على الرغم من الدور الذي لعبته جماعة “الإخوان المسلمين” السورية في الحرب الدائرة في منذ عقد من الزمن على أرض سوريا، ولا سيما في سنواتها الأولى، فشلت معظم محاولات هذه الجماعة لتجنيد وتمويل فصائل مقاتلة تدين بولاء مطلق إليها، كما فشلت محاولات احتواء وتسيّد فصائل أخرى كانت فاعلة (أحرار الشام)، فكان أن بَهت نجمها هي الأخرى لمصلحة سطوع نجم الفصائل “الجهادية” الأخرى، سواء “داعش” الذي تسيد المشهد السوري الميداني قبل أن يتراجع ولا يبقى منه سوى مجموعات تحاول لمّ شتاتها هنا وهناك، أو حتى “جبهة النصرة” التي تحوّلت في ما بعد إلى “هيئة تحرير الشام” والتي تسيطر على إدلب وعينها على الشمال الخاضع لسيطرة فصائل “الجيش الوطني” الذي أسسته تركيا في الشمال والشمال الشرقي من سوريا وصهرت فيه معظم الفصائل المسلحة المعارضة.
وقد حاولت جماعة “الإخوان” التظاهر بالوقوف على مسافة واحدة من جميع الفصائل المعارضة على الأرض السورية، باستثناء “داعش” و”جبهة النصرة” (هيئة تحرير الشام)، بسبب دمغهما بصفة “الإرهاب” دولياً، على الرغم من تورط قيادات إخوانية في توفير الدعم لهذا أو ذاك، قبل أن تصطدم أيضاً برغبة قيادتي كل من “النصرة” و”داعش” بفرض سيطرة كل منهما المطلقة على الأرض.
حاولت جماعة “الإخوان” منذ بداية الأزمة السورية الإستفادة من خبرتها وعلاقاتها، عبر إمساكها بزمام الإدارة السياسية الخارجية، فشاركت في إنشاء التجمعات السياسية المعارضة وإدارتها من تركيا، سواء المجلس الوطني أو حتى “الائتلاف المعارض” و”الحكومة” المنبثقة عنه، معتمدة على علاقتها بتركيا التي يقودها “حزب العدالة والتنمية” المرتبط بتنظيم “الإخوان” العالمي، وأيضاً علاقتها بقطر التي تمثل الداعم الأبرز لـ”الجماعة” في المنطقة العربية، فضلاً عن إحتضانها عدداً كبيراً من منظريها وقادتها.
جاءت سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان لتعطي قوة دفع جديدة لـ”جماعة الإخوان” السورية التي تسعى إلى إعادة تشكيل نفسها ولملمة صفوفها، خصوصاً بعد الشقاق الكبير الذي ظهر إلى العلن بين تيار المراقب العام السابق لـ”الإخوان” محمد رياض الشقفة ونائبه فاروق طيفور وتيار “إخواني” آخر يقوده محمد سعيد حوا
بعد التدخل التركي في سوريا، الذي نادت به جماعة “الإخوان” وطالبت به منذ اندلاع الحرب السورية، عملت أنقرة على إعادة تشكيل الفصائل المقاتلة في الشمال السوري تحت مظلة عسكرية واحدة تتبع بشكل مطلق لها، الأمر الذي مهّد الأرض لـ”الجماعة” التي يعيش مراقبها العام محمد حكمت وليد في تركيا لزيادة نفوذها، وتصوير نفسها قوة سياسية ذات حضور عسكري وازن على الأرض.
في المقابل، حاولت “هيئة تحرير الشام” بقيادة ابو محمد الجولاني تصوير نفسها زعيمة للفصائل المقاتلة في سوريا، الأمر الذي دفع “الإخوان” إلى إعادة تقييم المشهد، ومحاولة فرض معادلة “توافقية” تضمن دمج المشروعين ضمن مشروع واحد، وهو ما ظهر بشكل واضح من خلال الانفتاح الذي أبدته تجاه الجولاني، عن طريق إرسال رسائل مباشرة وغير مباشرة تحت عنوان “توحيد الصف”، فتتولى هي قيادة الجانب السياسي وتحفظ للجولاني زمام القيادة العسكرية الميدانية، خصوصاً بعد أن تمكنت أنقرة من ترويض الجولاني وتحويله وجماعته إلى تابعين.
ووسط هذه التطورات، جاءت سيطرة حركة “طالبان” على أفغانستان لتعطي قوة دفع جديدة لـ”الجماعة” التي تسعى إلى إعادة تشكيل نفسها ولملمة صفوفها، خصوصاً بعد الشقاق الكبير الذي ظهر إلى العلن بين تيار المراقب العام السابق لـ”الإخوان” محمد رياض الشقفة ونائبه فاروق طيفور وتيار “إخواني” آخر يقوده محمد سعيد حوا، وهو الإنقسام الذي أدى إلى الإبقاء على محمد حكمت وليد مراقباً عاماً لولاية ثانية.
