعر الناخبين وبالتالي يؤدي إلى تشجيعهم على التوجه إلى صناديق الاقتراع، الا أن قرارات مجلس صيانة الدستور قضت على هذه الفرصة

بكل الأحوال، في ضوء هذه التطورات المفاجئة، من المتوقع أن تنخفض نسبة الإقبال على صناديق الإقتراع، علماً أنه بمعزل عن نتائج قرار صيانة الدستور، أظهرت العديد من إستطلاعات الرأي أن الناس سيصوتون في هذه الدورة بنسبة أقل من الانتخابات السابقة بسبب جائحة كورونا وعدم رضا أغلبية الإيرانيين عن الظروف المعيشية والاقتصادية الصعبة.

وقبيل الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين بساعات قليلة، توقع مركز استطلاع الرأي إيسبا (ISPA)، وهو أحد أهم مراكز استطلاعات الرأي في إيران، أنه في أحسن الأحوال سوف يصوت 42٪ فقط من الناخبين في الانتخابات، وهو رقم مرشح للإنخفاض في ضوء الإعلان عن القائمة النهائية وإنتفاء المنافسة الجدية بين الإصلاحيين والمحافظين.

إقرأ على موقع 180  مُسيّرات إيران تقتحم مجلس الأمن.. والأهداف ليست أوكرانية!

وكان متوقعا أن يؤدي تنافس الإصلاحيين والمحافظين وخاصة في المناظرات التلفزيونية التي تسبق الإنتخابات إلى إثارة مشاعر الناخبين وبالتالي يؤدي إلى تشجيعهم على التوجه إلى صناديق الاقتراع، الا أن قرارات مجلس صيانة الدستور قضت على هذه الفرصة.

وفي غياب المرشحين الإصلاحيين، يغيب عن جدول أعمال المتنافسين موضوع السياسة الخارجية ولا سيما محادثات فيينا النووية إذ أن الإصلاحيين كانوا يطمحون إلى إستثمار نتائج محادثات فيينا ورفع العقوبات الأميركية في الصناديق الإنتخابية.

لكن المحافظين، الذين يتمتعون بأغلبية مطلقة في البرلمان (مجلس الشورى)، تمكنوا من تمرير بعض القوانين وفرض بعض السياسات على إدارة حسن روحاني في البرلمان من أجل جعل محادثات فيينا ورفع العقوبات الأميركية متصلة بمرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية، اي بعهدة الحكومة المحافظة المقبلة.

وليس خافياً أن الهدف من وراء هذه السياسات هو إبقاء الورقة الرابحة أي ورقة الغاء العقوبات الأميركية في أيدي المحافظين.

الأن أصبح بالإمكان القول إن الوظيفة الأساسية لتسريب التسجيل الصوتي لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف هي إزاحته من قائمة المرشحين، وجاء مجلس صيانة الدستور ليكمل الخطة نفسها، أي إزاحة المرشحين الإصلاحيين نهائياً.

يذكر أن إستبعاد الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد كان متوقعاً، تبعاً لإستبعاده في الإنتخابات السابقة، لكن إستبعاد من تولى رئاسة البرلمان 12 سنة علي لاريجاني شكّل مفاجأة كبيرة، ويسري ذلك على إسحاق جهانجيري نائب الرئيس الإيراني.

والجدير ذكره أن تاريخ 18 حزيران/ يونيو سيشهد إجراء 4 انتخابات عملياً وهي: الانتخابات الرئاسية؛ انتخابات مجالس البلديات في المدن والقرى والبلدات الإيرانية (في كل إيران)؛ إنتخابات الدورة التكميلية لمجلس الشورى الإسلامي (المقاعد النيابية الشاغرة في مدن ومحافظات محددة)؛ إنتخابات ملء المقاعد الشاغرة في مجلس خبراء القيادة (محافظات محددة).

وتظهر استطلاعات الرأي أن إقبال الناخبين على الانتخابات الرئاسية ومجالس البلديات سيكون منخفضاً في طهران والمدن الكبرى، لكن في المدن والقرى الصغيرة يتوقع أن تكون هناك مشاركة أكبر، وذلك لأن انتخابات مجالس البلديات مهمة للبلدات والقرى الصغيرة، وتلعب العوامل العرقية والقبلية دوراً مهماً فيها وبشكل طبيعي سيؤدي هذا إلى زيادة الإقبال في الانتخابات الرئاسية.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
free online course
إقرأ على موقع 180  بايدن وإيران.. القفز إلى التفاوض من السقوف العالية