وبعد أربعة أيام من سيطرة “طالبان” على العاصمة الأفغانية كابول، أصدرت جماعة “الإخوان المسلمين” السورية بياناً هنأت من خلاله “طالبان” بما أسمته “العيد الحقيقي لكل الأحرار والشرفاء”، معتبرة أنّ ما جرى “نعمة من الله يستحق كل الشعب الأفغاني عليها التهنئة والتجلة والإكبار”.
وثمة ترابط بين تصاعد الحركات الجهادية في أفغانستان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وبين تصاعد حضور “الإخوان” في ساحات عديدة، وهو ما روى بعض تفاصيله المراقب الرابع للجماعة في سوريا عدنان سعد الدين في كتابه الخامس الذي أفرد فيه فصلاً كاملاً للحديث عن أفغانستان، وكشف فيه وقائع من التواصل الكبير والمستمر بين الجماعة وتلك الفصائل الجهادية وكيفية تبادل الخبرات وإقامة المعسكرات التدريبية.
التغيرات التي فرضتها سيطرة “طالبان” على أفغانستان، وفرصة تركيا في التوسع أكثر في الداخل الأفغاني، ترسم ملامح مرحلة جديدة لجماعة “الإخوان” ، الذين سيجدون الباب مفتوحاً أمامهم للاستفادة مرة أخرى من التجربة الأفغانية من جهة، وإيجاد منافذ جديدة لاختراق المشهد “الجهادي” المعقد في سوريا من جهة أخرى
واللافت للإنتباه في كتاب سعد الدين تأكيده في أكثر من موقع على إعجاب “الجماعة” بموقف القيادي الأفغاني قلب الدين حكمتيار، الأمر الذي قد يُفسر التعاون الكبير الذي جرى بين “الإخوان” وجماعة حكمتيار، عن طريق إرسال مقاتلين، أو حتى إقامة معسكرات تدريبية لمقاتليه بقيادة عدد من “صقور الإخوان” وأبرزهم رضوان محمود نمّوس الذي عرف في ما بعد باسم “أبو فراس السوري” والذي انتقل للقتال في صفوف “القاعدة” وعاد إلى سوريا وانضم إلى “جبهة النصرة” قبل أن يقتل في غارة أميركية على موقع في إدلب العام 2016.
وعلى الرغم من التقلبات السياسية التي طرأت على موقف حكمتيار الذي يقود منذ ثلاثة عقود “الحزب الإسلامي الأفغاني”، فقد تمكن من الحفاظ على صلاته القوية بحركة “طالبان” من جهة، وعلاقته التاريخية بالرئيس التركي رجب طيب إردوغان من جهة أخرى، حيث يستعد في الوقت الحالي للعب دور قيادي في أفغانستان في مرحلة سيطرة “طالبان” الجديدة، خصوصاً بعد التصريحات الإيجابية العديدة التي أطلقتها الحركة تجاه أنقرة، والتأكيد على رغبتها بتمتين العلاقة معها.
وترسم التغيرات التي فرضتها سيطرة “طالبان” على أفغانستان، وفرصة تركيا في التوسع أكثر في الداخل الأفغاني، ملامح مرحلة جديدة لجماعة “الإخوان” ، الذين سيجدون الباب مفتوحاً أمامهم للاستفادة مرة أخرى من التجربة الأفغانية من جهة، وإيجاد منافذ جديدة لاختراق المشهد “الجهادي” المعقد في سوريا من جهة أخرى، خصوصاً مع العلاقات الوثيقة التي تربط عدداً كبيراً من قياديي الفصائل “الجهادية” في سوريا بقياديي فصائل أفغانية بينها “طالبان” ذاتها، الأمر الذي تأمل “الجماعة” أن يسرّع في إعادة تصدرها المشهد السياسي والعسكري في سوريا، ليعيد بدوره التوازنات إلى الفترة الأولى التي اندلعت فيها الأحداث في سوريا، ضمن ظروف مختلفة يأمل “الإخوان” أن يكون موقفهم فيها أقوى.
التزمت “الجماعة”، التي لم تكن تملك وجوداً كبيراً في الساحة السورية، الصمت في بداية الأحداث السورية لفترة من الزمن، عندما اشترطت أنقرة على دمشق إشراك “الإخوان” بصورة أكبر في الحكومة مقابل المساعدة في إيجاد مخرج للأزمة، وهو ما رفضته دمشق حينها، ليعلو بعدها صوت “الإخوان”، برفع شعار إسقاط النظام، ودعوة تركيا إلى التدخل العسكري، لتمر سوريا بعدها بمتغيرات سياسية وعسكرية عديدة، فهل يصعد نجم “الإخوان” مرة أخرى مصحوباً بقدرة عسكرية ووجود على الأرض التي وفرتها لها أنقرة، بالإضافة إلى الخبرات الجهادية الأفغانية وتوافر ساحة مفتوحة آمنة لإعادة هيكلة نفسها، خصوصاً أن “الجماعة” تمكنت خلال الحرب من بناء علاقات سياسية مع أطراف دولية عديدة، بينها السعودية التي تغازلها بين وقت وآخر، ويتمتع مراقب “الجماعة” الحالي محمد حكمت وليد بعلاقة جيدة معها؟